الرَّحْمَنِ الْبُرْقِي، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا ابْنُ هِشَامٍ، عَنْ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ مَحْمُوْدِ بْنِ لبيْد، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَلاَمَةَ بْنِ وَقْشٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ، قَالَ: كَانَ لَنَا جَارٌ يَهُوْدِيٌّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، قَالَ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا يَوْماً مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ.
قَالَ سَلَمَةُ: وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَحْدَثُ مَنْ فِيْهِ سِنًّا عَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي مُضْطَجِعٌ فِيْهَا بِفَنَاءِ أَهْلِي، فَذَكَرَ الْقِيَامَةَ وَالْبَعْثَ وَالْحِسَابَ وَالْمِيْزَانَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ.
قَالَ: فَقَالَ ذَلِكَ لِقَوْمِ أَهْلِ شِرْكِ أَصْحَابِ الأَوْثَانِ أَلاَ تَرَوْنَ إِنَّ بَعْثاً كَائِنَاً بَعْدَ الْمَوْتِ.
فَقَالُوا لَهُ: وَيَحْكَ!! أَوَ تَرَى هَذَا كَائِناً إِنَّ النَّاسَ يُبْعَثُوْنَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ إِلَى دَارٍ مِنْهَا جَنَّةُ وَنَارٌ يُجْزَوْنَ فِيْهَا بِأَعْمَالِهِمْ.
قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ وَلُوْدٌ إِنَّ لَهُ قِحْطَةً مِنْ تِلْكَ النَّارِ أَعْظَمُ تَنُّوْرٍ فِيْ الدُّنْيَا يَحْمُوْنَهُ ثُمَّ يَطِيْنُوْنَ عَلَيْهِ، بِأَنْ يَنْجُوا مِنْ تِلْكَ النَّارِ غَداً.
فَقَالُوا لَهُ: وَيْحَكَ يِا فُلاَنُ! فَمَا آيَةُ ذَلِكَ؟.
قَالَ: نَبِيُّ مَبْعُوْثٌ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْبِلاَدِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى مَكَّةَ وَالْيَمَنِ.
قَالُوا: وَمَتَى يُرَى؟.
قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيَّ وَأَنَا مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا، قَالَ: إِنْ يَسْتَقْبِلْ هَذَا الْغُلاَمُ عُمُرَهُ يُدْرِكْهُ.
قَالَ سَلَمَةُ: فَوَاللَّهِ مَا ذَهَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ رَسُوْلَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- وَهُوَ(1/112)
حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَآمَنَّا بِهِ، وَكَفَرَ بِهِ بَغْياً وَحَسَداً.
قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: وَيْحَكَ يَا فُلاَنُ أَلَسْتَ الَّذِي قُلْتَ لَنَا فِيْهِ مَا قُلْتَ؟.
قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ بِهِ.
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الذُّكْوَانِي قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّاجِرُ الْمَعْرُوْفُ إِبْرَاهِيْمُ بِـ(قُفْلَوَيْة)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بْنُ يُوْسُفَ بْنِ خَالِدِ بْنِ السَّنْجَابِي، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ لُقَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ -يَعْنِي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيْ-، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ كَنْدَرِ بْنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: حَجَجْتُ فِيْ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ يَطُوْفُ بِالْبَيْتِ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ يَقُوْلُ: رُدَّهُ رَبِّ إِلَيَّ وَاصْطَنِعْ عِنْدِي يَداً رَبِّ رُدَّ رَاكِبِي مُحَمَّداً قَالَ: قُلْنَا: مَنْ هَذَا؟.
قَالُوا: عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، ثُمَّ ذَهَبَتْ إِبِلٌ لَهُ، فَأَرْسَلَ ابْنَ ابْنِهِ فِيْ طَلَبِهَا فَقَدْ احْتَبِسْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُرْسِلْهُ فِيْ حَاجَةٍ قَط إِلاَّ جَاءَ بِهَا، قَالَ: فَمَا بَرَحْتُ حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- وَجَاءَ بِالإِبِلِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، لَقَدْ حَزِنْتُ عَلَيْكَ فِيْ هَذِهِ الْمُدَّةِ حُزْناً لاَ يُفَارِقُنِي أَبَداً.
حَدَّثَنَا السَّيِّدُ الأَجَلُّ الإِمَامُ الْمُرْشِدُ بِاللَّهِ أَبُو الْحُسَيْنِ يَحْيَى بْنُ الْمُوَفَّقِ بِاللَّهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ الْحَسَنِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا(1/113)
أَبُوبَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ الْجَوْزَذَانِي الْمُقْرِي قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُوبَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيْمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمِ بْنِ الْمُقْرِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الْمُوصِلِي، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَجَرِ بْنِ النَّعْمَانِ الشَّامِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى الْكُوْفِي، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيْدَ، عَنْ مَكْحُوْلٍ.
عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوْسٌ عِنْدَ رَسُوْلِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ وَهُوَ سَيِّدُ قَوْمِهِ وَكَبِيْرُهُمْ وَمُدْرِهُهُمْ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصَا، فَقَامَ بَيْنَ يَدَي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: وَنَسَبَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- إِلَى جَدِّهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، إِنِّي نُبِّئْتُ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُوْلُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ) إِلَى النَّاسِ أَرْسَلَكَ بِمَا أَرْسَلَ بِهِ إِبْرَاهِيْمَ وَمُوْسَى وَعِيْسَى وَغَيْرَهُمْ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، أَلاَ وَإِنَّكَ قَدْ تَفَوَّهْتَ بِعَظِيْمٍ، إِنَّمَا كَانَتِ الأَنْبِيَاءُ وَالْمُلُوْكُ فِيْ بَيْتَيْنِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: بَيْتِ نُبُوَّةٍ، وَبَيْتِ مُلْكٍ، فَلاَ أَنْتَ مِنْ هَؤُلاَءِ، وَلاَ مِنْ هَؤُلاَءِ، إِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ مِمَّنْ يَعْبُدُ الْحِجَارَةَ وَالأَوْثَانَ، فَمَالَكَ وَالنُّبُوَّةَ، وَلَكِنْ لِكُلِّ أَمْرٍ حَقِيْقَةٌ، فَأْتِنِيْ بِحَقِيْقَةِ قَوْلِكَ وَبُدُؤِ شأَنِكَ، قَالَ: فَأُعْجِبَ(1/114)
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- بِمَسْأَلَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: ((يَا أخَا بَنِي عَامِرٍ، إِنَّ لِلْحَدِيْثَ الَّذِي تَسْأَلُ عَنْهُ بِنَاءً وَمَجْلِساً فَاجْلِسْ)) فَثَنَّى رِجْلَهُ وَبَرَكَ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيْرُ، قَالَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ-:((يَا أَخَا عَامِرٍ، إِنَّ حَقِيْقَةَ قَوْلِي وَبِدْؤَ شَأْنِي دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيْمَ، وَبُشْرَى أَخِي عِيْسَى بْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَإِنِّي كُنْتُ بِكْرَ أُمِّي، وَإِنَّهَا حَمَلَتْنِي كَأَثْقَلِ مَا تَحْمِلُ النِّسَاءُ، حَتَّى جَعَلَتْ تَشْتَكِي إِلَى صَوَاحِبِهَا ثِقْلَ مَا تَجِدُ، ثُمَّ إِنَّ أُمِّي رَأَتْ فِيْ الْمَنَامِ أَنَّ الَّذِي فِيْ بَطْنِهَا نُوْرٌ، قَالَتْ: فَجَعَلْتُ أُتْبَعُ بَصَرِي النَّوْرَ فَجَعَلَ النُّوْرُ يَسْبِقُ بَصَرِي، حَتَّى أَضَاءَ لِي مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، ثُمَّ إِنَّهَا وَلَدَتْنِي.
(1/115)
فَلَمَّا نَشَأْتُ بُغِّضَتْ إِلَىَّ الأَوْثَانُ وَبُغِّضَ إِلَىَّ الشِّعْرُ، وَاسْتُرْضِعَ لِي فِيْ بَنِي جُشَمٍ بْنِ بَكْرٍ، فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ يَوْمٍ فِيْ بَطْنِ وَادٍ مَعَ أَتْرَابٍ لِي مِنَ الصِّبْيَانِ، إِذْ أَنَا بِرَهْطٍ ثَلاَثَةٍ مَعَهُمْ طِشْتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَلِئٌ مِنْ ثَلْجٍ فَأَخَذُوْنِي مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِي، وَانْطَلَقَ أَصْحَابِي هِرَاباً، حَتَّى انْتَهَوا إِلَى شَفِيْرِ الْوَادِي، ثُمَّ أَقْبَلُوا عَلَى الرَّهْطِ؛ فَقَالُوا: مَالَكُمْ وَلِهَذَا الْغُلاَمِ، إِنَّهُ غُلاَمٌ لَيْسَ مِنَّا، وَهُوَ ابْنُ سَيِّدِ قُرَيْشٍ، وَهُوَ مُسْتَرْضَعٌ فِيْنَا، غُلاَمٌ يَتِيْمٌ لَيْسَ لَهُ أَبٌ فَمَاذَا يَرِدُّ عَلَيْكُمْ قَتْلُهُ؟ وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُمْ لابُدَّ فَاعِلِيْنَ فَاخْتَارُوا مِنَّا أَيَّنَا شِئْتُمْ فَلْيَأْتِكُمْ فَاقْتُلُوْهُ مَكَانَهُ وَدَعُوا هَذَا الْغُلاَمَ فَلَمْ يُجِيْبُوْهُمْ، فَلَمَّا رَأَوْا الصِّبْيَانُ أَنَّ الْقَوْمَ لاَ يُجِيْبُوْنَهُمْ انْطَلَقُوْا هِرَاباً مُسْرِعِيْنَ إِلَى الْحَيِّ يُؤْذِنُوْنَهُمُ وَيَسْتَصْرِخُوْنَهُمْ عَلَى الْقَوْمِ، فَعْمِدَ إِلَيَّ أَحَدُهُمْ فَأَضْجَعَنِي إِلَى الأَرْضِ إِضْجَاعاً لَطِيْفاً، ثُمَّ شَقَّ مَا بَيْنَ صَدْرِي إِلَى مُنْتَهَى عَانَتِي وَأَنَا أَنْظُرُ فَلَمْ أَجِدْ بِذَلِكَ حِسًّا، ثُمَّ أَخْرَجَ أَحْشَاءَ بَطْنِي فَغَسَّلَهَا بِذَلِكَ الثَّلْجِ فَأَنْعَمَ غُسْلَهُ ثُمَّ أَعَادَهَا مَكَانَهَا.
ثُمَّ قَامَ الثَّانِي فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: تَنَحَّ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِيْ جَوْفِي فَأَخْرَجَ قَلْبِي وأنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَصَدَعَهُ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مُضْغَةً سَوْدَاءَ فَرَمَى بِهَا، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ: بُضْعَةٌ مِنْهُ، كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئاً، فَإِذَا أَنَا بِخَاتَمٍ فِيْ يَدِهِ مِنْ نُوْرٍ،(1/116)