الأَذَانِ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْمُهَاجِرُوْنَ وَالأَنْصَارُ فَزِعُوْا لِذَلِكَ، وَقَالُوا: مَا بَالُ بِلاَلٍ وَرَسُوْلُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا شَاهِدٌ لَمْ يَغِبْ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يُؤَذِّنُ فِيْهِ قَبْلَ الْيَوْمِ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: بِلاَلٌ أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَأَطْوَعُ لِرَسُوْلِهِ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئاً لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، وَلَكِنْ لاَ شَكَّ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْدَثَ إِلَى نَبِيِّهِ أَمْراً أَحَبَّ أَنْ يُعَلِّمَكُمُوْهُ، قَالَ: فَقَامُوا فَتَأَهَّبُوا، فَأَتَوُا الْمَسْجِدَ، فَلَمَّا بَلَغُوْا وَقْتَ الصَّلاَةِ، جَاءَ رَسُوْلُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَامَ إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَأَخَذَ بِعُضَادَتَيْهِ، وَكَانَ فِيْ مَسْجِدِ رَسُوْلِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- مَكَانٌ يُسَمَّى الصَّفَّةَ أَوْ السَّدَّةَ، شَكَّ أَبُو سَعِيْدٍ، يَأْوِي فِيْهِ أَضْيَافُ رَسُوْلِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ-، وَقَالَ: ((لَكُمْ أَثَرٌ يَا أَهْلَ الصَّفَّةِ لِأَنَّكُمْ غُرَبَاءُ، وَأَنْتُمْ تَأْتُوْنَ بُلْدَانَاً كَثِيْرَةً فَهَلْ تَسْمَعُوْنَ؟)).
قَالُوا: سَمِعْنَا يَا رَسُوْلَ اللَّهِ.
قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ قِسْمَيْنِ فَجَعَلَنِي فِيْ خَيْرِهِمَا قَسْماً، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ?وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ?[الواقعة:27]، وَأَنَا سَيِّدُ أَصْحَابِ الْيَمِيْنِ.
ثُمَّ قَسَمَ الْقِسْمَيْنِ فَجَعَلَنِي فِيْ خَيْرِهِمَا قَسْماً، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ?وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُون، أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ?[الواقعة:10-11]، وَأَنَا سَيِّدُ السَّابِقِيْنَ.
(1/132)
ثُمَّ قَسَّمَ الْقِسْمَ قَبَائِلَ فَجَعَلَنِي فِيْ خَيِرْهِمَا قَبِيْلَةً، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ?يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ?[الحجرات:13] فَأَنَا أَتْقَى وَلَدِ آدَمَ، وَقَبِيْلَتِي خَيْرُ الْقَبَائِلِ وَأَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلاَ فَخْرَ.
ثُمَّ قَسَّمَ الْقَبَائِلَ بُيُوْتاً فَجَعَلَنِي فِيْ خَيْرِهَا بَيْتاً، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ? إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً?[الأحزاب:33]، فَكَانَ أَهْلُ بَيْتِي مُطَهَّرِيْنَ مِنَ الذُّنُوْبِ، أَلاَ إِنَّ إِلَهِي اخْتَارَنِي فِيْ ثَلاَثَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي وَأَنَا رَابِعُهُمْ وَأَنَا سَيِّدُهُمْ)) قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللَّهِ سَمِّ لَنَا الثَّلاَثَةَ؟ قَالَ: ((كُنْتُ أَنَا وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، عَلِيٌّ عَنْ يَمِيْنِي، وَجَعْفَرٌ عَنْ شِمَالِي، وَحَمْزَةُ عِنْدَ رِجْلَيَّ ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا مُسَجَّى بِثَوَبِهِ فَمَا نَبَّهَنِي مِنْ رَقْدَتِي إِلاَّ خَفِيْقُ أَجْنِحَةِ الْمَلاَئِكَةِ وَبَرْدُ ذِرَاعِ عَلِيٍّ تَحْتَ خَدَّيَّ، فَإِذَا أَنَا بِجِبْرِيْلَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فِيْ ثَلاَثَةِ أَمْلاَكٍ وَبَعْضُهُمْ يَقُوْلُ لَهُ: يَا جِبْرِيْلُ، إِلَى أَيِّ الأَرْبَعَةِ أُرْسِلْتَ؟ قَالَ: فَرَفَسَنِي بِرِجْلِهِ رَفْسَةً، ثُمَّ قَالَ: إِلَى هَذَا، قَالَ: فَسَمِعْتُ الْمَلَكَ وَهُوَ يَسْتَفْهِمُ جِبْرِيْلَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سَيِّدُ الأَنْبِيَاءِ، وَهَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سَيِّدُ
الأَوْصِيَاءِ، وَهَذَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ، وَهَذَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْمُزَيَّنُ بِالْجَنَاحَيْنِ يَطِيْرُ بِهِمَا مَعَ الْمَلاَئِكَةِ حَيْثُ يَشَاءُ)).
