ثم مشى حتى أتى المسجد فجلس فيه، ثم أخذ بلحيته فقال: ما يحبس أشقاها أن يخضب هذه من هذا وأشار بيده إلى رأسه فوالله ما كذبت ولا كذبت.
فقام إليه رجلٌ فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
فدعا بكوزٍ من ماءٍ فتوضأ فغسل يديه ثلاثاً، ثم تمضمض واستنشق ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل ذراعيه ثلاثاً، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاثاً، ثم قال: أين السائل عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
فقال الرجل: أنا، فقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توضأ فقال أبو مطرٍ: وكأني أنظر إلى الماء يهطل من لحيته على صدره، ثم أتيته وقد ضربه ابن ملجم -لعنه الله تعالى- فسمعته وهو يقول: امشوا بي بين الأمرين، ولا تسرعوا ولا تبطئوا، ولا تغالوا في كفني فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((الكفن سلبٌ سريعٌ إن يكن من أهل الجنة يكفن من الجنة وإن يكن من أهل النار يكفن من النار)).
o وبه قال: حدثنا محمدٌ بن علي العبدكي، قال: أخبرنا محمدٌ بن يزداد، قال: حدثني يعقوب بن إسحاق ومحمدٌ بن أبي سهلٍ قالا: حدثنا محمدٌ بن عمرٍو، قال: حدثنا الحارث، قال: حدثنا يحيى بن يعلى الأسلمي، قال: حدثنا عمرٌو بن يزيد، قال: حدثنا عبد الله بن حنظلة.
عن شهر بن حوشب، قال: كنت عند أم سلمة إذ استأذن رجلٌ فقيل له: من أنت؟ قال: أنا أبو ثابتٍ مولى علي.
فقالت أم سلمة: مرحباً بك يا أبا ثابتٍ ادخل، فدخل فرحبت به، ثم قالت له: يا أبا ثابتٍ، أين طار قلبك حين طارت القلوب مطايرها؟
فقال: تبع علي بن أبي طالبٍ عليه السلام. فقالت: وفقت، والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((علي مع الحق والقرآن، والحق والقرآن مع علي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض)).(1/44)
o وبه قال: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمدٍ البغدادي المعروف بالآبنوسي، قال: حدثنا أبو القاسم عبد العزيز بن إسحاق، قال: حدثنا أبو الأزهر سعيدٌ بن مالكٍ الكاتب، قال:حدثني أبي قال: حدثني الحسين بن علوان، عن عمروٍ بن خالدٍ، عن زيد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين.
عن الحسين بن علي عليه السلام، قال: لما كان يوم الجمل فتواقفنا فما لبث أهل البصرة أن انهزموا فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ألا لا تتبعوا مدبراً ولا تذففوا على جريحٍ ومن أغلق بابه فهو آمنٌ.
قال: فلما انقضى أمر الناس دخل بيت المال فرأى فيه البدر من الذهب والفضة فأنشأ يقول:
فلست من أشكالك
صلصلي صلصالك
ثم قسمه من وقته بين الناس بالسوية، ثم رشه وقال: إشهد عند الله لي أني لم أدخر عن المسلمين شيئاً.
o وبه قال: حدثنا أبو الحسين علي بن محمدٍ البحري، قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين رضي الله عنه، قال: حدثنا الحسن بن الحكم الوشاء الكروفي، قال: حدثنا إسماعيل بن أبان الوراق، قال: حدثنا عمرٌو بن شمر، عن جابرٍ.
عن الشعبي، قال: وجد علي بن أبي طالبٍ عليه السلام درعاً له عند نصراني فأقبل به إلى شريحٍ يحاكمه، قال: فجاء علي عليه السلام حتى جلس إلى جنب شريحٍ فقال: هيه يا شريح، لو كان خصمي مسلماً ما جلست إلا معه ولكنه نصراني، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا كنتم وإياهم في طريقٍ فصيروهم إلى مضايقه، وصغروهم كما صغر الله بهم من غير أن تطغوا))، ثم قال علي عليه السلام: هذه الدرع درعي لم أبع ولم أهب.
