حدثنا معاذ بن عمارٍ، قال: حدثني أبي عن جدي، قال: سمعت أمير المؤمنين علياً عليه السلام يقول على المنبر: ما أصبت منذ وليت عملي هذا إلا قويريرةً أهداها إلي الدهقان ثم نزل إلى بيت المال فقال: خذوا خذوا وقسمه، ثم تمثل:
يأكل منها كل يومٍ مرةٌ
أفلح من كانت قوصرةٌ
o وبه قال: أخبرنا أبو عبد الله محمدٌ بن زيدٍ الحسيني، قال: أخبرنا الناصر للحق الحسن بن علي رضي الله عنه، قال: أخبرنا محمدٌ بن منصورٍ، عن أبي كريبٍ، عن إسحاق بن منصورٍ.
عن عبد الله بن الحسن بن الحسن، عن أبيه، عن جده أن علياً عليه السلام، قال للحكمين:أحكمكما على أن تحكما بكتاب الله، وكتاب الله كله لي، فإن لم تحكما بكتاب الله فلا حكومة لكما.
o وبه قال: أخبرنا أبو أحمد محمدٌ بن علي العبدكي، قال: حدثنا محمدٌ بن يزداد، قال:حدثنا الغلابي، قال: حدثنا شعيبٌ بن واقدٍ، قال: حدثني عيسى بن عبد الله بن محمدٍ بن عمر، عن أبيه، عن خاله جعفر بن محمدٍ، عن أبيه.
عن علي بن الحسين (عليهم السلام)، قال: قال أهل الشام لمحمدٍ بن الحنفية وقد برز في بعض أيام صفين: هذا ابن أبي ترابٍ. هذا ابن أبي ترابٍ، فقال لهم محمدٌ بن الحنفية: اخسأوا ذرية النار، وحشو النفاق، وحصب جهنم أنتم له واردون، عن الأسل النافذ، والنجم الثاقب، والقمر المنير، ويعسوب المؤمنين، من قبل أن تطمس وجوهٌ فترد على أدبارها، أو تلعنوا كما لعن أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولاً، أولا تدرون أي عقبةٍ تتسنمون، بل ينظرون اليك وهم لا يبصرون، أصنو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تستهدفون، ضلت بكم! هيهات برز والله بسبقٍ، وفاز بخضلٍ محرزاً لقصبات سبقه، فانحسرت عنه الأبصار، وتقطعت دونه الرقاب، واحتقرت دونه الرجال، فكر فيهم السعي وفاتهم الطلب، وأنى لهم التناوش من مكانٍ بعيدٍ.
شعراً:
فخفضاً أقلوا لا أبا لأبيكم من اللؤم أو سدوا المكان الذي سدوا(1/49)
وأنى تسدون مسد أخي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ شفعوا، وشبيه هارون إذ منحوا، والبادي ببدرٍ إذ ابتدروا، والمدعو إلىخيبرٍ إذ نكلوا، والصابر مع هاشمٍ يوم هاشمٍ إذ حصلوا، والخليفة على المهاد، ومستودع الأسرار:
تلك المكارم لا تغبان من لبنٍ شيباً بماءٍ فعادا بعد أبوالا
وأنى يبعد عن كل مكرمةٍ وعلا، وقد نمته ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبوه، وتفيئا في ظل، ودرجا في سكنٍ، وتربيا في حجرٍ، منتجبان مطهران من الدنس، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للنبوة، وأمير المؤمنين للخلافة، خلافةٍ قد رفع الله عنها سنة الاستبداد، وطمس عنها وسم الذلة، فقد حلاها عن شربها، آخذاً بأكضامها يرحضها عن مال الله حتى عضها الثقاف، ومضها قرص الكتاف، فجرجرت جرجرة العود فلفظته أفواهها، ومجته شفاهها، ولم يزل على ذلك وكذلك حتى أقشع عنكم ريب الذلة، واستنشقتم روح النصفة، وتطعمتم قسمة السواء، بسياسة مأمون الخرفة، مكتهل الحنكة، طب بأدوائكم قمنٌ بدوائكم، يبيت بالربوة كالياً لحوزتكم، جامعاً لقاصيتكم، يقتات الجريش، ويلبس الهدم ويشرب الخمس، وأنتم تريدون أن تطفئوا