الْعَتَمَةِ بِحِذَاءِ الْخَشَبَةِ، إِذْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- مُقْبِلاً وَمَعَهُ سِرَاجٌ أَ وْ قِنْدِيْلٌ حَتَّى وَقَفَ قُدَّامَ خَشَبَةِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-.
فَقَالَ لَهُ: ((يَا زَيْدُ)).
قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ.
قَالَ: ((اهْبِطْ بِإِذْنِ اللَّهِ)).
قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى الشُّرُطِ وَهِيَ تُحْلَلُ عَنْهُ، ثُمَّ نَزَلَ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: ((يَا زَيْدُ)).
قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ.
قَالَ: ((قُتِلْتَ مَصْلُوْباً))؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ.
قَالَ لَهُ: ((شَهِيْدٌ فِيْ شُهَدَاءَ كَثِيْرٍ، أَسْقِيْكَ؟)).
(1/632)


قَالَ: فَقَالَ: نَعَمْ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ.
قَالَ: فَأَعْطَاهُ إِنَاءً فَأَخَذَهُ فَشَرِبَ.
فَقَالَ: ((رَوِيْتَ))؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ.
قَالَ لَهُ: ((ارْجَعْ بِإِذْنِ اللَّهِ))، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْخَشَبَةِ، وَرَأَيْتُ الشُّرُطَ تَرْجِعُ عَلَيْهِ.
ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ الأَنْصَارِي فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ.
قَالَ: ((اهْبِطْ بِإِذْنِ اللَّهِ)).
قَالَ: وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَالشُّرُطُ تُحْلَلُ عَنْهُ، حَتَّى نَزَلَ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: ((مُعَاوِيَةُ)).
قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ، قَالَ: ((قُتِلْتَ فِيْنَا))؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ.
قَالَ: فَقَالَ لَهُ: شَهِيْداً فِيْ شُهَدَاءَ كَثِيْرٍ.
قَالَ: ((أَسْقِيْكَ؟)) قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ، فَأَعْطَاهُ الإِنَاءَ فَشَرِبَ.
قَالَ: فَقَالَ: ((رَوِيْتَ))؟.
قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ.
قَالَ: ((فَعُدْ بِإِذْنِ اللَّهِ)).
قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ حَتَّى عَادَ وَعَادَتِ الشُّرُطُ كَمَا كَانَتْ.
قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى نَصْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ الْعَبْسِي، قَالَ: فَقَالَ لَهُ ((نَصْرُ)).
قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ.
قَالَ: فَقَالَ لَهُ: ((اهْبِطْ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)).
قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى الشُّرُطِ تَتَحَلَّلُ عَنْهُ حَتَّى نَزَلَ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ: نَصْرُ.
قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ.
قَالَ:(( قُتِلْتَ فِيْنَا)).
قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ.
فَقَالَ: ((شَهِيْدٌ فِيْ شُهَدَاءَ كَثِيْرٍ أَسْقِيْكَ)).
قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ.
قَالَ: فَأَعْطَاهُ الإِنَاءَ، قَالَ: فَشَرِبَ.
فَقَالَ لَهُ: ((رَوِيْتَ؟))(1/633)


قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ.
قَالَ: ((عُدْ بِإِذْنِ اللَّهِ)).
قَالَ: فَنَظَرْتُ حَتَّى عَادَ عَلَى الْخَشَبَةِ وَرَجَعَتِ الشُّرُطُ عَلَيْهِ كَمَا كَانَتْ.
قَالَ: فَقُلْتُ: اسْقِنِي فَقَالَ:الإِخْسَاءُ شَرَابُكَ الْحَمِيْمُ.
قَالَ: فَقُمْتُ فَأَعْطَيْتُ اللَّهَ عَهْداً أَنْ لاَ آخُذَ لِبَنِي أُمَيَّةَ دِيْوَاناً حَتَّى أَمُوْتَ، وَأَنْ أَسْكُنَ هَذَا الْحَرَمَ حَتَّى أَمُوْتَ غَفَرَ لِي أَوْ عَذِّبْنِي.
وَبِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّرِيْفُ أَبُوعَبْدِاللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ النَّحَّاسِ قِرَاءَةً، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ العَبَّاسِ الْبَجْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَطَّانِ عَنِ الرَّجُلِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيْفَةَ مَعْرُوْفٌ، قَالَ: رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فِي الْمَنَامِ، وَكَأَنَّ مَلاَئِكَةٌ نَزَلُوا مِنَ السَّمَاءِ فَأَنْزَلُوْهُ مِنْ خَشَبَتِهِ، ثُمَّ غَسَّلُوْهُ عَلَى لَوْحٍ فَسَمِعْتُهُمْ يَقُوْلُوْنَ: لاَ تَكُبُّوْهُ، قَالَ: ثُمَّ صَلُّوْا عَلَيْهِ صَفًّا، لَمْ يَتَقَدَّمْهُ بَعْضُهُمْ، فَكَبَّرُوا عَلَيْهِ خَمْساً، ثُمَّ ارْتَفَعُوْا هَكَذَا -يَعْنِي جَمِيْعاً- قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَرَأَيْتُهُ فَإِذَا هُوَ كَمَا رَأَيْتُ، قَالَ: فَكَانَ الرَّجُل يُكَبِّرُ بَعْدَ ذَلِكَ خَمْساً.
وَبِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو سَعْدٍ إِسْمَاعِيْلُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْوَبْرِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُوبَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ(1/634)


