حِيْنَ وَلَدْتُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- كَأَنَّ نُوْراً يَسْطَعُ مِنِّي أَضَاءَتْ لَهُ قُصُوْرُ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ.
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُوْ بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ رَيْذَةَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوْبَ الطَّبَرَانِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُومُسْلِمٍ الكشيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمِّي عُمَارَةُ بْنُ ثَوْبَانَ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ أَخْبَرَهُ، قَالَ: كُنْتُ غُلاَماً أَحْمِلُ عُضْوَ الْبَعِيْرِ، فَرَأَيْتُ رَسُوْلَ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- يُقَسِّمُ لَحْماً بِـ(الْجِعِرَّانَةِ) فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ فَقُلْتُ: مَنْ هَذِهِ؟، قَالُوا: أُمُّهُ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُوبَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادٌ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ أُمَّ رَسُوْلِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - آمِنَةَ تُوُفِّيَتْ وَرَسُوْلُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- رَبِيْبُ سِتِّ سِنِيْنَ بِالأَبْوَاءِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِيْنَةِ، كَانَتْ قَدِمَتْ بِهِ عَلَى أَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ تَزِيْرُهُ إِيَّاهُمْ، وَهِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى مَكَّةَ.
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ هِشَامٍ، عَنْ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَلَمَّا بَلَغَ رَسُوْلُ اللَّهِ -صَلَّى(1/81)
اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- ثَمَانَ سِنِيْنَ هَلَكَ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ وَذَلِكَ بَعْدَ عَامِ الْفِيْلِ بِثَمَانِ سِنِيْنَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ تُوُفِّيَ وَرَسُوْلُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- ابْنُ ثَمَانِ سِنِيْنَ.
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ هِشَامٍ، عَنْ زِيَادٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَكَانَ رَسُوْلُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- يَعُدُّ جَدَّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِيْمَا يَزْعُمُوْنَ يُوْصِي بِهِ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ، وَذَلِكَ لأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَبَا رَسُوْلِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- وَأَبَا طَالِبٍ أَخَوَانِ لأَبٍ وَأُمٍّ أُمُّهُمَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَايِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُوْمِ بْنِ يَقْضَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْن فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ.
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادٌ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَشَبَّ رَسُوْلُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ-: يَكْلَؤُهُ اللَّهُ وَيَحْفَظُهُ مِنْ أَقْذَارِ الْجَاهِلِيَّةِ لِمَا يُرِيْدُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ، حَتَّى بَلَغَ أَنْ كَانَ رَجُلاً أَفْضَلَ قَوْمِهِ مُرُوْءَةً، وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقاً، وَأَكْرَمَهُمْ حَسَباً، وَأَحْسَنَهُمْ جِوَاراً، وَأَعْظَمَهُمْ حِلْماً، وَأَصْدَقَهُمْ حَدِيْثاً حَتَّى مَا اسْمُهُ فِيْ قَوْمِهِ إِلاَّ الأَمِيْنُ لِمَا جَمَعَ اللَّهُ فِيْهِ مِنَ الأُمُوْرِ الصَّالِحَةِ.
(1/82)
الباب الرابع: في مبعثه -صلى الله عليه وآله وسلم- وما ورد فيه من العلماء المتقدمين من البشارات والأمارات وما يتصل بذلك
وَبِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُوطَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حِيَّانٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عًبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الطَّبَرْكِي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عِيْسَى الدَّامِغَانِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ-، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ.
عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ حَارِثَةَ الثَّقَفِي، وَكَانَ وَاعِيَةً عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُوْلَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- حِيْنَ أَرَادَهُ اللَّهُ بِكَرَامَتِهِ وَابْتَدَاءَهُ بِنُبُوَّتِهِ كَانَ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَبْعَدَ حَتَّى تَحَسَّرُ عَنْهُ الْبُيُوْتُ، وَيُفْضِي إِلَى شِعَابِ مَكَّةَ وَبُطُوْنِ أَوْدِيَتِهَا فَلاَ يَمُرُّ رَسُوْلُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- بِحَجَرٍ وَلاَ شَجَرٍ إِلاَّ قَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ، قَالَ: فَيَلْتَفِتُ رَسُوْلُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- حَوْلَهُ عَنْ يَمِيْنِهِ وَشِمَالِهِ وَخَلْفِهِ؛ فَلاَ يَرَى إِلاَّ الشَّجَرَ وَالْحِجَارَةَ فَمَكَثَ رَسُوْلُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- كَذَلِكَ يَرَى وَيَسْمَعُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ جَاءَهُ جِبْرِيْلُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- بِمَا جَاءَهُ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ وَهُوَ بِحِرَاءَ فِيْ رَمَضَانَ.
وَبِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُوْ إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ(1/83)
بْنُ طَلْحَةَ بْنِ إِبْرَاهِيْمَ بْنِ غَسَّانَ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِيْ قَصْرِهِ فِيْ الطُّرَيْفِي الْكَبِيْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُوْ بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ سُوَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بْنِ الْخَصِيْبِ الأَهْوَازِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِرِ بْنُ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيْهِ.
عَنْ عَبْدِ اللَّه الْعُمَانِي، قَالَ: كَانَ مِنَّا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مَازِنُ بْنُ الْغُضَوِبَّةَ سَدَنَ صَنماً يُقَالُ لَهُ: (نَاجِرُ) بِقَرْيَةٍ مِنْ عُمَانِ يُقَالُ: لَهَا شَمَايِلَ، قَالَ مَازِنُ: فَعَتَرْنَا ذَاتَ يَوْمٍ عَتِيْرَةً -وَهِيَ الذَّبِيْحَةُ- فَسَمِعْتُ صَوْتاً مِنَ الصَّنَمِ يَقُوْلُ: يَا مَازِنُ اسْمَعْ تُسَرُّ، ظَهَرَ خَيْرٌ وَبَطَنَ شَرٌّ، بُعِثَ نَبِيٌّ مِنْ مُضَرَ، بِدِيْنِ اللَّهِ الأَكْبَرِ، فَدَعْ نَحِيْتاً مِنْ حَجَرَ، تَسْلَمُ مَنْ حَرِّ سَقَرَ، قَالَ: فَفَزِعْتُ مِنْ ذَلِكَ وَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا لَعَجَبٌ.
(1/84)
ثُمَّ عَتَرْنَا بَعْدَ أَيَّامٍ عُتَيْرَةً أُخْرَى، فَسَمِعْتُ صَوْتاً مِنَ الصَّنَمِ يَقُوْلُ: أَقْبِلْ إِلَيَّ أَقْبِلْ، تَسْمَعُ مَا لاَ يُجْهَلُ، هَذَا نُبِيٌّ مُرْسَلُ، جَاءَ بِحَقٍّ مُنْزَلٍ، فَامنْ بِهِ تَعْدِلُ، عَنْ شَرِّ نَارٍ تُشْعَلُ، وَقُوْدُهَا الْجَنْدَلُ.
قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ هَذَا لَعَجَبٌ، وَإِنَّهُ لَخَيْرٌ يُرَادُ بِي.
فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ وَرَدَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ، فَقُلْتُ: مَا الْخَبَرُ وَرَاءَكَ؟، قَالَ: ظَهَرَ رَجُلٌ يُقَالُ: لَهُ أَحْمَدُ يَقُوْلُ لِمَنْ أَتَاهُ: أَجِيْبُوا دَاعِيَ اللَّهِ، قُلْتُ: وَاللَّهِ هَذَا مَا سَمِعْتُ، فَثُرْتُ إِلَى الصَّنَمِ فَكَسَّرْتُهُ أَجْذَاذَاً، وَرَكِبْتُ رَاحِلَتِي فَقَدِمْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- فَشَرَحَ لِي الإِسْلاَمَ فَأَسْلَمْتُ وَقُلْتُ: رَبُّ نَطِيْقٍ بِهِ ظِلاً بِتَظْلاَلِ وَلَمْ يَكُنْ دِيْنُهُ حَتَّى عَلَى بَالِ أَنِّى لِمَن، قَالَ: رَبِّي يَاجِنُ، قَالِ كَسَّرْتُ يَاجِنَ أَجْذَاذاً وَكَانَ لَنَا بِالْهَاشِمِيِّ هَدَانَا مِنْ ضَلاَلَتِنَا يَا رَاكِباً بَلِّغَا عَمْراً وَأخوتها قَالَ مَازِنٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللَّهِ إِنِّي مُوْلَعٌ بِالطَّرَبِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَبِالْهَلُوْكِ مِنَ النِّسَاءِ، وَأَنْحَتْ عَلَيْنَا السِّنُوْنَ فَأَذْهِبْنَا بِالأَمْوَالِ وَأُهْزِلْنَ الذَّرَارِي وَالْعِيَالِ وَلَيْسَ لِيْ وَلَدٌ فَادْعُ اللَّه أَنْ يُذْهِبَ عَنِّي مَا أَجِدُ وَيَأْتِيْنَا بِالْحَيَاءِ وَيَهَبُ لِي وَلَداً، فَقَالَ: النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ-: ((اللَّهُمَّ أَبْدِلْهُ بِالطَّرَبِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَبِالْحَرَامِ الْحَلاَل، وَبِالْعِهْرَةِ عِفَّةَ الْفَرْجِ، وَبِالْخَمْرِ رَيًّا لاَ إِثْمَ(1/85)