الْبُنْيَانَ، وَيَسْبَقُوْنَ الْعِنَانَ.
قَالُوا: فَمِنْ نَسْلِ مَنْ أُولَئِكَ يَا سَطِيْحُ؟.
قَالَ: وَأَشْرَفِ الأَشْرَافِ، وَالْمَحْصَةِ وَالإِشْرَافِ، وَالْمُزَعْزِعِ الأَحْقَافِ، وَالْمُضَعِّفِ الأَضْعَافِ، لَيَنْشَؤُنَ آلافَ مِنْ عَبْدِشَمْسٍ وَمَنَافٍ، يَكُوْنُ فِيْهِمُ اخْتِلاَفٌ.
قَالُوا: يَا سَوْأَتَاهُ! يَا سَطِيْحُ، بِمَا تُخْبِرُنَا بِهِ مِنَ الْعِلْمِ بِأَمْرِهِمْ، وَمِنْ أَيْنَ بَلَدُهُمْ؟.
قَالَ: وَالْبَاقِي الأَبَدِ، وَالْبَدِيْعِ الأَحَدِ، لَيَخْرُجَنَّ مِنْ ذِي الأَيْدِ، نَبِيٌّ يَخْرُجُ لِلرُّشْدِ، يَرْفُضُ يِغُوْثَ وَالْفِنْدَ، يَبْرِى مِنْ عِبَادِهِ الضَّدَّد، يَعْبُدُ رَبًّا انْفَرَدَ، ثُمَّ يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَحْمُوْداً، وَمِنَ الأَرْضِ مَنْقُوْداً، وَفِيْ السَّمَاءِ مَشْهُوداً.
ثُمَّ يَلْحَقُ أَمْرَهُ الصَّدِّيْقُ إِذَا قَضَى صَدَقَ فِيْ رَدِّ الْحُقُوْقِ، لاَ حَرَقَ وَلاَ نَزَقَ.
ثُمَّ يَلِيَ أَمْرَهُ الْحَنِيْفُ مُجَرّبٌ غِطْرِيْفٌ، وَيَتْرُكُ قَوْلَ الرَّجُلِ الْعَنِيْفِ، وَإِنَّكُمْ للتحنِيْفِ.
ثُمَّ يَلِيَ أَمْرَهُ دُرَّاعٌ لأَمْرِهِ، مُجَرِّباً يَجْتَمِعُ لَهُ جُمُوْعٌ وَعَصَباً، فَيَقْتُلُوْنَهُ نِقْمَةً وَغَضَباً، فَيُؤْخَذُ الشَّيْخُ فَيُذْبَحُ إِرَباً فَيَقْتَرِفُ بِهِ رِجَالاً خطباً.
ثُمَّ يَلِيَ أَمْرَهُ النَّاصِرُ يَخْلِطُ الرَّأْيَ بِالزَّانِي النَّاكِرِ يَظْهَرُ فِيْ الأَرْضِ العَسَاكِرِ-يَعْنِي مُعَاوِيَةَ-.
ثُمَّ يَلِيَ مِنْ بَعْدِهِ ابْنُهُ يَأْخُذُ جَمْعَهُ وَيِقَلُّ حَمْدُهُ، وَيَأْخُذُ الْمَالَ وَيَأْكُلُ وَحْدَهُ، وَيَكْثُرُ الْمَالُ لِعَقِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ.
ثُمَّ يَلِيَ مِنْ بَعْدِهِ مُلُوْكٌ لاَ شَكَّ الدَّمُ فِيْهِمْ مَسْفُوْحٌ.
ثُمَّ يَلِيَ أَمْرَهُ مِنْ بَعْدِهِ الصُّعْلُوكُ، الطَّاهِرُ لِوَطْأَةِ(1/91)
الدُّرْبُوْكِ.
ثُمَّ يَلِيَ مِنْ بَعْدِهِ عُصْفُورٌ يُقْصِي الْخَلْقَ، وُيُزَيِّنُ مُضَرَ يَفْتَحُ الأَرْضَ افْتِتَاحاً بِمُنْكَرٍ.
ثُمَّ يَلِيَ قَصِيْرُ الْقَامَةِ، يَظْهَرُ عَلاَّمَةً، يَمُوْتُ مَوْتاً وَسَلامَة، الْمَهْدِي.
ثُمَّ يَلِيَ قَلِيْلٌ مَاكِرٌ، يَتْرُكُ الْمُلْكَ بَائِرٌ.
ثُمَّ يَلِيَ أَخُوْهُ بِسُنَّتِهِ سَائِرٌ، يَخْتَصُّ بِالأَمْوَالِ وَالْمَنَابِرِ.
