عن أبي رافعٍ قال: كنت ألاعب الحسين بن علي عليه السلام وهو صبي بالمداحي، فإذا أصابت مدحاتي مدحاته قلت: احملني فيقول: ويحك أتركب ظهراً حمله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتركه، وإذا أصابت مدحاته مدحاتي قلت: لا أحملك كما لم تحملني فيقول: أو ما ترضى أن تحمل بدناً حمله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأحمله.
- وبه قال: أخبرنا أبي رحمه الله تعالى، قال: أخبرنا أبو محمدٍ الحسن بن محمد بن يحيى العقيقي، قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا أحمد بن محمدٍ الرافعي، قال: حدثنا إبراهيم بن علي الرافعي، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت الحسن والحسين (عليهما السلام) يمشيان إلى الحج فلم يمرا براكبٍ إلا نزل يمشي فثقل ذلك على بعضهم، فقالوا لسعد بن أبي وقاصٍ: قد ثقل علينا المشي ولا نستحسن أن نركب وهذان الفتيان يمشيان فقال سعدٌ للحسن عليه السلام: يا أبا محمدٍ إن المشي قد ثقل على جماعةٍ ممن معك والناس إذا رأوكما تمشيان لم تطب أنفسهم بأن يركبوا فلو ركبتما، فقال الحسن عليه السلام: لا نركب قد جعلت على نفسي أن أمشي ولكن أتنكب الطريق، فأخذ جانباً.
- وبه قال: أخبرنا أبي رحمه الله، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشمٍ بن علي، قال: حدثني أبي عن أبيه، قال: حدثني بسطام بن قرة، عن عمرو بن ثابتٍ قال: لما أراد الحسين بن علي عليه السلام الخروج إلى العراق خطب أصحابه فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن هذه الدنيا قد تنكرت وأدبر معروفها فلم يبق إلا صبابةٌ كصبابة الإناء وخسيس عيشٍ كالمرعى؛ ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا ينهى عنه ليرغب المرء في لقاء ربه، فإني لا أرى الموت إلا سعادةً، ولا الحياة مع الظالمين إلا شقاوةً.(1/84)
فقام إليه زهير بن القين العجلي فقال: قد سمعت مقالتك هديت ولو كانت الدنيا باقيةً وكنا فيها مخلدين وكان في الخروج مواساتك ونصرتك لاخترنا الخروج منها معك على الإقامة فيها، فجزاه الحسين بن علي (عليهما السلام) خيراً، ثم قال (صلوات الله عليه):
إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلما
وفارق مثبوراً وحارب مجرما
كفى بك داءً أن تعيش وترغما
سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى
وواسى الرجال الصالحين بنفسه
فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم
فلما نزل بستان بني عامرٍ كتب إلى محمدٍ أخيه وأهل بيته: من الحسين بن علي إلى محمد بن علي وأهل بيته:
أما بعد: فإنكم إن لحقتم بي استشهدتم وإن تخلفتم عني لم تلحقوا النصر والسلام.
فلما وافى زبالة استقبله الطرماح الطائي الشاعر فقال له الحسين عليه السلام: من أين خرجت؟ قال: من الكوفة، قال: كيف وجدت أهل الكوفة؟ قال: يا ابن رسول الله قلوبهم معك وسيوفهم عليك، فقال له الحسين عليه السلام: صدقت، الناس عبيد الدنيا، والدين لعقٌ على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون، فلما وافى كربلاء، قال: في أي موضعٍ نحن؟ قالوا: بكربلاء، قال: كربٌ والله وبلاءٌ، هاهنا مناخ ركابنا ومهراق دمائنا، ثم أقبل في جوف الليل يتمثل ويقول:
كم لك في الإشراق والأصيل
والدهر لا يقنع بالبديل
يا دهر أف لك من خليل
من ميتٍ وصاحبٍ قتيل
وكل حي سالك السبيل
فقالت أخته زينب: لعلك تخبرنا بأنك تقصد نفسك، فقال عليه السلام: لو ترك القطا لنام.
o وبه قال: أخبرنا أبي رحمه الله تعالى، قال: أخبرنا أبو محمدٍ الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن محمد بن الحسن العقيقي، قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا الحسن بن محمدٍ الكوفي، قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن محمد بن رستمٍ، عن زاذان.(1/85)
عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الحسن والحسين من أحبهما أحببته، ومن أبغضهما أبغضته، ومن أحببته أحبه الله تعالى، ومن أحبه الله أدخله الجنة جنة النعيم، ومن أبغضهما وبغى عليهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله نار جهنم خالداً فيها وله عذابٌ مقيمٌ)).
o وبه قال: أخبرنا أبي رحمه الله، قال: أخبرنا أبو محمدٍ الحسن بن محمد بن يحيى العقيقي، قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا زيد بن الحسن، عن عبد الله بن موسى العبسي، عن إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق، عن الحارث.
