وسئل عن عمارٍ، فقال: مؤمنٌ ينسى فإذا ذكر تذكر قد ملئ إيماناً ما بين قرنه إلى قدمه.
وسئل عن سلمان فقال: أدرك العلم الأول والآخر وهو بحرٌ لا ينزح وهو منا أهل البيت.
وسئل عن نفسه فقال: إياها أردتم، كنت إذا سكت ابتدأت، وإذا سألت أعطيت، وإن ما بين هاتين الدفتين -يعني الجنبين- لعلماً جماً.
o وبه قال: أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ، قال: حدثنا عيسى بن إدريس بن عيسى أبو موسى البغدادي بدمشقٍ، قال: حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي، قال: حدثنا إسماعيل بن أبان، قال: حدثنا حفص بن غياثٍ، عن الأعمش، عن أبي غالبٍ.
عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((كلاب أهل النار الخوارج)).
o وبه قال: أخبرنا أبي رحمه الله، قال: أخبرنا أبو محمدٍ الحسن بن محمد بن يحيى العقيقي، قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا أحمد بن يحيى الأودي، عن عمرو بن حمادٍ، قال: حدثنا عبد الله بن المهلب البصري، عن المنذر بن زيادٍ الضبي، عن ثابتٍ البناني.
عن أنسٍ، قال: بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم مصدقاً إلى قومٍ فعدوا على المصدق فقتلوه، فبعث علياً عليه السلام فقتل المقاتلة وسبى الذرية، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم سره ذلك، فلما بلغ أدنى المدينة تلقاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعتنقه وقبل بين عينيه، وقال: ((بأبي أنت وأمي من شد الله عضدي به، كما شد عضد موسى بهارون)).(1/69)
الباب الرابع في وصاياه عليه السلام وذكر مقتله وقبره
o وبه قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني رحمه الله تعالى، قال: أخبرنا أبو زيدٍ عيسى بن محمدٍ العلوي، قال: أخبرنا محمد بن منصورٍ، عن أبي الطاهر أحمد بن عيسى بن عبد الله بن محمدٍ بن عمر بن علي.
عن عبد الله بن جندب، عن أبيه، قال: دخلت على أمير المؤمنين علي عليه السلام حين أصيب أسأل عنه فلم أجلس لمكان ابنته، قال فدعا الحسن والحسين (عليهما السلام) فقال:أوصيكما بتقوى الله، ولا تبغيا الدنيا وإن ابتغتكما، ولا تأسيا على شيءٍ زوي عنكما، قولا الحق، وارحما اليتيم، وأعينا الضعيف، وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً، واعملا بالكتاب، ولا تأخذكما في الله لومة لائمٍ.
ثم نظر إلى محمد بن الحنفية فقال: هل فهمت ما أوصيت به أخويك؟
قال: نعم. قال: فإني أوصيك بمثله وأوصيك بتوقير أخويك، وتعظيم حقهما، وتزيين أمرهما، ولا تقطعن أمراً دونهما.
ثم نظر إليهما وقال: أوصيكما به فإنه شقيقكما وابن أبيكما، وقد علمتما منزلته كانت من أبيكما، فإنه كان يحبه فأحباه.
وكان آخر ما تكلم به بعد أن أوصى الحسن عليه السلام بما أراد: لا إله إلا الله، يرددها حتى قبض (صلوات الله عليه) ليلة الاثنين لإحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين.
o وبه قال: أخبرنا أبي رحمه الله تعالى، قال: أخبرنا أبو محمدٍ الحسن بن محمد بن يحيى العقيقي، قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، قال: حدثني محمد بن أبي عميرٍ.
عن الحسين الخلال، عن جده، قال: قلت للحسن بن علي (عليهما السلام): أين دفنتم أمير المؤمنين عليه السلام؟! قال: خرجنا به ليلاً من منزله ومررنا به على مسجد الأشعث حتى خرجنا به إلى الظهر بجنب الغري.(1/70)
o وبه قال: أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمدٍ البغدادي، قال: أخبرنا أبو الفرج علي بن الحسين القرشي المعروف بابن الأصبهاني، قال: حدثنا أحمد بن عيسى، قال: حدثني الحسين بن نصرٍ، قال: حدثني عطية بن الحارث.