ثُمَّ يَلِيَ مِنْ بَعْدِهِ أَهْوَجُ صَاحِبُ قِيْنَاتٍ وَنَعِيْمٍ عَلَى بِنَائِهِ مُعَاشِرٌ، يَنْهَضُ وَيَخْلَعُوْنَهُ، وَيَأْخُذُوْنَ الْمَالَ وَيَقْتُلُوْنَهُ.
ثُمَّ يَلِيَ مِنْ بَعْدِه السَّابِعُ فَيَتْرُكُ أَلَما بِلا صَانِعٍ، يَثُوْرُ فِيْ مُلْكِهِ ثَوْرَةَ جَائِعٍ، عِنْدَ ذَلِكَ يَطْمَعُ فِيْ الْمُلْكِ كُلُّ غُرْثَانَ.
ثُمَّ يَلِيَ أَمْرَهُ النَّاسَ الْمَهْدِي أَوْ يُوْطِي نَزَارَ نَخْل قَحْطَانَ، إِذَا الْتَقَى بِدِمَشْقٍ جَمْعَان بَيْنَ نَيْسَانَ وَلِبْنَانَ، نِصْفُ الْيَمَنِ يَوْمَئِذٍ صِنْفَانِ، صِنْفُ الْمُسَودَةِ، وَصِنْفُ الْمُخْذُوْلِ، وَلاَ تَرَى الأَحْبَارَ مُحْلُولاً، فَاسْتَرَاشَ مَغْلُولا، بَيْنَ الْفُرَاتِ وَالْخُيُوْلِ، عِنْدَ ذَلِكَ تُخْرَبُ الْمُنَازِلُ، وَتُسْلَبُ الأَرَامِلُ، وَتُسْقِطُ الْحَوَامِلُ، وَيَظْهَرُ الزَّلاَزِلُ، وَيَطْلُبُ الْخِلاَفَةَ وَائِلٌ، فَتَغْضَبُ نَزَارٌ، وَيُدِيْنُ الْعَبِيْدُ وَالأَشْرَارُ، وَيُقْصَى النُّسَّاكُ وَالأَحْبَارُ، يَجُوْعُ النَّاسُ، وَتَغْلُو الأَسْعَارُ، وَفِيْ صَفَرِ الأَصْفَارِ يُقْتَلُ كُلُّ جَبَّارٍ.
ثُمَّ يُشْرَفُ إِلَى خَنَادِقِ الأَنْهَارِ، ذَاتِ أَسْفَارٍ وَأَشْجَارٍ، تَصْمُدُ لَهُمُ الأَنْهَارُ، تُهْرِيْقُهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ، يَظْهَرُ لأَمْرِهِ الأَخْيَارُ، فَلا يَنْفَعُهُمْ نَوْمٌ وَلاَ قَرَارٌ، حَتَّى يَدْخُلَ مِصْراً مِنَ الأَمْصَارِ،(1/92)
فَيُدْرِكَهُ القَضَاءُ وَالأَقْدَارُ.
ثُمَّ تَجِيءُ الرُّمَاةُ تَزْحَفُ مُشَاةً، تَقْتُلُ الْكُمَاةَ، وَأَسْرَ الْحُمَاةِ، وَمُهْلَ الْغُوَاةِ، هَنَالِكَ يُدْرَكُ فِيْ أَعْلَى الْمِيَاةِ.
ثُمَّ تَثُوْرُ الدُّوْرُ، وَتَعْطِبُ الأُمُوْرُ، وَيَكْفُرُ الزَّبُوْرُ، وَيَقْطَعُ الْجُسُوْرُ، وَلاَ انْفَلَتَ إِلاَّ مَنْ كَانَ فِيْ جَزَائِرِ الْبُحُوْرِ.
ثُمَّ تَظْهَرُ الْحُبُوْبُ وَيَظْهَرُ الأَعَارِيْبُ، لَيْسَ فِيْهِمْ مَبْعَثٌ عَلَى أَهْلِ الْفُسُوْقِ وَالَمُرِيْبِ، فِيْ زَمَانٍ عَصِيْبٍ، لَوْ كَانَ الْقَوْمُ حَيًّا وَمَا تُغْنِي الْمُنَى.
قَالُوا: ثُمَّ مَاذَا يَا سَطِيْحُ؟ قَالَ: ثُمَّ يَظْهَرُ رَجُلٌ مِنَ الْيَمَنِ أَبْيَضٌ كَالشَّطَنِ، يَخْرُجُ مِنْ صَنْعَاءَ وَعَدَنْ، يُسَمَّى حُسَيْنَاً أَوْ حَسَنًا، يُذْهِبُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِهِ الْفِتَنِ.