عن علي عليه السلام، قال: اصطرع الحسن والحسين (عليهما السلام) بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إيهٍٍ يا حسن فخذ حسيناً)) فقالت فاطمة: أتستنهض الكبير على الصغير؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((هذا جبريل يقول: إيهٍ حسين خذ الحسن)) فاصطرعا فلم يصرع واحدٌ منهما صاحبه.
o وبه قال: أخبرنا أبي رحمه الله تعالى، قال: أخبرنا أبو أحمد إسحاق بن محمدٍ المقري الكوفي بالكوفة، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن محمدٍ الإيادي، قال: حدثنا محمد بن عمرو بن مدركٍ الرازي، قال: حدثنا محمد بن زيادٍ المكي، قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش.(1/86)
عن عطية العوفي، قال: خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاري زائري قبر الحسين عليه السلام فلما وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئٍ الفرات فاغتسل، ثم اتزر بإزارٍ، ثم ارتدى بآخر، ثم فتح صرةٍ فيها سعدٌ فنثره على بدنه، ثم لم يخطو خطوةً إلا ذكر الله تعالى حتى دنا من القبر، فقال عطية إلمسنيه فألمسته فخر على القبر مغشياً عليه، فرششت عليه شيئاً من الماء فلما أفاق قال: يا حسين يا حسين يا حسين ثلاثاً، ثم قال: حبيبٌ لا يجيب حبيبه، ثم قال: وأنى لك بالجواب وقد شخبت أوداجك على أشباحك وفرق بين بدنك ورأسك، فأشهد أنك ابن خير النبيين، وابن سيد الوصيين، وابن حليف التقوى وسليل الهدى وخامس أصحاب الكسا وابن سيد النقباء وابن فاطمة سيدة النساء، وما بالك ألا تكون هكذا وقد غذتك كف محمدٍ سيد المرسلين وربيت في حجور المتقين، وأرضعت من ثدي الإيمان وفطمت بالإسلام، فطبت حياً وطبت ميتاً، غير أن قلوب المؤمنين غير طيبةٍ لفراقك ولا شاكةٍ في الخيرة لك، فعليك سلام الله ورضوانه، فأشهد أنك مضيت على ما مضى عليه يحيى بن زكريا.
قال عطية: ثم جال ببصره حول القبر، فقال: السلام عليكم أيتها الأرواح الطيبة التي حلت بفناء الحسين عليه السلام وأناخت برحله؛ أشهد أنكم أقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر، وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين، والذي بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالحق لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.
قال عطية: فقلت لجابر بن عبد الله: وكيف ولم نهبط وادياً ولم نعل جبلاً ولم نضرب بسيفٍ والقوم فرقت بين رؤوسهم وأبدانهم فأيتمت الأولاد وأرملت الأزواج؟!
فقال لي: يا عطية، سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من أحب قوماً حشر معهم ومن أحب عمل قومٍ أشرك في عملهم)). نحو أبيات كوفان.(1/87)
قال: فلما صرنا في بعض الطريق، قال لي: يا عطية هل أوصيك وما أظنني بعد هذه السفرة ألاقيك؛ أحبب محب آل محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم ما أحبهم وابغض مبغض آل محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم ما ابغضهم وإن كان صواماً قواماً.
o وبه قال: حدثنا أبو محمدٍ عبد الله بن محمدٍ الأسدي القاضي ببغداد، قال: حدثنا علي بن الحسن بن العبد، قال: حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث، قال: حدثنا مسددٌ، قال: حدثنا يحيى، عن سفيان، قال: حدثني عاصم بن عبيد الله.
عن عبيد الله بن أبي رافعٍ، عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذن في أذن الحسين عليه السلام حين ولدته فاطمة عليها السلام بالصلاة.
o وبه قال: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمدٍ الآبنوسي البغدادي، قال: حدثنا أبو القاسم عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر، قال: حدثني علي بن محمدٍ النخعي الكوفي، قال: حدثنا سليمان بن إبراهيم بن عبيد المحاربي، قال: حدثنا نصر بن مزاحم المنقري، قال: حدثنا إبراهيم بن الزبرقان التيمي، قال: حدثني أبو خالدٍ الواسطي، قال: حدثني زيد بن علي، عن أبيه، عن جده.
عن علي عليه السلام، قال: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه والبيت غاص بمن فيه قال: ((أٌدعوا الحسن والحسين (عليهما السلام)))، قال: فجعل يلثمهما حتى أغمي عليه، قال: فجعل علي عليه السلام يرفعهما عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ففتح عينيه فقال: ((دعهما يتمتعان مني وأتمتع منهما فإنهما سيصيبهما بعدي أثرةٍ))، ثم قال: ((أيها الناس إني قد خلفت فيكم كتاب الله وسنتي، وعترتي أهل بيتي، فالمضيع لكتاب الله كالمضيع لسنتي، والمضيع لسنتي كالمضيع لعترتي، أما إن ذلك لن يفترق حتى اللقاء على الحوض)).(1/88)