الكتاب :تيسير المطالب
المؤلف : الإمام أبوطالب يحيى بن الحسين الهاروني

تيسير المطالب
في أمالي أبي طالب
للإمام الناطق بالحق
أبي طالب يحيى بن الحسين الهاروني
عليه السلام
ترتيب القاضي
جعفر بن أحمد بن عبدالسلام(1/1)


مقدمة التحقيق
الحمدلله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد الأمين وعلى آله الطاهرين، حراس الشريعة، وحماة الدين.
وبعد: فإن السنة النبوية المطهرة على صاحبها وآله أفضل الصلاة وأتم السليم، تحتل منزلة عظيمة في التشريع الإسلامي، إذ أنها المصدر الثاني من مصادره، والمنهج السامي من مناهجه.
ومنذ فجر الإسلام بذل المسلمون جهودهم لاستيعابها، بجميع أنواعها: قولاً، وفعلاً، وتقريراً.
ومما لا شك فيه أن المنافقين والوضاعين لم يستطيعوا نيل ما يؤملونه من الوضع على رسول اللهً في حياته، خوفاً من فضيحتهم، وانكشاف أمرهم.
فقد كان الرسولً دائم الحث للمسلمين على التثبت والتقيد بما سمعوه منه وتلقوه عنه، حتى أنه قام خطيباً، وقال ((من قال علي ما لم أقل، فليبتوأ مقعده من النار)) وقالً: ((نضر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع)) .
وأما بعد وفاتهً فقد كثرت نسبة الأحاديث إليه وضعاً وتدليساً وتلبيساً على مراحل متفرقة، وفي أوقات مختلفة، ولأغراض متعددة، ولم تسلم الأحاديث من الإسرائيليات، قال السيد العلامة المحقق صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير المتوفى سنة 914هـ.(1/2)


وأما السنة النبوية والأحاديث المصطفويه، والآثار الصحابيه، المروية عن سادات السلف، وعيون قادات الخلف، فإن الملاحدة وغيرهم من المبتدعه ـ ممن شرد على الله، وافترى الكذب على رسوله وأهل بيته وأصحابه، وخلفهم الصالح، من موارق الخوارج ، وعتاة النواصب ، وغلاة الروافض ، وطغام الجبريه ، والمشبهة وهمج القصاص والوعاظ والحشويه ، وأغتام الظاهرية ، والكرامية ، والخطابيه ، وغيرهم من أهل الإعتقادات الرديه والمقالات الفريه، استرسلوا في وضع الأحاديث والآثار، حتى طار ما اختلقوه كل مطار، وانتشر ذلك في الأنجاد، والأغوار، وسار في ديار الإسلام مالم يسر قمر حيث سار، وكاد يغلب في الكثرة ما يعتمد عليه من صحيح الأخبار، وجعله ذريعة إلى الباطل كثير الأشرار، وسواد عظيم ممن ليس له معرفة بالحديث من الأخيار، من عوام المتفقهين، ونساك المتعبدين والمتصوفين، والذاهبين إلى قبول المجهولين، تصديقاً للحديث النبوي: ((إنه سيكذب علي))، ولقد قال شعبة: (لم يفتش عن الحديث أحد تفتيشي، فوجدت ثلثي ما فتشت عنه كذباً)، وقال ابن معين: (كتبنا عن الكاذبين وسجرنا به التنور، وأكلنا به خبزاً سميداً) .(1/3)


منهج أهل البيت عليهم السلام في الحديث
وقد وضع الإمام علي عليه السلام (ت40هـ) منهجاً علمياً دقيقاً لكيفية التعامل مع الأحاديث النبوية، قال عليه السلام: (إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً، ولقد كذب على رسول الله على عهده حتى قام خطيباً فقال: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس: رجل منافق، مظهر للإيمان،متصنع بالإسلام، لا يتأثم ، ولا يتحرج، يكذب على رسول اللهً متعمداً، فلوعلم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه، ولم يصدقوا قوله، ولكنهم قالوا: صاحب رسول اللهً رآه وسمع منه ولقف عنه، فيأخذوا بقوله، وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك، ووصفهم بما وصفهم به لك، ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلال والدعاة إلى النار بالزور والبهتان، فولوهم الأعمال، وجعلوهم حكاماً على رقاب الناس فأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك إلا من عصم الله فهذا أحد الأربعة.
ورجل سمع من رسول اللهً شيئاً لم يحفظه على وجهه، فوهم فيه، ولم يتعمد كذباً، فهو في يديه، ويرويه ويعمل به، ويقول: أنا سمعته من رسول اللهً فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوه منه، ولو علم هو أنه كذلك لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول اللهً شيئاً يأمر به ثم إنه نهى عنه وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، فلو علم أنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.
وآخر رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله، مبغض للكذب خوفاً من الله، وتعظيماً لرسول اللهً، ولم يهم ، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به على ما سمعه لم يزد فيه، ولم ينقص منه، فهوحفظ الناسخ فعمل به، وحفظ المنسوخ فجنب عنه، وعرف الخاص والعام، والمحكم والمتشابه، فوضع كل شئ موضعه.(1/4)


وقد كان يكون من رسول اللهً الكلام له وجهان: فكلام خاص، وكلام عام، فيسمعه من لايعرف ما عنى الله سبحانه به، ولا ما عنى رسول اللهً، فيحمله السامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه وما قصد به وما خرج من أجله، وليس كل أصحاب رسول اللهً من كان يسأله ويستفهمه حتى إن كانوا ليحبون أن يجئ الأعرابي والطارئ، فيسأله عليه السلام حتى يسمعوا، وكان لا يمر بي من ذلك شئ إلا سألته عنه وحفظته، فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم وعللهم في رواياتهم .
وهذا المنهج العلوي هو أقدم وثيقة علمية في الفكر الحديثي، ثم سار على نهجه الحسنان عليهما السلام، وذريتهما المباركة، وبذلوا جهوداً عظيمة في خدمة السنة، وتمييز صحيحها من سقيمها، ومقبولها من مردودها، وقاوموا جميع الجبهات المشبوهة، التي اتخذت الإسلام ستاراً، والسنة غطاءاً، لتمرير مخططاتها المشؤومة، وانحرافاتها المذمومة، وما خروج الإمام الحسين بن علي عليه السلام وحفيده الإمام زيد بن علي عليه السلام واستشهادهما، إلا أحد الأدلة على ذلك.
قال الإمام الحسين عليه السلام: (لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي)، وقال الإمام زيد بن علي عليه السلام: (وددت إن يدي ملصقة بالثريا، وأن أقع على الثرى، فأتقطع إرباً إربا، وأن الله يصلح بي أمر هذه الأمة) وسار على نفس الخط ولنفس الهدف بقية أهل البيت عليهم السلام، وسيستمرون على ذلك إلى أن تقوم الساعة.(1/5)

1 / 100
ع
En
A+
A-