فِيْهِ، وَآتِهِمْ بِالْحَيَاءٍ، وَهَبْ لَهُ وَلَداً)).
قَالَ مَازِنٌ: فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنِّي مَا كُنْتُ أَجِدُ وَحَجَجْتُ حَجًّا، وَتَزَوَّجْتُ أَرْبَعَ حَرَائِرَ، وَحَفِظْتُ شَطْرَ الْقُرْآنِ وَأَخْصَبَ عُمَان وَوَهَبَ لِي حَيَّانَ بْنَ مَازِنِ.
فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى قَوْمِي: أَنبوني وَشَتَمُوْنِي، وَأَمَرُوا شَاعِرَهُمْ فَهَجَانِي، فَقُلْتُ: إِنْ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ فَأَنَا أَهْجُو نَفْسِي فَرَحَلْتُ عَنْهُمْ إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، وَقُلْتُ: وَبُغْضُنَا عَنْكُمُ يِا قَوْمَنَا لَثِنُ وَكُلُّكُمْ حِيْنَ يُثْنِي عَيِّباً فَطِنُ فَي خِزْيِنَا مَبْلَغٌ فِيْ شَتْمِنَا لَسِنُ وَفِي قُلُوْبِكُمْ البَغْضَاءُ وَالإِحَنُ بُغْضُكُمْ عَنَّا مُرُّ مَذَاَقُتُهُ لاَ يَفْطُنُ الدَّهْرُ إِنْ نَبَّتَ مَعَايِبَكُمْ شَاعِرُنَا مُقْحَمٌ عَنْكُمْ وَشَاعِرُكُمْ مَا فِيْ الْقُلُوْبِ عَلَيْكُمْ فَاعْلَمُوْا وَغَرٌ قَالَ مَازِنٌ: فَكُنْتُ الْقَيِّمَ بِأُمُوْرِهِمْ فَأَلْقَى، مِنْهُمْ أَزفلة عَظِيْمَةً، قَالُوا: يَا ابْنَ عَمٍّ عَتَبْنَا عَلَيْكَ أَمْراً، وَكَرِهْنَا فَإِذَا أَبَيْتَ، فَارْجِعْ فَقُمْ بِأَمْرِنَا، وَشَأْنَكَ وَمَا تُدِيْنُ بِهِ فَرَجَعْتُ مَعَهُمْ فَهَدَاهُمُ اللَّهُ بِي إِلَى دِيْنِ الإِسْلاَمِ جَمِيْعاً.
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُوطَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْوَاسِطِيْ إِمَامُ جَامِعِ الأبُلَّةِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِهَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُوْ بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيْزِ الْجَوْهَرِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بْنُ سَعِيْدٍ، عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِمْ، قَالَ:(1/86)
اجْتَمَعَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَالْجَارُوْدُ بْنُ الْمُعَلاَّ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، فَقَالَ عُمَرُ لِلأَشْعَثِ: يَا أَشْعَثُ مَا قُلْتَ حِيْنَ بَلَغَكَ مَبْعَثُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: لَمَّا جَاءَنَا خَبَرُهُ خَرَجْتُ إِلَى رَجُلٍ مِنَّا بِحَضْرَمُوْتَ قَدْ مَضَتْ لَهُ نَيْفٌ وَمِائَتَا سَنَةٍ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ فَتَى مِنْ قُرَيْشٍ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَهُ نَبِيْئاً فَقَالَ: وَاللَّهِ لَعَلَّهُ أَيْ حَقُّ، إِنِّي رَأَيْتُ هَذِهِ النَّابِتَةَ مِنْ مُضَرَ كَانَتْ أَقَلَّ النَّاسِ عَدَداً وَأَخْفَاهُمْ شَخْصاً، فَوَاللَّهِ مَا زَالَ اللَّهُ يُنَمِّيْهَا وَيُكَثِّرُهَا، حَتَّى لَقَدْ خَشِيْتُ أَنْ يَطْعَنَ بِقَرْنَيْهَا عَيْنَ الشَّمْسِ، قُلْنَا: فَمَا تَرَى؟، قَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا أَسَمِعَ بِنَبِيٍّ يَكُوْنُ، فَقَالَ: أَنَا هُوَ، فَإِنَّمَا نَطْعَنُ النَّارَ بِدُخَّانِهَا، وَإِنْ كَانَ هُوَ هُوَ فُوَاللَّهِ لَيَسْتَبِيْنُ أَمْرُهُ، قُلْنَا: فَأَشِرْ عَلَيْنَا، قَالَ: أَرَى أَنْ لاَ تَكُوْنُوا أَوَّلاً فَإِنَّ تَابِعَ السَّابِقِ سَابِقٌ مِثْلُهُ، قَالَ: فَخَرَجْتُ فِيْ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِي، حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- فَرَزَقَ اللَّهُ خَيْراً.