نور الله بأفواهكم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون، ثم إذا تكافح السيفان، وتنادت الأقران وطاح الوشيج، واستسلم الوشيض وعمعمت الأبطال، ودعيت نزال، وعردت الكماة وقلصت الشفاة، وقامت الحرب على ساقٍ، وسألت عن أبراقٍ، ألفيت أمير المؤمنين مثبتاً لقطبها مديراً لرحاها، دلافاً إلى البهم، ضراباً للقلل سلاباً للمهج، براكاً للوثبة، مثكل أمهات، ومؤيم أزواجٍ، ومؤتم أطفالٍ، طامحاً في الغمرة، راكداً في الجولة يهتف بأولاها، فتنكفي على أخراها، فآونةً يكفؤها، وفينةً يطويها طي الصحيفة، وتارةً يفرقها فراق الوفرة، فبأي مناقب أمير المؤمنين تكذبون، وعن أي امرئٍ مثل حديثه تروون، وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون.(1/50)
o وبه قال: أخبرنا أبو الحسين علي بن محمدٍ البحري سنة خمسين وثلاث مائةٍ، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين، قال: حدثني الحسين بن الحكم الوشاء، قال: حدثنا الحسن بن الحسين العرني، قال: حدثني علي بن الحسن العبدي، عن الأعمش، عن إبراهيم.
عن علقمة بن قيسٍ والأسود بن يزيد قالا: أتينا أبا أيوب الأنصاري، قلنا: يا أبا أيوب، إن الله عز وجل أكرمك بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم إذ أوحى إلى راحلته فبركت على بابك، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضيفاً لك فضيلةً من الله فضلك بها، فأخبرنا، عن مخرجك مع علي بن أبي طالبٍ؟
قال أبو أيوب: فإني أقسم لكما لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معي في هذا البيت الذي أنتما فيه وما في البيت غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي جالسٌ عن يمينه، وأنا جالسٌ عن يساره، وأنس بن مالكٍ قائمٌ بين يديه إذ تحرك الباب، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا أنس انظر من في الباب، فخرج أنس ونظر وقال: يا رسول الله هذا عمارٌ. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إفتح لعمارٍ الطيب المطيب. ففتح أنسٌ الباب فدخل عمارٌ فسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرحب به، ثم قال: يا عمار إنه سيكون من بعدي في أمتي هناتٌ حتى يختلف السيف فيما بينهم وحتى يقتل بعضهم بعضاً، وحتى يتبرأ بعضهم من بعضٍ، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع، عن يميني يعني علي بن أبي طالبٍ (صلوات الله عليه) فإن سلك الناس وادياً وسلك علي وادياً فاسلك وادي علي وخل عن الناس، يا عمار إن علياً لا يردك عن هدى ولا يدلك على ردى، يا عمار طاعة علي طاعتي وطاعتي طاعة الله عز وجل)).(1/51)
o وبه قال: أخبرنا أبو عبد الله محمدٌ بن زيدٍ الحسني، قال: أخبرنا الناصر للحق الحسن بن علي رضي الله عنه، قال: حدثنا محمدٌ بن منصورٍ، عن عبيد بن أبي هارون، قال: حدثنا أبو يزيد، عن إسماعيل بن مسلمٍ.
عن أبي معاذٍ البصري، قال: لما فتح علي بن أبي طالبٍ عليه السلام البصرة صلى بالناس الظهر، ثم التفت إليهم فقال:سلوا.
فقام إليه رجلٌ فقال: أما والله ما قسمت بيننا بالسوية إذ تقسم بيننا ما حوى عسكرهم وتدع أبناءهم ونساءهم.
