- وبه قال: حدثني أبو الفتح أحمد بن علي بن هارون بن المنجم ببغداد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا محمد بن العباس اليزيدي، قال: حدثنا محمد بن إسحاق البغوي، قال: أخبرنا الرياشي، عن الأصمعي، قال: وجد على ساق شجرةٍ بطريق مكة مكتوباً:
فنسأل الله صبر أيوب
فابك عليها بكاء يعقوب
نحن من الدهر في أعاجيب
أقفرت الأرض عن محاسنها
o وبه قال: أخبرنا أبي رحمه الله تعالى، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن سلامٍ رحمه الله تعالى، قال: أخبرنا أبي رحمه الله تعالى، قال: أخبرنا إبراهيم بن سلام اللهمي الكوفي، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، عن إسماعيل بن مسلمٍ، عن جعفرٍ، عن أبيه عن جده.
عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطب الناس فقال: ((أيها الناس الموتة الموتة الوحية الوحية لا ردة سعادةٍ أو شقاوةٍ، جاء الموت بما فيه بالروح والراحة لأهل دار الحيوان الذين كان لها سعيهم وفيها رغبتهم، جاء الموت بما فيه من الويل والحسرة والكره الخاسرة لأهل دار الغرور الذين كان لها سعيهم وفيها رغبتهم، بئس العبد عبد له وجهان يقبل بواحدٍ ويدبر بآخر، إذا رأى بأخيه المسلم خيراً حسده وإن ابتلي خذله بئس العبد عبدٌ خلق للعبادة فألهته العاجلة عن الآجلة فزالت عنه العاجلة وشقي بالعاقبة، بئس العبد عبدٌ تجبر واختال، ونسي الكبير المتعال، بئس العبد عبدٌ بغى وعتى ونسي المبدأ والمعاد، بئس العبد عبدٌ له هم يضله، بئس العبد عبدٌ له رغبٌ يذله، بئس العبد عبدٌ له طمعٌ يزله)).
o وبه قال: أخبرنا أبي رحمه الله تعالى، قال: أخبرنا أبو جعفرٍ محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: أخبرنا عبد الله بن جعفرٍ الحميري، عن هارون بن مسلمٍ، عن مسعدة بن صدقة.(1/184)


عن جعفر بن محمدٍ، عن أبيه عن جده أن عليا عليه السلام خطب فقال بعد حمد الله تعالى والثناء عليه: أيها الناس إنما أنتم في هذه الدنيا غرضٌ تنتصل فيكم المنايا، وما لكم فيها نهبٌ للحتوف والمصائب، مع كل جرعةٍ منها شرقٌ، وفي كل أكلةٍ منها غصصٌ، لا تنالون منها نعمةٌ إلا بفراق أخرى وما يعمر من معمرٍ في عمره يوماً إلا بهدم آخرٍ من أجله ولا تتجدد له زيادةٌ في أكله إلا بنفاد ما قبله من رزقه ولا يحيى له أثرٌ إلا مات له أثرٌ، وقد مضت أصولٌ نحن فروعها فما بقاء فرعٍ اجتث أصله، إني أحذركم الدنيا فإنها غرارةٌ لا تعدو إذا هي تناهت إلى أمنيتها ما، قال الله عز وجل:?وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا?[الكهف:45] مع أن كل من نال منها حبرةٌ أعقبته عبرةٌ، ولم يلق من سرائها بطناً إلا منحته من ضرائها ظهراً غرارة غرورٌ ما فيها، لا خير في شيءٍ من زادها إلا التقوى، من قلل منها استكثر مما يؤمنه، ومن استكثر منها لم تدم له ولم يدم لها، كم واثقٍ بها ومطمئن إليها قد خدعته وذي تاجٍ منها قد أكبته لليدين وللفم، سلطانها دولٌ وصفوها كدر، وحيها بعرض موتٍ وأمنها بعرض خوفٍ، وملكها مسلوبٌ وجارها محروبٌ ومن وراء ذلك سكرة الموت وزفرته، وهول المطلع والوقوف بين يدي الحكم العدل، فهنالك تبلو كل نفسٍ ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون، فيجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، ألستم ترون وتعلمون أنكم في منازل من كان قبلكم كانوا أطول منكم أعماراً وأشهر منكم آثاراً، وأكثر منكم جنوداً وأشد منكم عموداً، تعبدوا للدنيا أي تعبدٍ، ونزلوا بها أي نزولٍ وآثروها أي إيثارٍ.(1/185)