قَالَ عُمَرُ: فَمَا قُلْتَ يَا جَارُوْدُ حَيْثُ بَلَغَكَ مَبْعَثُ رَسُوْلِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ-، قَالَ: أَتَانَا آتٍ وَنَحْنُ بِالْبَحْرَيْنِ فِيْ ظِلِّ جِدَارٍ فِيْ يَوْمٍ حَارٍ، فَسَأَلْنَاهُ عَنِ النَّاسِ؟ فَأَخْبَرَنَا ثُمَّ قَالَ: عَجَبُ العَجَبِ: إِنَّ رَجُلاً مِنْ قُرَيْشٍ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَهُ نَبِيًّا، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ قَوْمٌ، فَقَالُوا:(1/87)
مَاذَا تَقُوْلُ يَا سَيِّدَنَا؟ قُلْتُ: وَاللَّهِ لَبَاطِلٌ فِيْ غَيْرِ مُضَرٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حَقٍّ فِيْ مُضَرٍ، قَالَ: ثُمَّ مَكَثْنَا حَتَّى إِذَا كَانَ فِيْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ قَدِمَ عَلَيْنَا قَادِمٌ فِيْ مَوْسِمٍ فَسَأَلْنَاهُ عَنِ النَّاسِ؟ فَأَخْبَرَنَا ثُمَّ قُلْنَا: مَا فَعَلَ الرَّجُلُ؟، قَالَ: حَارَبَ قَوْمَهُ فَأَقْبَلَ عَلَيّ قَوْمٌ فَقَالُوا: مَاذَا تَقُوْلُ يَا سَيِّدَنَا! قُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ أُعْطِي مُضَراً طَاعَةً أَبَداً وَأَنَا أَسْتَطِيْعُ، قَالَ الرَّجُلُ: فَإِنَّهُ يَذْكُرُ جَنَّةً وَنَاراً وَبَعْثاً وَحِسَاباً، فَقُلْتُ: هَذَا حَقُّ انْتَظَرَ لِنَفْسِهِ وَلاَ قَرَارَ حَتَّى أَعْلَمَهُ، فَخَرَجْتُ فِيْ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِي، حَتَّى أَقْدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- فَرَزَقَ اللَّهُ خَيْراً.
ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: فَأَنْتَ يَا أَبَا مَالِك وَمَا قُلْتَ حِيْنَ بَلَغَكَ مَبْعَثُ رَسُوْلِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ، بِهِ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيَّ، وَمَا زِلْتُ أَتَنَاسَاهُ عِنْدَ ذِكْرِهِ، وَمَا اسْتَطَعْتُ حَتَّى طَرَحْتُ إِلَيْهِ، قَالَ عُمَرُ: صَدَقْتَ .
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَاهِلِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَجْلِي (بِهَيَارَ)، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الشَّيْبَانِي.
عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ الدَّيْلَمِي، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: بَلَغَنَا(1/88)
أَنَّكَ تَذْكُرُ سَطِيْحاً، وَتَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ لَمْ يَخْلُقْ مِنْ آدَمَ شَيْئاً شِبْهَهُ، قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ سَطِيْحاً الغَسَّانِي لَحْماً عَلَى وَضْمٍ، وَالوَضْمُ شَرَايِحَ مَنْ جَرَايِدِ النَّخْلِ، وَكَانَ يُحْمَلُ عَلَى وَضْمِهِ فَيُؤْتَى بِهِ حَيْثُ يَشَاءُ، وَلَمْ يَكُنْ فِيْهِ عَظْمٌ وَلاَ عَصَبٌ إِلاَّ الْجُمْجُمَةَ وَالْكَفَّيْنِ، وَكَانَ يَطْوِي مِنْ رِجْلَيْهِ إِلَى تِرْقِوَتِهِ كَمَا يُطْوَى الثَّوْبُ، وَلَمْ يَكُنْ فِيْهِ شَيءٌ يَتَحَرَّكُ إِلاَّ لِسَانُهُ، فَكُلَّمَا أَرَادَ الْخُرُوْجَ إِلَى مَكَّةَ حُمِلَ عَلَى وَضْمَةٍ فَأُتِيَ بِهِ مَكَّةَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَرْبَعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ: عَبْدُ شَمْسٍ، وَعَبْدُ مَنَافٍ ابْنَا قُصَيٍّ، وَالأَحْوَصُ بْنُ فِهْرٍ، وَعَقِيْلُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَانْتَمَوا إِلَى غَيْرِ نَسَبِهِمْ، وَقَالُوا: نَحْنُ نَاسٌ مِنْ جُمَحَ أَتَيْنَاكَ لَمَّا بَلَغَنَا قُدُوْمُكَ، وَرَأَيْنَا أَنَّ إِتْيَانَكَ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْنَا لَكَ، وَأَهْدَى إِلَيْهِ عَقِيْلٌ صَفِيْحَةً هِنْدِيَّةً، وَصُعْدَةً رُدَيْنِيَّةً، فَوُضِعَتْ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ لِيَنْظُرُوا هَلْ يَرَاهَا سَطِيْحٌ أَمْ لاَ؟(1/89)
فَقَالَ: يَا عَقِيْلُ: نَاوِلْنِي يَدَكَ، فَنَاوَلَهُ يَدَهُ.
