عن حبة العرني: أن علياً عليه السلام سار حين فارقته الخوارج فاعترضوا الناس وأخذوا الأموال والدواب والكراع والسلاح، ودخلوا القرى وقتلوا، وساروا حتى انتهوا إلى النهروان فأقام بها أياماً يدعوهم ويحتج عليهم، فأبوا أن يجيبوه وتعبوا لقتاله، فعبأ الناس، ثم خرج إليهم فدعاهم فأبوا أن يدخلوا وبدأوا بالقتال، فقاتلهم وظهر عليهم فقال لأصحابه: (فيهم رجلٌ له علامةٌ، قالوا: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: رجلٌ أسود منتن الريح إحدى يديه مثل ثدي المرأة إذا مدت كانت بطول الأخرى وإذا تركت كانت كثدي المرأة، عليها شعراتٌ مثل شعر الهرة؛ فذهبوا ثلاث مراتٍ يطلبونه وكل ذلك لا يجدونه فرجعوا وقالوا: يا أمير المؤمنين ما وجدناه فقال: والله ما كذبت ولا كذبت وإني لعلى بينةٍ من الله، وإنه لفي القوم ائتوني بالبغلة فأتوه بها، فركب وتبعه الناس فانتهى إلى وهدةٍ من الأرض فيها قتلى بعضهم على بعضٍ، فقال: قلبوا قتيلاً على قتيلٍ فاستخرج الرجل وعليه قميصٌ جديدٌ فقال: شقوا عنه فشقوا عنه، فقال: مدوا يده فإذا هي بطول الأخرى، فقال: دعوها فإذا هي مثل ثدي المرأة، فقال: إن به علامةٌ أخرى، شامةٌ حمراء على كتفه الأيمن، ثم قال علي عليه السلام: الله أكبر وكبر المسلمون، فقال: صدق الله وصدق رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتالهم وأخبرني أن فيهم هذا الرجل المخدج).
o وبه قال: أخبرنا أبي رحمه الله تعالى قال: أخبرنا أبو جعفرٍ محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: أخبرنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمدٍ بن الحسين بن أبي الخطاب، عن جعفر بن بشيرٍ البجلي، قال: حدثنا أبان بن عثمان الأحمر، قال: حدثني زرارة، عن أبي جعفرٍ محمد بن علي، عن أبيه عن جده.(1/14)
عن علي عليه السلام قال: (أهدت الخيبرية شاةً مصليةً (أي مشويةً) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده رجلان، فقالت: هذه يا أبا القاسم هديةٌ، فأخذ أحدهما لقمتين والآخر لقمةً، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذراع؛ وقد كانت سألت: أي شيءٍ يحب من الشاة؟ فلما أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذراع كلمته، فقالت: هي مسمومةٌ فوضعها وقال للرجلين:((أنتما لا تأكلا)) فأما صاحب اللقمتين فلم يلبث أن مات، وأما صاحب اللقمة فمكث يومين وليلتين ومات، فقال لها صلى الله عليه وآله وسلم وهي زينب بنت الحارث أخت مرحب يا عدوة الله ما دعاك إلى هذا؟ قالت: قلت رجالي، فقلت إن كان ملكاً أرحت الناس منه وإن كان نبياً فسيعلم.
o وبه قال: أخبرنا أبي رحمه الله تعالى، قال: أخبرنا أبو أحمد إسحاق بن محمدٍ المقري الكوفي، قال: أخبرنا محمدٌ بن سهل بن ميمون العطار، قال: أخبرني أبو محمدٍ عبد الله بن محمدٍ البلوي، قال: حدثني عمارة بن زيدٍ، قال: حدثني بكر بن حارثة، عن محمدٍ بن إسحاق، عن عيسى بن معمرٍ، عن عبد الله بن عمرو الخزاعي.(1/15)
عن هند بنت الجون قالت: (نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيمة خالتها أم معبد ومعه أصحابٌ له، وكان من أمره في الشاة ما قد عرفه الناس، فقال في الخيمة هو وأصحابه حتى أبردوا، وكان يوماً قايضاً شديداً حره، فلما قام من رقدته دعا بماءٍ فغسل يديه فأنقاهما، ثم مضمض فاه ومجه إلى عوسجةٍ كانت إلى جانب خيمة خالتها -أي خالة هندٍ وهي أم معبد وليست خالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في بعض نسخ الأمالي فهو وهمٌ، وقد ذكره الحاكم في جلاء الأبصار- فلما كان من الغد أصبحنا وقد غلظت العوسجة حتى صارت أعظم دوحةٍ عاديةٍ رأيتها، وشذب الله شوكتها، وساخت عروقها، واخضر ساقها وورقها، ثم أثمرت بعد ذلك وأينعت بثمرٍ أعظم ما يكون من الكمال في لون الورس المسحوق، ورائحة العنبر وطعم الشهد، والله ما أكل منها جائعٌ إلا شبع، ولا ظمآنٌ إلا روي، ولا سقيمٌ إلا برئ، ولا أكل من ورقها بعيرٌ ولا ناقةٌ ولا شاةٌ إلا در لبنها ورأينا النمى والبركة في أموالنا منذ نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخصبت بلادنا وأمرعت، فكنا نسمي تلك الشجرة المباركة، وكان من ينتابنا من حولنا من البوادي يستشفون بها ويتزودون من ورقها، ويحملونها معهم في الأرض القفار فتقوم لهم مقام الطعام والشراب.
