- وبه قال: حدثني أبو العباس الحسني، عن أبي الفرج، عن أبي ميسرة، قال: حدثنا أبو سعيدٍ محمد بن زياد المكي المعروف بابن الأعرابي، قال: سمعت أبا منصور الصوفي النيسابوري بهراة، قال: وفد شقيق البلخي على جعفر بن محمدٍ (عليهما السلام) ليسأله، عن شيءٍ فبدأه جعفرٌ عليه السلام فقال: من أين أنت؟ قال: من خراسان أو من بلخٍ فقال: كيف التوكل هناك؟ قال: إذا رزقوا أكلوا وإذا منعوا صبروا، فقال جعفرٌ عليه السلام: هكذا كلاب المدينة عندنا إذا رزقت أكلت وإذا منعت صبرت فقال شقيق: كيف هو عندك يا ابن رسول الله؟ قال: التوكل عندنا إنا إذا رزقنا آثرنا وإذا منعنا شكرنا.
- وبه قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني رحمه الله إملاءاً، قال: أخبرنا أبو علي الحسين بن علي بن برزخٍ، قال: سمعت محمد بن يحيى الصولي يقول: سمعت محمد بن القاسم أبا العيناء يقول وقد تذاكرنا ذهاب بصره، قال: كان أبو جعفرٍ -يعني الدوانيقي- دعا جدي وكان في نهاية الثقة به والعقل عنده، فقال له: قد ندبتك لأمرٍ عظيمٍ عندي موقعه وأنت عندي كما قال أبو ذؤيبٍ:
ألكني إليها وخير الرسو .... ل أعلمهم بنواحي الخبر
ثم عرفه ما يريد منه وأطلق له مالاً خطيراً، وقال: كل شيءٍ تريده من المال بعد هذا فخذه وصر إلى المدينة فافتح بها دكان عطارٍ، وأظهر أنك من خراسان شيعةً لعبد الله بن الحسن بن الحسن وأنفق على أسبابه، واهد لهم وله ما يقربك منهم، وكاتبني مع ثقاتك بأنفاسهم، وتعرف لي خبر ابنيه محمدٍ وإبراهيم.(1/114)
فمضى جدي ففعل ذلك كله فلما أخذ أبو جعفرٍ عبد الله بن الحسن وإخوته جعل يوبخ عبد الله على شيءٍ من فعله وقوله ويأتيه بما ظن عبد الله أنه ليس أحدٌ يعلمه، فقال عبد الله لبعض ثقاته: من أين أتينا؟ قال: من جهة العطار، فقال: اللهم أبله في نفسه وولده بما يكون نكالاً له وردعاً لغيره وبلاءً ليشتهر به، قال: فعمي جدي وعمي بعده أبي وولده وأنا على الحال الذي ترون وكذلك ولدي من دعاء عبد الله بن الحسن إلى يوم القيامة.
- وبه قال: حدثني أبو العباس الحسني، قال: روي عن النوفلي، قال: حدثني يعقوب بن إسرائيل مولى المنصور، قال: حدثني الطلحي، قال: سمعت ابن السوداء يقول: تأخر قومٌ بايعوا أبا علي الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي صاحب فخ (عليهم السلام) فلما فقدهم عند المعركة أنشأ يقول:
وإني لأنوي الخير سراً وجهرةً .... وأعرف معروفاً وأنكر منكرا
ويعجبني المرء الكريم نجاره .... ومن حين أدعوه إلى الخير شمرا
يعين على الأمر الجميل فإن يرى .... فواحش لا يصبر عليها وغيرا
- وبه قال: أخبرنا أبو العباس الحسني، قال حدثنا محمد بن جعفرٍ القرداني، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشمٍ عن أبيه، عن حنان بن سديرٍ، عن أبيه، عن أبي جعفرٍ محمد بن علي الباقر عليه السلام، قال: كان أبي علي بن الحسين عليه السلام إذا حضرت الصلاة يقشعر جلده ويصفر لونه وترتعد فرائصه ويقف تحت السماء ودموعه على خديه، ويقول: لو علم العبد من يناجي ما انفتل.(1/115)
ولقد برز يوماً إلى الصحراء فتبعه مولًى له فوجده قد سجد على حجارةٍ خشنةٍ، قال مولاه: فوقفت وأنا أسمع شهيقه وبكاءه، قال: فأحصيت ألف مرةٍ وهو يقول: لا إله إلا الله حقا حقاً، لا إله إلا الله تعبداً ورقا، لا إله إلا الله إيماناً وصدقًا، ثم رفع رأسه من سجوده وإن لحيته ووجهه قد غمرا بالماء من دموع عينيه، فقال له مولاه: يا سيدي أما آن لحزنك أن ينقضي ولبكائك أن يقل؟، فقال له: ويحك إن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (عليهم السلام) كان نبياً ابن نبي ابن نبي له أحد عشر ابناً فغيب الله عنه واحداً منهم فشاب رأسه من الحزن، واحدودب ظهره من الغم، وذهب بصره من البكاء وابنه حي في دار الدنيا، وأنا رأيت أبي وأخي وسبعة عشر من أهلي مقتولين صرعى فكيف ينقضي حزني ويقل بكائي.