فَقَالَ: يَا عَقِيْلُ وَالْعَالِمِ الْخَفِيَّةِ، وَالْغَافِرِ الْخَطِيْئَةِ، وَالذِّمَّةِ الوَفِيَّةِ، وَالْكَعْبَةِ الْمَبْنِيَّةَِ، إِنَّكَ لَجَايَ بِالْهَدِيَّةِ، الصَّفِيْحَةِ الْهِنْدِيَّةِ، وَ الصُّعْدَةِ الرُّدَيْنِيَّةِ، فَوُضِعَتْ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ لِتَنْظُرَ هَلْ يَرَاهَا سَطِيْحٌ أَمْ لاَ؟.
قَالُوا: صَدَقْتَ يَاسَطِيْحُ.
قَالَ: وَاللاَّتِ وَالْعُزَّى وَقَوْسِ قُزَحٍ، وَسَائِرِ الْفَرَحِ، وَالْمُطَهَّمِ الشَّطِحِ، وَالنَّخْلِ وَالرُّطَبِ وَالْبَلَحِ، إِنَّ الْغُرَابَ حَيْثُ سَبَحَ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْقَوْمَ لَيْسُوا مِنْ جُمَحَ، وَإِنَّ نَسَبَهُمْ فِيْ قُرَيْشٍ ذِيْ الْبَطَحِ.
قَالُوا: صَدَقْتَ يَا سَطِيْحُ، نَحْنُ أَهْلُ بَلَدٍ أَتَيْنَاكَ لِنَزُوْرَكَ لَمَّا بَلَغَنَا مِنْ عِلْمِكَ فَأَخْبِرْنَا عَمَّا يَكُوْنُ فِيْ زَمَانِنَا وَمَا يَكُوْنُ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَكُوْنَ عِنْدَكَ فِيْ ذَلِكَ عِلْمٌ.
قَالَ: الآنَ صَدَقْتُمُ خُذُوا عَنِّي، وَمِنْ إِلْهَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّايَ، أَنْتُمُ الآنَ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ فِيْ زَمَانِ الْقَوْمِ فِيْهِ سَوَاءٌ، بَصَائِرُكُمْ بَصِيْرَةُ الْعَجَمِ، لاَ عِلْمَ عِنْدَكُمْ وَلاَ فِهْمَ، وَتُنْشِئُونَ عَقِبَكُمْ وَهُمْ يَطْلُبُوْنَ أَنْوَاعَ الْعِلْمِ، يَكْسِرُوْنَ الصَّنَمَ، يَبْلُغُوْنَ الرَّدْمَ، يَقُتْلُونَ الْعَجَمَ، يُقْبِلُوْنَ الْغَنَمَ.
قَالُوا: يَا سَطِيْحُ، فَمَنْ يَكُوْنُ أُولَئِكَ؟.
قَالَ لَهُمْ: وَالْبَيْتِ وَالأَرْكَانِ، وَالأَمْنِ وَالسُّكَانِ، لَيَنْشَئُوْنَ مِنْ عَقَبِكُمْ وِلْدَانٌ يُكَسِّرُوْنَ الأَوْثَانَ، وَيَتْرُكُوْنَ عِبَادَةَ الشَّيْطَانِ، وَيُوَحِّدُوْنَ الرَّحْمَنَ، وَسَيُسِنُّوْنَ دِيْنَ الدَّيَّانِ، يُشَرِّفُونَ(1/90)