سَلاَمِ الْجُعَابِيُّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوعَبْدِاللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَاذَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ رَشْدِيْنَ بْنُ حُزَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي سَعِيْدُ بْنُ خُثَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ الْمَلاَّيُ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَوْلَى لِبَنِي وَالِيَةَ مِنْ جُنْدِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَكُنْتُ فَيِمْنَ يَحْرُسُ خَشَبَةَ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-، وَكَانُوا قَدْ بَنَوا لَهُ أُسْطُوَانَةً مِنْ جَصٍّ وَآجُرٍّ حَتَّى بَلَغَتْ رِجْلَيْهِ، وَكَانَ رَجُلاً جَمِيْلاً جَسِيْماً فَإِنِّي لأُنْظُرُ إِلَيْهِ إِذْ غَلَبَتْنِي عَيْنِي وَمَا أَنَا بِالنَّائِمِ الْمُسْتَثْقِلِ، إِذْ نَظَرْتُ إِلَى رِجَالٍ وُجُوْهِهِمُ الأَقْمَارُ تَلْمَعُ مِنْ ثِيَابِهِمُ الأَبْصَارُ.
قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ((السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا زَيْدُ)) قَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلاَم يَا رَسُوْلَ اللَّهِ.
قَالَ: ((يَا زَيْدُ لِمَ قُتِلْتَ وَصُلِبْتَ؟)) قَالَ: لِتَكُوْنَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا.
قَالَ: ((صَدَقْتَ يَا زَيْدُ، أَجَائِعٌ أَنْتَ فَأُطْعِمُكَ أَوْ ظَمْآنٌ فَأُسْقِيَكَ؟)).
قَالَ: كِلاَهُمَا يَا رَسُوْلَ اللَّهِ.
قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُوْلَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- قَدْ مَدَّ يَدَهُ إِلَيْهِ وَفِيْ يَدِهِ شِبْهُ الأُتْرُجَّةِ يَلْقِمُهُ، ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- وَفِيْ يَدِهِ كَأْسٌ قَدْ أَبَانَ لَهَا كَفُّ رَسُوْلِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- حَتَّى سَقَاهُ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ رَجُلٌ آخَرُ عَنْ يَمِيْنِ رَسُوْل اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ-: ((فِيْمَ قُتِلْتَ وَصُلِبْتَ؟ ))(1/635)


قَالَ: لِتَكُوْنَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا.
قَالَ: ((صَدَقْتَ يَا زَيْدُ أَبْشِرْ، فَإِنَّكَ لَوْ تَعْلَمُ مَا أُخْفِي لَكَ، مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ)).
قَالَ: فَقُمْتُ إِلَى دَابَّتِي فَأَسْرَجْتُهَا ثُمَّ رَكِبْتُهَا ثُمَّ أَتَيْتُ أَهْلِي، وَبِعْتُ دَابَّتِي وَسِلاَحِي وَتَرَكْتُ دِيْوَانَ بَنِي أُمَيَّةَ.
وَبِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّرِيْفُ أَبُوعَبْدِاللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّيْبَانِيُّ قِرَاءَةً، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ العَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بْنُ إِسْحَاقَ الرَّاشِدِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بْنُ بَهْرَامٍ الْخَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْبُتِّي.
عَنْ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ لِي صَدِيْقٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ نَأَتِيْه، وَنَتَحَدَّثُ عِنْدَهُ، فَفَقَدْتُهُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ لَقِيْتُهُ بَيْنَ الْحِيْرَةِ وَالْكُوْفَةِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: جَفَوْتَنَا وَلَيْسَ نَرَاكَ.
قَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ دِيْوَانِي مَعَ هَؤُلاَءِ الْقَوْم -يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ-، وَذَلِكَ أَنَّنِي وَقَفْتُ عَلَى نَوْبَةِ حَرَسِ خَشَبَةِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ -عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ-، قَالَ: فَمَكَثْتُ مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّه، فَكُنْتُ بَيْنَ الْنَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ، فَبَصَرْتُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- مُقْبِلاً حَتَّى انْتَهَى إِلَى خَشَبَةِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-، فَقَالَ لَهُ: ((زَيْدُ)).
قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ.
(1/636)

126 / 134
ع
En
A+
A-