- وبه قال: حدثني مشائخنا فقالوا: كان أبو الغمر هارون بن محمدٍ الشاعر يكتب عن الداعي الحسن بن زيدٍ كتاباً إلى محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهرٍ فلما فرغ منه نظر فيه، فقال له: إلحق به ما أقوله وأملى عليه أبياتاً أنشأها على البديهة وهي:
لا عيب في ديننا ولا أثره .... بالسيف نعلوا جماجم الكفرة
يا قومنا بيعتان واحدةٌ .... هاتا وهاتاك بيعة الشجرة
ردوا علينا تراث والدنا .... خاتمه والقضيب والحبرة
وبيت ذي العرش سلموه لنا .... يليه منا عصابةٌ طهرة
فطال ما دنست مشاعره .... وأظهرت فيه فسقها الفجرة
o وبه قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني، قال: أخبرنا أبو زيدٍ عيسى بن محمدٍ العلوي، قال: حدثنا محمد بن منصور، قال: حدثنا القاسم بن إبراهيم عليه السلام، قال:
حدثني أبي، قال: بايعنا الحسين بن علي الفخي عليه السلام على أنه هو الإمام، قال: وأصابته جراحةٌ والدم لا يرقى، فقلنا له: أنت في هذه الحال لو تنحيت، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله ليبغض العبد يستأسر إلا من جراحةٍ مثخنةٍ)).(1/116)
o وبه قال: أخبرنا أبي، قال: أخبرنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: أخبرنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن الحسن بن محبوبٍ، عن معاوية بن وهبٍ، عن جعفر بن محمدٍ، عن أبيه عن جده.
عن علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن عند كل بدعةٍ تكون بعدي يكاد بها الإيمان ولياً من أهل بيتي موكلاً يذب عنه يعلن الحق وينوره ويرد كيد الكائدين فاعتبروا يا أولي الأبصار وتوكلوا على الله)).
- وبه قال: أخبرنا أحمد بن محمدٍ البغدادي، قال: أخبرنا أبو الفرج علي بن الحسين المعروف بابن الأصبهاني، قال: حدثني عمي الحسن بن محمدٍ، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني محمدٌ بن أبي العتاهية، قال: حدثني أبي، قال: لما امتنعت من قول الشعر وتركته أمر المهدي العباسي بحبسي في سجن الجرائم فأخرجت من بين يديه إلى الحبس، فلما دخلت دهشت وذهل عقلي ورأيت منه منظراً هالني، فرميت بطرفي أطلب موضعاً آوي إليه ورجلاً أستأنس إليه، فإذا أنا بكهلٍ حسن السمت نظيف الثوب بين عينيه سيماء الخير، فقصدته فجلست إليه من غير أن أسلم عليه أو أسأله عن شيءٍ من أمره لما أنا فيه من الجزع والحيرة، ومكثت في ذلك ملياً، وأنا مطرقٌ ومتفكرٌ في حالي فأنشد الرجل هذين البيتين:
تعودت مس الضر حتى ألفته .... وأسلمني حسن العزاء إلى الصبر
وصيرني يأسي من الناس واثقاً .... بحسن صنيع الله من حيث لا أدري
فاستحسنت البيتين وتبركت بهما وثاب علي عقلي، فأقبلت على الرجل وقلت: له تفضل أعزك الله تعالى بإعادة البيتين.(1/117)
فقال لي: ويحك يا إسماعيل ولم يكنني ما أسوأ أدبك وأقل عقلك ومروءتك ومن ذلك دخلت إلي ولم تسلم علي تسليم المسلم على المسلم، ولا توجعت لي توجع المبتلى للمبتلى، ولا تسألني مسألة الوارد على المقيم، حتى إذا سمعت مني بيتين من الشعر الذي لم يجعل الله فيه خيراً ولا أدباً، ولا جعل لك معاشاً غيره لم تذكر ما سلف منك فتتلافاه، ولا اعتذرت مما قدمته وفرطت فيه من الحق حتى استنشدتني مبتدءاً، كأن بيننا أنساً قديماً، ومعرفةً سابقةً، وصحبةً تبسط المنقبض، فقلت له: تعذرني متفضلاً فدون ما أنا فيه يدهش، قال: وفي أي شيءٍ أنت إنما تركت قول الشعر الذي كان جاهك عندهم وسبيلك إليهم فحبسوك حتى تقول وأنت لابد من أن تقوله وتطلق، وأنى يدعى بي الساعة فأطلب بعيسى بن زيد بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن دللت عليه فقتل لقيت الله بدمه، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصمي فيه وإلا قتلت مكانه فأنا أولى بالحيرة منك وأنت ترى احتسابي وصبري.
فقلت: يكفيك الله. وأطرقت خجلاً منه، فقال: لا أجمع عليك التوبيخ والمنع اسمع البيتين فاحفظهما فأعادهما علي مراراً حتى حفظتهما.
ثم دعي به وبي فلما قمنا قلت: من أنت أعزك الله، قال: أنا حاضرٌ صاحب عيسى بن زيدٍ، فأدخلنا على المهدي فلما وقفنا بين يديه فقال له: أين عيسى بن زيدٍ؟ فقال ما يدريني أين عيسى طلبته وأخفته فهرب منك في البلاد وأخذتني فحبستني فمن أين أقف على موضع هارب منك وأنا محبوسٌ، فقال له: وأين كان متوارياً ومتى كان آخر عهدك به وعند من لقيته؟.
فقال: ما لقيته منذ توارى ولا أعرف له خبراً. فقال: والله لتدل عليه أو لأضربن عنقك الساعة، فقال: اصنع ما بدا لك أنا أدلك على ابن رسول الله لتقتله وألقى الله ورسوله وهما يطالبانني بدمه، والله لو كان بين ثوبي وجلدي ما كشفت عنه، فقال: اضربوا عنقه فقدم فضرب عنقه رحمة الله عليه.(1/118)