فهل بلغكم أن الدنيا سمحت لهم، بل أهلكتهم بالخطوب ودهمتهم بالقوارع، وهل صحبتهم إلا بالتعسف وهل أعقبتهم إلا النار؟! أفهذه تؤثرون أو فيها ترغبون، والله تبارك وتعالى يقول:?مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ?[هود:15،16] بئست الدار لمن لا ينهنهها ولم يكن فيها على وجلٍ.
إعلموا -وأنتم تعلمون- أنكم لا بد تاركوها أنها كما قال عز وجل: لعبٌ ولهوٌ ?اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ?[الحديد:20] فاعتبروا بمن قد رأيتم من إخوانكم، صاروا في التراب رميماً لا يرجى نفعهم ولا يخشى ضرهم، وهم كمن لم يكن، وكما قال الله عز وجل: ?فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً?[القصص:58] استبدلوا بظهر الأرض بطناً وبالأنس غربةً، وبالأهل وحدةً، غير أن قد ضعنوا بأعمالهم إلى الحياة الدائمة أو الشقوة اللازمة.
فيا لها حسرةٌ على كل ذي غفلةٍ أن يكون عمره عليه حجةً، أو أن تؤديه أيامه إلى شقوةٍ، جعلنا الله وإياكم ممن لا تبطره نعمةٌ ولا تعظم به عن طاعةٍ غايةٌ ولا تحل به شقوةٌ، فإنه لطيفٌ لما يشاء بيده الخير وهو على كل شيءٍ قديرٌ.
وصلى الله على رسول الله وعلى جميع أهل بيته المطهرين الأخيار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.(1/186)


o وبه قال: أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمدٍ البغدادي، قال: حدثنا عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر الزيدي، قال: حدثني محمد بن الحسن، قال: حدثنا أحمد بن عمر، قال: حدثنا محمد بن كثير الكوفي، عن أبي خالد عمرو بن خالدٍ.
عن زيد بن علي عن أبيه، عن جده عليه السلام، قال: خطب علي عليه السلام الناس فقال في خطبته: الحق طريق الجنة، والباطل طريق النار، وعلى كل طريقٍ داعٍ يدعو إلى طريقه، فمن أجاب داعي الحق أداه إلى الجنة، ومن أجاب داعي الباطل ساقه إلى النار، ألا وإن داعي الحق كتاب الله عز وجل، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، من عمل به أجر ومن خالفه دحر، ألا وإن الداعي إلى الباطل عدوكم الذي أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوأتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم، ألا فاعصوا عدوكم، وأطيعوا ربكم ومن أحق بكم من الله، خلقكم ثم رزقكم، ثم يميتكم ثم يحييكم، ألا وإنه عز وجل قال: ?إِنَّ الله لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ?[الرعد:11].
عباد الله، فلا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون، ألا فإن لم تفعلوا فقد سلكتم سبيل من قد هلك.
- وبه قال: حدثني أحمد بن محمد الآبنوسي، قال: حدثني عبد العزيز بن إسحاق، قال: حدثني عبيد الله بن جعفر بن محمدٍ، عن عمه أحمد بن محمدٍ، عن النضر بن يزيد، عن أبي المليح الرقي، قال: وجد على ديرٍ مكتوباً:
تلاعب فيه شمألٌ ودبور
ولم تتبختر في فنائك حور
صغيرهم عند الأنام كبير
أيا منزلاً بالدير أصبح داثراً
كأنك لم تسكنك بيضٌ أوإنس
وأولاد أملاكٍ بهاليل سادةٍ
o وبه قال: أخبرنا أبي رحمه الله تعالى، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن أحمد بن سلامٍ، قال: أخبرنا أبي قال: حدثنا إبراهيم بن سليمان، قال: حدثنا أحمد بن صبيحٍ، قال: حدثنا حسين بن علوان الكلبي، عن سعد بن طريفٍ.(1/187)


عن الأصبغ بن نباتة، قال: خطب أمير المؤمنين علي عليه السلام، فقال: عباد الله الموت ليس منه فوتٌ إن أقمتم أخذكم وإن فررتم أدرككم، الموت معقودٌ بنواصيكم الوحى الوحى النجى النجى، وراءكم طالبٌ حثيثٌ: القبر، فاذكروا ضيقه وضنكه وظلمته، ألا وإن القبر روضةٌ من رياض الجنة أو حفرةٌ من حفر النار، ألا وإن من وراء ذلك يوماً تذهل فيه كل مرضعةٍ عما أرضعت وتضع كل ذات حملٍ حملها وترى الناس سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديدٌ، ألا وإن من وراء ذلك اليوم لناراً حرها شديدٌ وقعرها عميقٌ وحلية أهلها فيها حديدٌ، ليس لله فيها رحمةٌ.
قال: فبكى المسلمون حول المنبر حتى اشتد بكاؤهم فقال: ألا ومن وراء ذلك جنةٌ عرضها السماوات والأرض؛ أعاذنا الله وإياكم من العذاب الأليم ورحمنا وإياكم من العذاب المهين، ثم نزل.
o وبه قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن مهدي، قال: أخبرنا محمد بن علي بن هاشمٍ، قال: أخبرنا ابن أبي الدنيا، قال: حدثنا عبد الرحمن بن صالحٍ، عن أبي صادقٍ.
عن ربيعة بن ناجدٍ، قال: خطب أمير المؤمنين علي عليه السلام أصحابه، فقال: وكونوا كالنحلة في الطير فإنه ليس شيءٌ من الطير إلا وهو يستضعفها ولو تعلم ما في أجوافها لم تفعل، خالقوا الناس بأخلاقكم وألسنتكم، وزايلوهم بأعمالكم وقلوبكم، فإن لكل امرئ ما اكتسب وهو يوم القيامة مع من أحب.(1/188)

46 / 100
ع
En
A+
A-