عن عمر بن تميمٍ وعمرو بن بكار أن علياً عليه السلام لما ضرب جمع له أطباء أهل الكوفة فلم يكن فيهم أعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هاني السكوني - وكان متطبباً صاحب كرسي يعالج الجراحات، وكان من الأربعين غلاماً اللذين كان خالد بن الوليد أصابهم في بيعة عين التمر فسباهم- وأن أثيراً لما نظر جرح أمير المؤمنين عليه السلام دعا برية شاةٍ حارةٍ فاستخرج عرقاً منها فأدخله في الجرح، ثم استخرجه فإذا عليه بياض الدماغ، فقال له: يا أمير المؤمنين اعهد عهدك، فإن عدو الله قد وصلت ضربته إلى أم رأسك.
وروي عن عمرو بن ذي مر الهمداني، قال: قلت له: يا أمير المؤمنين إنه خدشٌ وليس بشيءٍ فقال عليه السلام: إني مفارقكم إني مفارقكم، ودعا بصحيفةٍ ودواةٍ، وكتب وصيته:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به أميرالمؤمنين علي بن أبي طالبٍ، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
ثم إني أٌوصيك يا حسن، وجميع ولدي، وأهل بيتي، ومن بلغه كتابي هذا بتقوى الله ربنا، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام، وإن الكبيرة الحالقة للدين فساد ذات البين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)).
انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب..
الله الله في الأيتام لا تغيرن أفواههم بحضرتكم، ولا يضيعوا بحضرتكم..(1/71)
والله الله في جيرانكم، فإنها وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مازال يوصينا بهم حتى ظننا أنه سيورثهم.
والله الله في القرآن لا يسبقنكم إلى العمل به غيركم..
والله الله في الصلوات فإنها عماد دينكم..
والله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما حييتم، فإنه إن خلا منكم لم تنظروا..
والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم..
والله الله في صيام شهر رمضان، فإنه جنةٌ من النار..
والله الله في زكاة أموالكم، فإنها تطفئ غضب ربكم..
والله الله في أمة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم فلا تظلمن بين أظهركم..
والله الله في أصحاب نبيكم، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى بهم..
والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم..
والله الله فيما ملكت أيمانكم.
ثم قال: الصلاة الصلاة، ثم قال: لا تخافوا في الله لومة لائمٍ، فإنه يكفيكم ومن عليكم وأرادكم بسوءٍ، قولوا للناس حسناً كما أمركم الله، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيلي الأمر غيركم، وتدعون فلا يستجاب لكم، عليكم بالتواضع والتباذل، وإياكم والتقاطع والتفرق والتدابر، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب، حفظكم الله من أهل بيتٍ، وأستودعكم الله خير مستودعٍ، وأقرأ عليكم سلام الله ورحمته.(1/72)
وبه قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني رحمه الله تعالى قال: أخبرنا محمد بن العباس بن الوليد الشامي، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن عقبة الأسدي الكوفي، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي القاسم بن إسماعيل القطان، قال: أخبرنا إسماعيل بن مهران، قال: أخبرنا عبد الله بن أبي الحارث الهمداني، عن جابرٍ الجعفي، عن أبي جعفرٍ محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ عليه السلام كتب إلى ابنه الحسن عليه السلام بعد انصرافه من صفين إلى قناصرين:
من الوالد الفاني، المقر للزمان، المستسلم للدهر، الذام للدنيا، الساكن مساكن الموتى، والظاعن منها إليهم غداً، إلى الولد المؤمل في دنياه ما لا يدرك، السالك في الموت سبيل من هلك، غرض الأسقام، ورهينة الأيام، وقرين الأحزان، ورمية المصائب، وتاجر الغرور، وغريم المنايا، وأسير الموت، ونصب الآفات، وخليفة الأموات.
أما بعد: يا بني فإن فيما تبينت من إدبار الدنيا عني، وجموح الدهر علي، وإقبال الآخرة إلي ما ينزع بي عن ذكر من سواي، والاهتمام بما ورائي، غير أني حيث تفرد بي دون هموم الدنيا هم نفسي فصدقني رأيي وصرفني عن هواي، وصرح لي محض أمري فأفضى بي إلى جدٍ لا يكون فيه لعبٌ، وصدقٍ لا يشوبه كذبٌ، وجدتك يا بني بعضي، بل وجدتك كلي، حتى كان لو أن شيئاً أصابك أصابني، وحتى لو أن الموت أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي.(1/73)