قواعد أهل البيت في كيفية قبول الأحاديث
وقد يكون من المفيد هنا التذكير بأهم قواعدهم في كيفية التعامل مع الأحاديث التي التزموها في مناهجهم ، وطبقوها في مروياتهم ، ومن أهمها:
العرض على كتاب الله تعالى:
وتعتبر قاعدة العرض على كتاب الله من أهم القواعد الأساسية عندهم لأنه: ?لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد?[فصلت:42].
وقد غفل عن هذه القاعدة العلمية الهامة المحدثون، بالرغم أننا لو رجعنا إلى شروطهم في الحديث الصحيح نجدها خمسة، ومنها أن لا يكون الحديث شاذاً أو معلولاً، وقد عرف الحفاظ الشاذ: بأنه (مارواه الثقة مخالفاً به الثقات) فإذا روى الثقة حديثاً مخالفاً به الثقات عد حديثه مقدوحاً فيه على قاعدتهم هذه.
فما بالك إذا خالف الثقة القرآن المقطوع بصحته ؟ هل يعتبر حديثه مقدوحاً فيه أم لا؟! نعم ولا شك في ذلك بل لا يقبل بالمرة، ويرد بلا تردد أو وجل فما خالف القرآن رد مهما كان وممن كان.
ولذلك نجد أهل البيت عليهم السلام يؤكدون على ضرورة عدم مخالفة الحديث للقرآن فإذا خالفه طرح بالمرة، وهذا مسلك عظيم وقاعدة قوية ، يجب العمل بها ويجب أن تحاكم إليها جميع الصحاح.
ولم تأت هذه القاعدة من فراغ ، بل إن الرسول الأكرمً أكد عليها فقال: ((سيكذب علي كما كذب على الأنبياء من قبلي، فما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافقه فهو مني وأنا قلته ، وما خالفه فليس مني ولم أقله)) ، فاستند إليه أهل البيت عليهم السلام وعملوا على تطبيقه، وقد تنبهت له عائشة فعندما سمعت عمر بن الخطاب وابنه عبد الله يحدثان بحديث: ((إن الميت ليعذب ببكاء أهله)) أنكرته، وحلفت أن رسول اللهًلم يقله، وقالت بياناً لرفضها إياه أين منكم قول الله سبحانه: ?وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى?[الأنعام:164].
يقول الشيخ محمد الغزالي حول رد عائشة للحديث: إنها ترد ما يخالف القران(1/6)
بجرأة وثقة ، ومع ذلك فإن هذا الحديث المرفوض من عائشة مايزال مثبتاً في الصحاح بل إن (ابن سعد) في طبقاته الكبرى كررها في بضعة أسانيد!! ... وعندي أن ذلك المسلك الذي سلكته أم المؤمنين أساس لمحاكمة الصحاح إلى نصوص الكتاب الكريم ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) .
نعم والله إنه الأساس المتين، والميزان العدل، والمفتش الصادق، والقول الفصل الذي لا تناقض فيه ولا اختلاف، ولا التواء ولا إضطراب قال الإمام القاسم بن محمد عليه السلام في معرض حديث عن ثبوت صدق الحديث، (وناهيك أن يكون كتاب الله أعزه الله تعالى، كأصول الخطابي والذهبي ، أو كحكم شيخ حكم بصحة الحديث ، أو عدمها مع أن المعلوم عدم عصمة ذلك الشيخ في حكمه ، ومع عدم صحة ما حكم في نفس الأمر، وهم يوجبون رد ما يخالف أصولهم، وما خالف ما حكم به شيخ من مشائخهم وهل هذا إلا الضلال؟) .
تواتر الحديث:
ومن قواعدهم عليهم السلام تواتر الحديث، لأن أن الحديث المتواتر معلوم الصحة بلا خلاف بين جميع المذاهب ، قال الإمام القاسم بن محمد: (اختلف الناس فيما يؤخذ به من سنة رسول اللهً، فعند القاسم بن إبراهيم ، والهادي إلى الحق وآبائهما عليهم السلام -ممن لم يدرك رسول الله ، ولايسمع منه مشافهة- لا يقبل من الحديث إلا ماكان متواتراً، أو مجمعاً على صحته، أو كان رواته ثقات، أو له في كتاب الله أصل وشاهد) .
تلقي الحديث بالقبول:
وإذا لم يكن متواتراً، لكن الأمة تلقته بالقبول، فإنه مقبول ، قال الإمام القاسم بن محمد: (وإنا لا نعلم صدق الحديث عنه ، إلا إذا جاء متواتراً، أو تلقته الأمة بالقبول، أو وافق كتاب الله ، وماعدا ذلك فإنا لا نأمن أن يكون كذباً على رسول الله، إما عمداً، وإما خطأ) ، وكذلك ماتلقاه أهل البيت عليهم السلام.(1/7)
تقديم ماورد عن أهل البيت:
وذلك استناداً إلى مكانتهم ، وإلى تحريهم وصدقهم في الرواية ، ولما ورد فيهم من آيات الكتاب كآية التطهير، والمودة ، والمباهلة وغيرها.