(1/133)
الباب الخامس:في نكاحه -صلى الله عليه وآله وسلم- وذكر أفضل أزواجه وهي خديجة عليها السلام وبشارته لها، وذكر أولاده منها ووفاتها، وذكر سائر نسائه وما يتصل بذلك
وَبِالإِسْنَادِ الْمُقَدَّمِ إِلَى السَّيِّدِ الأَجَلِّ الإِمَامِ الْمُرْشِدِ بِاللَّهِ أَبِي الْحُسَيْنِ يَحْيَى بْنِ الْمُوَفَّقِ بِاللَّهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ الْحَسَنِي رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُوبَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ رَيْذَةَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِأصَفْهَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمُ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوْبَ الطَّبَرَانِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيْزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الزَّائِدِي.
عَنْ خَالِدِ بْنِ سَمُرَةَ، أَوْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ-، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- يَرْعَى غَنَماً فَاسْتَعْلَى الْغَنَمَ، فَكَانَ فِيْ الإِبِل هُوَ وَشَرِيْكٌ لَهُ فأَكْرَيَا أُخْتَ خَدِيْجَةَ، فَلَمَّا قَضَوُا السَّفَرَ بَقِيَ لَهُمْ عَلَيْهَا شَيءٌ فَجَعَلَ الشَّرِيْكُ يَأْتِيْهِمْ فَيَتَقَاضَاهُمْ وَيَقُوْلُ لِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- : انْطَلِقْ، فَيَقُوْلُ: ((اذْهَبْ أَنْتَ فَأَنَا أَسْتَحْيِ)) فَقَالَتْ: فَأَتَيْتُهُمْ مَرَّةً، فَقَالَتْ: فَأَيْنَ مُحَمَّدٌ لاَ يَجِئُ مَعَكَ؟ قَالَ: قَدْ قُلْتُ لَهُ(1/134)
يَزْعُمُ أَنَّهُ يَسْتَحْيِ، فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَشَدَّ حَيَاءً وَلاَ أَعَفَّ وَلاَ وَقَعَ فِيْ نَفْسِ أُخْتِهَا خَدِيْجَةَ فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: ائْتِ أَبِي فَاخْطُبْنِي إِلَيْهِ، فَقَالَ: ((أَبُوْكِ رَجُلٌ كَثِيْرُ الْمَالِ وَهُوَ لاَ يَفْعَلُ))، قَالَتْ: انْطَلِقْ فَالْقَهُ، فَكَلِّمْهُ ثُمَّ إِنِّي أَكْفِيْكَ وَأَنْتَ عِنْدَ سُكْرِهِ، فَفَعَلَ وَأَتَاهُ فَزَوَّجَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَلَسَ فِيْ الْمَجْلِسِ فَقِيْلَ لَهُ: قَدْ أحْسَنْتَ زَوَّجْتَ مُحَمَّداً، قَالَ: أَوَ فَعَلْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقَامَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَقُوْلُوْنَ: إِنِّي قَدْ زَوَّجْتُ مُحَمَّداً وَمَا فَعَلْتُ، قَالَتْ: بَلَى، فَلاَ تُسَفِّهَنَّ رَأْيَكَ فَإِنَّ مُحَمَّداً كَذَا، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ حَتَّى رَضِيَ ثُمَّ بَعَثَتْ إِلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- بِوَقِيَّتَيْنِ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ، وَقَالَتْ: اشْتَرِ حُلَّةً فَأَهْدِهَا لِي وَكِسَاءً، وَكَذَا، وَكَذَا، فَفَعَلَ.
(1/135)
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيْزِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْوَرَّاقُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُوبَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ الْقُطَيْعِي إِجَازَةً، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَقِيْلٍ.
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ فِيْ الْجَاهِلِيَّةِ خَدِيْجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ، وَكَانَتْ قَبْلَ رَسُوْلِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- تَحْتَ أَبِي هَالَةَ أَخِي بَنِي تَمِيْمٍ، وَكَانَتْ بَعْدَ أَبِي هَالَةَ تَحْتَ عَتِيْقِ بْنِ عَائِذٍ الْمَخْزُوْمِي، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا رَسُوْلُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- فَوَلَدَتْ لَهُ: فَاطِمَةَ، وَأُمُّ كُلْثُوْمٍ، وَرُقَيَّةَ، وَزَيَنْبَ، وَالْقَاسِمَ، وَالطَّاهِرَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِحْدَاهُمَا بَعْدَ الأُخْرَى عَلَى رَسُوْلِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- الْقُرْآنَ، وَالْهُدَى وَعِنْدَهُ خَدِيْجَةُ، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ.
وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَمَّرٌ.
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: وَلَدُ خَدِيْجَةَ لِلنَّبِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- الْقَاسِمُ، وَالطَّاهِرُ، وَفَاطِمَةُ، وَ زَيْنَبُ، وَأُمُّ كُلْثُوْمٍ، وَرُقَيَّةُ، قَالَ الزُّهْرِيّ: وَإِنَّ رِجَالاً مِنَ الْعُلَمَاءِ لَيَقُوْلُوْنَ: مَا نَعْلَمُهَا وَلَدَتْ لَهُ ذَكَراً إِلاَّ الْقَاسِمَ، وَوَلَدَتْ لَهُ(1/136)