(1/93)
(حديث سيف بن ذي يزن).
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي الأَجَلُّ الإِمَامُ شَمْسُ الدِّيْنِ جَمَالُ الإِسْلاَمِ جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ بْن أَبِي يَحْيَى رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ مُنَاوَلَةً، ثُمَّ قِرَاءَةً، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي الأَجَلُّ السَّيِّدُ الْفَاضِلُ أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْكَنِّي أَسْعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا السَّيِّدُ أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ الْعَظِيْمِ بْنِ مَهْدِي بْنِ نَصْرِ بْنِ مَهْدِي الْحُسَيْني الْوَنْكِي قِرَاءَةً عَلَيْهِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِمِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ إِسْمَاعِيْلُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ الْفَرْزَاذِي، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّيِّدُ الأَجَلُّ الإِمَامُ الْمُرْشِدُ بِاللَّهِ أَبُو الْحُسَيْنِ يَحْيَى بْنُ الْمُوَفَّقِ بِاللَّهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ الْحَسَنِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِمْلاَءً، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُغَلِّسِ وَلَفْظُ الْحَدِيْثِ لَهُ (ح).
قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِن بْنِ عَلِيٍّ التَّنُوخِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُوبَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ جَليْنَ الدَّوْرِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيْدٍ الْمَعْرُوْفُ بِابْنِ الْمَطْبَقِي فِيْ سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنِ وَثَلاَثِ مِائَةٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ بَكْرٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ.
(1/94)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ ابْنُ ذِيْ يَزَنٍ، قَالَ أَبُو الْمُنْذِرِ: وَاسْمُهُ النُّعْمَانُ بْنُ سَيْفٍ، وَقَالَ التَّنُوخِي: ابْنُ قَيْسٍ، ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى الْحَبَشَةِ وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْلِدِ رَسُوْلِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- بِسَنَتَيْنِ أَتَتْهُ وُفُوْدُ الْعَرَبِ وَشُعَرَاؤُهَا تُهَنِئٌهُ وَتَمْدَحُهُ، وَتَذْكُرُ مَا كَانَ مِنْ حَسَنِ بَلاَئِهِ، وَأَتَاهُ فِيْمَنْ أَتَاهُ وَفْدُ قُرَيْشٍ فِيْهِمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جِدْعَانَ، وَخُوَيْلِدُ بْنُ أَسَدٍ وَأُنَاسٌ مِنْ وُجُوْهِ قُرَيْشٍ، فَقَدِمْوُا عَلَيْهِ صَنْعَاءَ فَإِذَا هُوَ فِيْ رَأْسِ غَمْدَانَ الَّذِي ذَكَرَهُ أُمَيَّةُ بْنُ الصَّلَتِ: فِي رَأْسِ غَمْدَانَ دَارٌ مِنْكَ مِحْلاَلاَ اشْرَبْ هَنِيْئاً عَلَيْكَ التَّاجُ مُرْتَفِقًا وَدَخَلَ عَلَيْهِ الآذِنُ، وَخَبَّرَهُ بِمَكَانِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَاسْتَأْذَنَهُ فِيْ الْكَلاَمِ.
فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ فِيْمَنْ تَتَكَلَّمُ بَيْنَ أَيْدِي الْمُلُوْكِ فَقَدْ أَذِنَّا لَكَ.
فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحَلَّكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ مَحَلاًّ رَفِيْعاً، صَعْباً، مَنِيْعاً، شَامِخاً، بَاذِخاً، وَأَنْبَتَكَ مَنْبَتَاً طَابَتْ أُرُوْمَتُهُ، وَعُزَّتْ جُرْثُوْمَتُهُ، وَثَبَتَ أَصْلُهُ، وَسَبَقَتُ فُرُوْعُهُ، فِيْ أَكْرَمِ مَوْطِنٍ، وَأَطْيَبِ مَعْدِنٍ، فَأَنْتَ -أَبَيْتَ اللَّعْنَ- مَالِكُ الْعَرَبِ وَرَبِيْعُهَا الَّذِي تُخْصَبُ بِهِ، وَرَأْسُ الْعَرَبِ الَّذِي لَهُ تُقَادُ، وَعَمُوْدُهَا الَّذِي عَلَيْهِ الْعِمَادُ، وَمَعْقِلُهَا الَّذِي يَلْجَأُ إِلَيْهِ الْعِبَادُ، سَلَفُكَ خَيْرُ سَلَفٍ، وَأَنْتَ(1/96)