اعتبار ماصح عن الإمام علي موضع احتجاج :
استناداً إلى علمه ومكانته ، ولما ورد فيه من الكتاب والسنة كحديث الغدير، والمنزلة، والراية، والمدينة.
اعتبار إجماع أهل البيت حجة:
يجب الأخذ به، فإذا أجمع أهل البيت على مسألة ما، في عصر ما، قدمت على ما يخالفها، لما ورد في جماعتهم من آلايات، والأحاديث كحديث الثقلين، وحديث السفينة، وحديث الأمان وغيرها، وإجماعهم حجة الإجماع.
قبول مراسيل الأئمة عليهم السلام:
لأنهم جعلوا الإمامة فيمن ملئ إيماناً وعلماً وزهداً وورعاً وصدقاً ونزاهة وفضلاً وعدالة وغيرها من خصال الفضل، ولأن المرسل قد نقح رواته ، وجعل الإرسال كالحكم بصحة الحديث، وأدلة قبول الآحاد تشمله، قال الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد: (وعن بعضهم أنه قال: المرسل من العدل أرجح من المسند ، لأن راويه قد عرف رواته ونقح، فالإرسال كالحكم بصحته ، والمسند أحال النظر إلى غيره) .
سلامة الإسناد من المطاعن والمتن من الاحتمالات:
وإذا كان الحديث مسنداً فلا بد أن يكون سليماً من المطاعن الخاصة بالسند، ومع ذلك لابد أن يكون المتن سليماً من الاحتمالات والعلل القادحة الخفية ، وهنا نجد ربطاً بين السند والمتن لأنهما كالدعامتين لبناء واحد.
قال الإمام عبد الله بن حمزة: (أن يكون -أي الخبر- سليم الإسناد من المطاعن، سليم المتن من الاحتمالات) .
عدالة وضبط الراوي:
ولا يقبلون الحديث من الراوي إلا إذا كان عدلاً ضابطاً فبقدر مايتحرون في عدالة الراوي في الرواية يتحرون عدالته في الديانة، وأكثرهم عليه في الأصح.(1/8)
الرواية عن المخالفين من باب الإحتجاج على من يثق بهم:
وإذا روى أهل البيت حديثاً عمن يثلم في ديانته عندهم ، فليس إلا من باب الاحتجاج على من يثق بذلك الراوي عند غيرهم في الأصح.
قال الإمام الهادي: (وإنما جمعنا في هذا الباب من هذه الأخبار برواية الثقات من رجال العامة ، لئلا يحتجوا فيه بحجة ، فقطعنا حججهم برواية ثقاتهم)، وإذا ورد حديث في كتبهم بخلاف ماصح عندهم فلا يعني قبولهم له.
الاعتدال في نظرية عدالة الصحابة :
ولهم نظرية خاصة في عدالة الصحابة ، فالصحابي هو: من طالت مجالسته للنبيً، متبعاً له، ولم يخالفه بعد موته، فمن انطبقت عليه هذه المواصفات فهو صحابي جليل، يستحق التعظيم والتبجيل، وخرج بذلك من ظهر فسقه أو نفاقه.(1/9)
أهم الملاحظات على المشتغلين بالحديث وعلومه
ولا ننكر الجهود المخلصة التي بذلها المحدثون من الطوائف الأخرى في خدمة الحديث الشريف، إلا إن هنالك بعض الملاحظات التي لوحظت عليهم، ومنها:
1- الإكثار من المصطلحات التي لا يطبقونها في الغالب.
2- تجنب الرواية عن أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، الذين قال الله فيهم: ?إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً?[الأحزاب:33].
3- تجاهل قواعد أهل البيت عليهم السلام، في كيفية قبول الرواية..
4- توثيق النواصب في الغالب، وهم الذين يبغضون الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وينكرون فضائله، ويوالون أعدائه، وقد قال فيه الرسولً: ((لايحبك إلا مؤمن، ولايبغضك إلامنافق))، والمنافق كاذب بشهادة رب العالمين: ?وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ?[المنافقون:1]، أو يبغضون الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام، أو ذريتهما الصالحة المباركة.
5- جرح الشيعة الذين أحبوا أهل البيت عليهم السلام المأمور بحبهم، بلا إفراط أو تفريط، مع قول الله تعالى فيهم: ?أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ? [البينة: 7] .
6- تشددهم في عدم قبول مراسيل الأئمة مع قبولهم لها في مسألة الجرح والتعديل.
7- اضطرابهم في الجرح والتعديل وتباين أقوالهم في الشخص الواحد بحيث لا يكاد يسلم من ألسنتهم، واتهامهم أحد.
8- المبالغة في عدالة الصحابة بلا استثناء، فدخل فيهم الناكث، والمنافق.
9- الاهتمام بأسانيد الأحاديث، والتغافل عن متونها، التي قد تتعارض مع كتاب الله تعالى، ومع العقل، وغيرها من الملاحظات التي يدركها الباحث المنصف.(1/10)