فقال شريحٌ للنصراني: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)؟
فقال النصراني: ما الدرع إلا درعي وما أمير المؤمنين عندي بكاذبٍ.
فالتفت شريحٌ إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين هل من بينةٍ؟(1/45)
قال: فضحك علي عليه السلام وقال: أصاب شريحٌ مالي من بينةٍ. فقضى بها للنصراني.
قال: فمشى خطىً، ثم رجع فقال: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء أميرالمؤمنين يمشي إلى قاضيه وقاضيه يقضي عليه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله؛ الدرع والله درعك يا أميرالمؤمنين تبعت الجيش وأنت منطلقٌ إلى صفين فجررتها من بعيرك الأورق.
فقال علي عليه السلام: أما إذا أسلمت فنهبها لك. وحمله على فرسٍ. قال الشعبي: فأخبرني من رآه يقاتل مع علي عليه السلام الخوارج.
- وبه قال: حدثني أبو أحمد محمدٌ بن علي العبدكي، قال: روي عن ابن عباسٍ أنه قال:كان أمير المؤمنين عليه السلام ينشد كثيراً:
كشفت حقائقها بالنظر
أسائل هذا وذا ما الخبر
أقيس بما قد أتى ما غبر
إذا المشكلات تصدين لي
ولست بإمعةٍ في الرجال
ولكنني مدرة الأصغرين
- وبه قال: أخبرنا أبو الحسين علي بن إسماعيل الفقيه رحمه الله تعالى، قال: أخبرني الناصر للحق الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه، قال: حدثنا عبد الله بن محمدٍ المدني، قال: حدثنا عمارة بن زيدٍ، قال:حدثنا عبيد الله بن المعلا، عن المنتجع بن قارطٍ النهدي أن أباه حدثه وكان جاهلياً، قال: شهدت هوازن حنينٍ وكنت امرءاً ندباً فسودني قومي ولقينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأيت في عسكره يوم هوازن رجلاً لا يلقاه قرنٌ إلا دهاه، ولا يبرز عليه شجاعٌ إلا أرداه، فصمد له وبرز إليه الجلموز بن قريعٍ، وكان والله ما علمته حوشي القلب شديد الضرب، فأهوى له بسيفه فاختلى قحف رأسه على أم دماغه، فحدت عنه وجعلت أرمقه وهو لا يقصد ركاكةً، ولا يؤم إلا صناديد الرجال، لا يدنو من رجلٍ إلا قتله، وكان الدائرة لمحمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم علينا فأسلمت بعد ذلك فتعرفت الرجل فإذا هو علي بن أبي طالبٍ عليه السلام وتالله لقد رأيت زنده فخلته أربع أصابع، وإن أول خنصره كآخر مفصلٍ من مرفقه.(1/46)
- وبه قال: أنشد أبو الحسن علي بن مهدي، قال: أنشدنا ابن الأنباري، قال: أنشدنا أبو العباس ثعلبٌ لأم كلثوم أخت عمرٍو بن عبد ود ترثيه، وتذكر قتل علي عليه السلام:
بكيته ما أقام الروح في جسدي
وكان يدعى قديمًا بيضة البلد
بكاء معولةٍ حرى على ولد
مشي الفحول بنصلٍ غير متئد
صافي الحديدة عضبى غير ذي أود
لو كان قاتل عمرٍو غير قاتله
لكن قاتله من لا يعاب به
يا أم كلثومٍ بكيه ولا تسمي
مشى إليه علي يوم قاتله
فجلل الرأس منه يوم بارزه
o وبه قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن مهدي، قال: أخبرنا محمدٌ بن محمدٍ بن علي بن إبراهيم بن هشامٍ، قال: حدثنا ابن أبي الدنيا، قال:حدثنا خلفٌ، قال: حدثني محمد بن ميمون، قال:
حدثنا جعفر بن محمدٍ، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) أن علياً عليه السلام كسا الناس وكان في الكسوة برنسٍ فسأله الحسين عليه السلام فأبى أن يعطيه إياه وقال: استهموا عليه للقبائل، فاستهموا عليه، فصار لفتًى من همدان.
