فَكَانَ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ يَقُوْلُ بَعْدَ ذَلِكَ: مَا رَأَيْتُ فِيْ الدُّنْيَا رَجُلاً قُرَشِيًّا وَلاَ عَرَبِيًّا يَزِيْدُ فِيْ الْعَقْلِ وَالْحُجَجِ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ -عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ-.
وَبِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّرِيْفُ أَبُوعَبْدِاللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاجِبٍ قِرَاءَةً، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الأَشْنَانِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بْنُ إِسْحَاقَ الرَّاشِدِي، قَالَ: حَدَّثَنِي جُمَيْعُ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُهُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ وَأَبُوحَمْزَة الثُّمَالِي، قَالاَ: حَبَّرْنَا رِسَالَةً رَدًّا عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِيْنَةِ فَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فَقُلْنَا: جُعِلْنَا لَكَ الْفِدَاءَ، إِنَّا حَبَّرْنَا رِسَالَةً رَدًّا عَلَى النَّاسِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا.
قَالَ: فَاقْرَأُوْهَا، فَقَرَأْنَاهَا، فَقَالَ: أَمَا لَقَدْ أَخَذْتُمْ وَاجْتَهَدْتُمْ، فَهَلْ أَقْرَأْتُمُوْهَا زَيْداً؟ قُلْنَا: لاَ.
قَالَ: فَاقْرِؤُوهَا زَيْداً، وَانْظُرُوا مَا يَرُدُّ عَلَيْكُمْ.
قَالَ: فَدَخَلْنَا عَلَى زَيْدٍ فَقُلْنَا لَهُ: جُعِلْنَا لَكَ الْفِدَاءَ، رِسَالَةً حَبَّرْنَاهَا رَدًّا عَلَى النَّاسِ جِئْنَاكَ بِهَا.
قَالَ: اقْرَأُوهَا، فَقَرَأْتُهَا عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا فَرِغْنَا مِنْهَا قَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ وَأَنْتَ يَا أَبَا خَالِدٍ لَقَدِ اجْتَهَدْتُمْ وَلَكِنَّهَا تُكْسَرُ عَلَيْكُمْ.
أَمَّا الْحَرْفُ الأَوَّلُ فَالرَّدُّ فِيْهِ كَذَا، فَمَا زَالَ يَرُدُّهَا حَتَّى فَرِغَ مِنْ آخِرِهَا حَرْفاً حَرْفاً فَوَاللَّهِ مَا نَدْرِي فِيْ أَيْش نَتَعَجَّبُ مِنْ حِفْظِهِ(1/577)


لَهَا أَوْ مِنْ كَسْرِهَا، ثُمَّ أَعْطَانَا جُمْلَةً مِنَ الْكَلاَمِ نَعْرِفُ بِهِ الرَّدَّ عَلَى النَّاسِ، قَالَ: فَرَجَعْنَا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فَأَخْبَرْنَاهُ مَا كَانَ مِنْ زَيْدٍ، قَالَ: يَا أَبَا خَالِدٍ وَأَنْتَ يَا أَبَا حَمْزَةَ إِنَّ أَبِي دَعَا زَيْداً فَاسْتَقْرَأَهُ الْقُرْآنَ، فَقَرَأَ وَسَأَلَهُ عَنِ الْمُعْضِلاَتِ، فَأَجَابَ فَدَعَا لَهُ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا خَالِدٍ، وَأَنْتَ يَا أَبَا حَمْزَةَ، إِنَّ زَيْداً أُعْطِيَ مِنَ الْعِلْمَ عَلَيْنَا بَسْطَةً.
وَبِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّرِيْفُ أَبُوعَبْدِاللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاجِبٍ قِرَاءَةً، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الأَشْنَانِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بْنُ إِسْحَاقَ الرَّاشِدِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ مَجْدُوْحِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَعْيُنٍ الْجُهَنِيِّ، وَكَانَ رَجُلاً بَلِيْغاً خَطِيْباً شَاعِراً قَالَ: أَلَّفْتُ كَلاَماً فِيْ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ- ثُمَّ ذَكَرْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ثُمَّ حَسَنَاً، ثُمَّ حُسَيْنَاً، ثُمَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، ثُمَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ، فِيْ كَلاَمٍ ذَكَرَهُ كَثِيْرٍ، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ الْمَدِيْنَةَ فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ الْكَلاَمَ، فَقَالَ لِي: ائْتِ زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ، فَأَعْرِضْ عَلَيْهِ كَلاَمَكَ.
قَالَ: فَأَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ كَلاَمِي، حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهِ، قَالَ: فَتَنَاوَلَ زَيْدٌ بِمَرفَقَةٍ فَوَضَعَهَا تَحْتَ صَدْرِهِ، ثُمَّ اتَّكَأَ عَلَيْهَا(1/578)


بِصَدْرِهِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ فَاقْتَصَّ كَلاَمِي مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ حَتَّى كَانَهُ كَانَ أَحْفَظَ مِنِّي، أَوْ قَالَ: كَلِمَةً تُشْبِهُ هَذِهِ، ثُمَّ أَخِذَ فِيْ ذِكْرِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ- ثُمَّ ذَكَرَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، ثُمَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَعَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، وَذَكَرَ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ، فَجَاءَ بِكَلاَمٍ مَا سَمِعْتُ مِثْلَهُ قَطْ -يَعْنِي أْحْسَنَ وَلاَ أَبْلَغَ- فَلَقَدْ رَابَتْنِي نَفْسِي وَأَنَا أَسْمَعُ كَلاَمَهُ وَأَنَا أَجِدُنِي أَذْبُلُ أَذْبُلُ وَأَصْغُرُ، ذَكَرَ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنَ الْكَلاَمِ.
وَبِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّرِيْفُ أَبُوعَبْدِاللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْحَسَنِي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِي قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَيْمَنَ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيْمَ بْنِ مَالِكٍ الْفَزَارِي سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاَثِمِائَةٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الْمَازِنِي، عَنْ جُوَيْرَةَ بْنِ أَسْمَاءٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى.
عَنْ فَرْعَانَ السُّعْدِي، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ الْفَرَزْدَقِ حَآجًّا، فَلَمَّا صِرْنَا فِيْ بَعْضِ الطَّرِيْقِ إِذْ نَحْنُ بِشَابٍّ عَلَى شَفِيْرِ بِئْرٍ يَنْزَعُ مِنْهُ بِغَرْبٍ قَدْ كَانَ يَسْتَقِي بِهِ بَعِيْرَانِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: مَنْ يُسَاجِلْنِي يُسَاجِلْ مَاجِداً يَمْلأُ الدَّلْو إِلَى عَقْدِ الْكُرَبْ مَنْ يُفَاخِرْنِي يُفَاخِرْ مَاجِداً يَمْلأُ الدَّلْوَ إِلَى عَقْدِ الْكُرَبْ فَاسْتَظْرَفَ الْفَرَزْدَقُ وَجْهَهُ،(1/579)


وَاسْتَحْسَنَ فَصَاحَتَهُ، وَأَعْجَبَهُ مَا رَأَى مِنْ جَلَدِهِ، فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي!! فَمَنِ الرَّجُلُ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ نَزَارٍ.
قَالَ: فَمِنْ أَيِّهَا أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ مُضَرَ.
قَالَ: فَمِنْ أَيِّهَا أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ خُزَيْمَةَ.
قَالَ: فَمِنْ أَيِّهَا أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ النَّضْرِ.
قَالَ: فَمِنْ أَيِّهَا أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ قُرَيْشٍ.
قَالَ: فَمِنْ أَيِّهَا أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ قُصَيٍّ بْنِ كِلاَبٍ.
قَالَ: فَمِنْ أَيِّهَا أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ بَنِي هَاشِمٍ.
قَالَ: فَمِنْ أَيِّهَا أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
قَالَ: فَمِنْ أَيِّهَا أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ.
قَالَ: فَمِمَّنْ وَلَدِ عَلِيٍّ؟ قَالَ: أَنَا زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ.
قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا يُفَاخِرُكَ إِلاَّ ابْنُ الزَّانِيَةِ.
وَبِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّرِيْفُ أَبُوعَبْدِاللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْحَسَنِي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قِرَاءَةً، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُالْعَزِيْزِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ كَعْبٍ الْفَقِيْهُ الْحَنَفِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيْمَ الْخَرَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَارُ بْنُ مِصْعَبٍ.
عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ -عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ- يَقُوْلُ: خَلَوْتُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَقْرَؤُهُ وَأَتَدَبَّرُهُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَبِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّرِيْفُ أَبُوعَبْدِاللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ [بْنُ عَلِيِّ] بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَاجِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلاَّنٍ الْبَزَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا(1/580)


عَبْدُالسَّلاَم بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ رُشْدٍ.
عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، قَالَ: كُنَّا فِيْ دَارِ شَبِيْبِ بْنِ عَرْقَدَةَ فَسَمِعْنَا وَقْعَ حَوَافِرِ الْخَيْلِ، فَمَا فِيْنَا أَحَدٌ إِلاَّ رُعِبَ وَأُرْعِدَ، وَظَنَّنَا أَنَّهُ يُوْسُفُ بْنُ عُمَرَ، وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ رَجُلاً كَانَ أَرْبَطَ جَأْشاً وَلاَ أَشَدَّ نَفْساً مِنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ -عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ-، وَاللَّهِ مَا قَطَعَ حَدِيْثَهُ، وَلاَ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ، وَلاَ حَلَّ حَبْوَتَهُ، فَمَضَتِ الْخَيْلُ وَجَازَتْنَا، فَلَمَّا انْفَرَجَ عَنَّا مَا كُنَّا فِيْهِ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: لِيُرْعِبَ أَحَدَكُمُ الشَّيْءُ يَخَافُ أَنْ يَحُلَّ بِهِ، وَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ لِغَرِضِ دُنْيَا وَلاَ لِجَمْعِ مَالٍ، وَلَكِنِّي خَرَجْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَالتَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ، فَمَنْ كَانَ اللَّهُ هِمَّتَهُ وَمِنَ اللَّهِ طِلْبَتُهُ فَمَا يُرْعِبُهُ شَيءٌ إِذَا نَزَلَ بِهِ إِذَا كَانَ لِلَّهِ وَإِرْضَاءِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ-.
(1/581)

115 / 134
ع
En
A+
A-