فقال علي عليه السلام: إن كنت كاذباً فلا أماتك الله حتى تدرك غلام ثقيفٍ، ثم قال علي عليه السلام: ويحك إنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير، وقد اجتمع أبواه على رشدةٍ وولد على الفطرة، ولكننا نربيه من الفيء ونتأنى به لكبره فإن عدا علينا أخذناه بذنبه، وإن لم يعد لم نأخذه بذنب غيره، ويحك أما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها وأن دار الهجرة يحرم ما فيها.
o وبه قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن مهدي الطبري، قال: أخبرنا أبو بكرٍ بن دريدٍ، قال: حدثنا محمدٌ بن حمادٍ البغدادي، قال: حدثنا القاسم الهمداني، قال:حدثنا علي بن الهيثم بن عدي عن مجالدٍ.
عن الشعبي قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:إني لأستحي من الله أن يكون ذنبٌ إلي أعظم من عفوي، أو جهلٌ أعظم من حلمي، أو عورةٌ لا يواريها ستري أو خلةٌ لا يسدها جودي.
o وبه قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن مهدي، قال: روي أن عقيلاً رضي الله عنه كتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام لعبد الله علي أمير المؤمنين (عليه السلام) من عقيلٍ، سلام الله عليك أما بعد: فإن الله تعالى أجارك من كل سوءٍ، وعصمك من كل مكروهٍ، أعلمك أني خرجت معتمراً فلقيت عبد الله بن أبي سرحٍ في نحوٍ من أربعين راكباً من أبناء الطلقاء مصدرين ركابهم من قديدٍ فقلت لهم وعرفت المنكر في وجوههم: أين يا أبناء الطلقاء، أبالشام تلحقون عداوةً تريدون بها إطفاء نور الله وتغيير أمره؟!(1/52)
فأسمعني القوم وأسمعتهم فسمعتهم يقولون:إن الضحاك بن قيسٍ الفهري أغار على الحيرة وأصاب من أموال أهلها ما شاء، ثم انكفأ راجعاً فأفٍ لحياةٍ في دهرٍ جر عليك ما أرى، وما الضحاك إلا قفع بقرقر، وقد ظننت حين بلغني ذلك أن أنصارك خذلوك فاكتب إلي يا ابن أبي برأيك وأمرك، فإن كنت الموت تريد تحملت إليك بني أخيك وولد أبيك، فعشنا معك ما عشت، ومتنا معك ما مت، فوالله ما أحب أن أبقى بعدك فواقاً، وأيم الله الأعز الأجل، أن عيشاً أعيشه في هذه الدنيا لغير هنيءٍ ولا مري والسلام.
فأجابه علي عليه السلام: أما بعد فكلأك الله كلاءة من يخشاه بالغيب إنه حميدٌ مجيدٌ، قدم علي عبيد الله بن عبد الرحمن الأزدي بكتابك تذكر: أنك لقيت ابن أبي سرحٍ في نحوٍ من أربعين راكباً متوجهين إلى المغرب وإن ابن أبي سرحٍ طال، والله ما كاد الإسلام وضل عن كتاب الله وسنته وبغاهما عوجاً، فدع ابن أبي سرحٍ وقريشاً وتراكضهم في الضلالة، وتجاولهم في الشقاق، فإنها اجتمعت على حرب أخيك اجتماعها على حرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأما الذي ذكرت من إغارة الضحاك على الحيرة، فهو أذل من أن يكون مر بجنباتها، ولكن جاء في جريدة خيلٍ فلزم الظهر، وأخذ على السماوة حتى مر بواقصةٍ فسرحت إليه جنداً من المسلمين، فلما بلغه ذلك ولى هارباً، فتبعوه ولحقوه في بعض الطريق وقد أمعن حين طفلت الشمس للإياب، ثم اقتتلوا فلم يصبروا إلا قليلاً فقتل من أصحاب الضحاك بن قيسٍ بضعة عشر رجلاً، ونجا جريحاً بعدما أخذ منه بالمخنق.
وأما ما سألتني أن أكتب إليك برأيي فإن رأيي جهاد القوم مع المسلمين حتى ألقى الله لا تزيدني كثرة الناس حولي عزةً، ولا نفورهم عني وحشةً، لأني محق والله مع المحق، والله ما أكره الموت على الحق؛ لأن الخير كله بعد الموت لمن عقل ودعا إلى الحق.(1/53)