o وبه قال: أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمدٍ البغدادي، قال: حدثنا أبوالقاسم عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر، قال: حدثني محمدٌ بن أحمد الكاتب، قال: حدثني عمي، عن الفضل بن نعيمٍ، عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجرٍ البجلي، عن عبد الملك بن عميرٍ.
عن رجلٍ من ثقيفٍ أن علياً عليه السلام استعمله على عكبرا، قال: ولم يكن السواد يسكنه المصلون فقال لي بين أيديهم: استوف منهم خراجهم ولا يجدوا منك رخصةً ولا يجدوا فيك ضعفاً.
ثم قال لي: إذا كان عند الظهر فرح إلي. فرحت إليه فلم أجد عنده حاجباً يحجبني دونه ووجدته جالساً وعنده قدحٌ وكوزٌ فيه ماءٌ فدعا بطبية، قال: قلت في نفسي: لقد أمنني حتى يخرج لدي جوهراً ولا أدري ما فيه، قال: فإذا عليها ختمٌ فكسر الختم فإذا فيه سويقٌ(1/47)
فأخرج منه فصب في القدح وصب عليه ماءٌ فشرب وسقاني فلم أصبر، أن قلت: يا أميرالمؤمنين بالعراق تصنع هذا!! طعام العراق أكثر من ذلك.
قال: أما والله ما أختم عليه بخلاً به، ولكني أبتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن يفتح فيوضع فيه من غيره فإنما حفظي لذلك وأكره أن يدخل في جوفي إلا طيبٌ، وإني لا أستطيع أن أقول لك إلا الذي قلت بين أيديهم؛ لأنهم قوم خدعةٍ، ولكني آمرك الآن بما تأخذهم به، فإن أنت فعلت وإلا أخذك الله به دوني، وإن بلغني عنك خلاف ما آمرك به عزلتك، لا تبيعن لهم رزقاً يأكلونه، ولا كسوة شتاءٍ ولا صيفٍ، ولا تضربن رجلاً منهم سوطاً في طلب درهمٍ، فإنا لم نؤمر بذلك، ولا تبيعن لهم دابةً يعملون عليها، إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو.
قلت:إذاً أجيئك كما ذهبت، قال: فاتبعت ما أمرني به فرجعت والله وما بقي علي درهمٌ إلا وفيته.
o وبه قال: أخبرنا أبي رحمه الله تعالى، قال: أخبرني حمزة بن القاسم العلوي العباسي رحمه الله تعالى، قال:حدثنا جعفر بن سلمة بن أحمد، قال: حدثنا النعمان، عن عمرٍو بن حمادٍ بن طلحة، قال: حدثنا عبدربه بن علقمة، عن أبان بن أبي عياشٍ.
عن سليمٍ بن قيسٍ الهلالي، قال: سأل ابن الكوى أمير المؤمنين علياً عليه السلام عن السنة والبدعة، وعن الجماعة والفرقة فقال: عليه السلام: يا ابن الكوى، حفظت المسألة فافهم الجواب، السنة والله سنة محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم والبدعة والله ما خالفها، والجماعة والله أهل الحق وإن قلوا، والفرقة والله متابعة أهل الباطل وإن كثروا.
o وبه قال: أخبرنا علي بن مهدي، قال: أخبرنا أبوبكرٍ بن الأنباري، قال: حدثني أحمد بن محمدٍ الأسدي، قال: حدثنا العباس بن الفرج الرياشي، قال: حدثنا أبو عاصمٍ، قال:(1/48)