مولده ونشأته
في طبرستان، جنوب بحر قزوين ولد الإمام أبو طالب عليه السلام سنة340هـ، ونشأ بها في ظل أسرة علوية كريمة، تحب العلم، وتشغف مكارم الأخلاق.
والده العلامة الجليل المحدث، الحسين الهاروني المتوفى في القرن الرابع الهجري، وشقيقه الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني المتوفى سنة 411هـ.
ففي ظل هذه الأسرة الكريمة نشأ ونما وتربى وتعلم، قال الشهيد حميد المحلي: كان عليه السلام قد نشأ على طريقة يحكي شرفها جوهره، ويحاكي بفضلها عنصره، وكان قد قرأ على السيد أبي العباس الحسني عليه السلام فقه العترة عليهم السلام، حتى ثج في غماره، ووصل قعر بحاره، وقرأ في الكلام على الشيخ أبي عبدالله البصري، فاحتوى على فرائده، وأحاط معرفة بجليه وغرائبه، وكذلك قرأ عليه في أصول الفقه أيضاً، ولقي غيره من الشيوخ وأخذ عنهم، حتى أضحى في فنون العلم بحراً يتغطمط تياره، ويتلاطم زخاره .(1/26)


مشائخه
ومن أبرز مشائخه والده المحدث الحسين الهاروني المتوفى في أواخر القرن الرابع الهجري، وأبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني المتوفى سنة 353هـ والمحدث أحمد بن عدي الحافظ المتوفى سنة 365هـ وهو من أكثر الرجال الذين روى عنهم، والإمام الهادي الصغير يحيى بن الإمام المرتضى عليهم السلام، في هذا الكتاب كما ستلاحظ، والشيخ محمد بن محمد بن النعمان المفيد المتوفى في أواخر القرن الرابع الهجري تقريباً، والشيخ أبو عبدالله البصري المتوفى سنة 377هـ إضافة إلى من سيأتي ذكرهم.
ومن الملاحظ أنه قد اطلع على كل الإتجاهات المعاصرة له، فوالده وأبو العباس الحسني من الزيدية، وعنهم أخذ علوم أهل البيت عليهم السلام، والمحدث أحمد بن عدي الحافظ من السنية، والشيخ محمد المفيد من الإمامية، والشيخ أبو عبدالله البصري من المعتزلة، وقد حظي باحترامهم جميعاً.
وأشك فيما ذكره بعض المؤرخين من أن والده كان إمامياً لعدة أسباب منها: أنه من المناصرين للإمام الناصر الأطروش عليه السلام، ومنها أن ولده المؤيد بالله عليه السلام ذكر أنه لا يقبل أخبار الإمامية، وقد روى عنه، وقد بسط الكلام حول ذلك الإمام إبراهيم بن القاسم بن محمد بن القاسم بن محمد عليهم السلام في (طبقات الزيدية الكبرى) وأشار إلى ذلك شيخنا السيد العلامة الحجة مجد الدين بن محمد المؤيدي حفظه الله تعالى في كتابه (لوامع الأنوار) .(1/27)


بيعته
بعد موت الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني سنة 411هـ أسرع العلماء إلى مبايعة شقيقه الإمام الناطق بالحق يحيى بن الحسين الهاروني المكنى بـ(أبي طالب) وكانت محل الرضى والقبول لدى جميع الطبقات والإتجاهات.
قال الشهيد حميد المحلي: بويع له عليه السلام بعد أخيه المؤيد بالله عليه السلام ، ولم يتخلف عنه أحد ممن يرجع إلى دين وفضل، لعلمهم بظهور علمه، وغزارة فهمه، واجتماع خصال الإمامة فيه، وزاد أيضاً على ما يجب اعتباره من الشرائط زيادة ظاهرة وفي بيعته عليه السلام يقول أبو الفرج بن هندو، وكان أبو الفرج قد بلغ الغاية القصوى والمرتبة العليا في مذهب الفلاسفة، ثم تاب وصار من عيون الزيدية، ومن شيعة السيد أبي طالب عليه السلام:
سر النبوة والنبيا .... وزهى الوصية والوصيا
أن الديالم بايعت .... يحيى بن هارون الرضيا
ثم استربت بعادة .... الأيام إذ خانت عليا
آل النبي طلبتم .... ميراثكم طلباً بطيبا
يا ليت شعري هل أرى .... نجما لدولتكم مضيا
فأكون أول من يهز .... إلى الهياج المشرفيا
وقد استمر حكمه ثلاثة عشر عاماً، تفيأ الناس خلالها ظلال عدالته وسماحته، وازدهرت الحياة العلمية في عهده.(1/28)


من قواعده في الحديث
وهو عليه السلام لا يروي الحديث إلا بعد تأكده من صحته أو حسنه، بدليل ما ذكره في كتابه: (شرح البالغ المدرك) بعد أن أورد أخباراً من طريق العامة: واعلم أنه دعانا إلى ذكر هذه الأخبار بنقل العامة -وإن كان قد نقلها عندنا من نثق به من أئمتنا عليهم السلام إلى رسول اللهً، ومشائخ أهل العدل والتوحيد- إنكار فقهائهم حجج العقول، والرجوع إليها في متشابه القرآن والأخبار .
وقال في موضع آخر: والعالم من أهل البيت عليهم السلام مع ظهور ورعه وفقهه أولى من نقلت عنه الأخبار، ولا يبعد ذلك من علماء شيعتهم على هذا الشرط، لأن مأخذ الشريعة منهم أولى؛ لقول رسول اللهً: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)) .(1/29)


ثناء العلماء عليه
ولقد كان عليه السلام محل إعجاب الجميع من مختلف الطبقات، وعلى اختلاف مشاربها واتجاهاتها، وقد أثنى عليه عدد من العلماء منهم:
1- قال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام: لم يبق فن من فنون العلم إلا طار في أرجائه، وسبح في أفنائه .
2- قال الحاكم الجشمي: كان شيخنا أبو الحسن علي بن عبد الله اختلف إليه مدة بجرجان والسيد أبو القاسم الحسني يخرج من مجلسه، فيحكيان عن علمه، وورعه، واجتهاده، وعبادته، وخصاله الحميدة، وسيرته المرضية شيئاً عجيباً يليق بمثل ذلك الصدر، وقال: كلامه مسحة من العلم الإلهي، وجذوة من الكلام النبوي .
3- وقال أبو طاهر: كان من أمثل أهل البيت، ومن المحمودين في صناعة الحديث وغيره من الأصول والفروع .
4- وقال ابن حجر: كان إماماً على مذهب زيد بن علي، وكان فاضلاً غزير العلم، مكثراً، عارفاً بالأدب وطريقة الحديث .(1/30)

6 / 100
ع
En
A+
A-