فلم تزل كذلك وعلى ذلك، حتى أصبحنا ذات يومٍ وقد تساقط ثمرها واصفر ورقها، فحزنا لذلك وفزعنا له، فما كان إلا قليلاً حتى جاء نعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا هو قد قبض في ذلك اليوم وكانت بعد ذلك اليوم، تثمر دونه في الطعم والعظم والرائحة، وأقامت على ذلك ثلاثين سنةً.
فلما كان ذات يومٍ أصبحنا فإذا بها قد أشوكت من أولها إلى آخرها وذهبت نضارة عيدانها وتساقط جميع ثمرها، فما كان إلا يسيراً حتى وافانا مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ صلوات الله عليه، فما أثمرت بعد ذلك قليلاً ولا كثيراً وانقطع ثمرها.(1/16)
ولم نزل ومن حولنا نأخذ من ورقها، ونداوي به مرضانا، ونستشفي به من أسقامنا، فأقامت على ذلك مدةً وبرهةً طويلةً، ثم أصبحنا وإذا بها يوماً قد انبعث من ساقها دمٌ عبيطٌ (أي طري) جارٍ، وورقها ذابلٌ يقطر ماءً كماء اللحم فعلمنا أن قد حدث حدثٌ فبتنا فزعين مهمومين نتوقع الداهية، فأتانا بعد ذلك قتل الحسين بن علي عليه السلام، ويبست الشجرة وجفت وكسرتها الرياح والأمطار بعد ذلك، فذهبت واندرس أصلها).
- قال محمدٌ بن سهل: فلقيت دعبل بن علي الخزاعي بمدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فحدثته بهذا الحديث فقال: حدثني أبي عن جده، عن أمه سعدى بنت مالك الخزاعية أنها أدركت تلك الشجرة وأكلت من ثمرها على عهد أميرالمؤمنين علي عليه السلام، قال دعبلٌ: فقلت قصيدتي:
واعص الحمار فمن نهاك حمار
نفسي ومن عطفت عليه نزار
وعلى عدوك مقتةٌ ودمار
زر خير قبرٍ بالعراق يزار
لم لا أزورك يا حسين لك الفدى
ولك المودة في قلوب ذوي النهى
- قال السيد أبو طالبٍ رضي الله عنه: ما حدث بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هذه الأحوال يكون معجزاً أو يجب أن يكون قد تقدم منه الإخبار فيقع المخبر به مطابقاً للخبر.
o وبه قال: أخبرنا أبي رحمه الله، قال: أخبرني محمدٌ بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمدٌ بن الحسن الصفار، قال: حدثني محمدٌ بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: حدثني جعفر بن بشير البجلي، قال: حدثني أبان بن عثمان الأحمر، قال: حدثني أبو بصير عن جعفر بن محمدٍ، عن أبيه، عن جده.(1/17)
عن علي عليه السلام في حديث جعفر بن أبي طالبٍ رضوان الله عليه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان جالساً في المسجد وقد خفض له كل رفعٍ وهو ينظر إليهم يقتلون والناس عنده وكأن على رؤوسهم الطير وهو يقول صلى الله عليه وآله وسلم: ((تهيأ القوم وتعبوا والتقوا، ثم قال: صلى الله عليه وآله وسلم: قتل جعفر إنا لله وإنا إليه راجعون وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التفظيع في بطنه، قال: وكان في يد جعفرٍ عرقٌ من لحمٍ ينهسه يتقوى به إذ سمع الحطمة في المسلمين فطرح العرق من يده وما فيه، ثم أخذ السيف وتقدم وهو يقول:
طيبةٌ وباردٌ شرابها
علي إن لاقيتها ضرابها
يا حبذا الجنة واقترابها
والروم رومٌ قد دنى عذابها
وقاتل حتى قتل.
- قال أبان: وحدثني الفضل بن بشار، عن أبي جعفرٍ محمدٍ بن علي عليه السلام، قال: أصيب جعفرٌ خمسين جراحةً، في وجهه أكثر ذلك وقطعت يداه وأبدله الله عز وجل بهما جناحين في الجنة.
- قال السيد أبو طالبٍ رضي الله عنه: ما في الخبر من ذكر البيتين يجب أن يكون من إنشاد أمير المؤمنين عليه السلام من حيث نقل إليه ذلك من بعد، فذكرهما في جملة القصة لأن الظاهر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لم يكن ينشد الشعر.
o وبه قال: أخبرنا أبي رحمه الله، قال: أخبرنا محمدٌ بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: أخبرنا محمدٌ بن الحسن الصفار، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله البرقي، عن علي بن الحكم، عن أبان بن تغلب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفرٍ محمدٍ بن علي، عن أبيه، عن جده.
عن علي (عليهم السلام) قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خطب جمع له كثيبٌ فقام عليه وأسند ظهره إلى جذعٍ، فلما وضع المنبر في موضعه وقام عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم خار الجذع، فنزل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالتزمه، ثم كلمه فسكته، فلولا كلامه لخار إلى يوم القيامة).(1/18)