وَأَقْبَلَ زَيْدٌ حَتَّى انْتَهَى إِلَى جَبَّانَةِ الصَّيَادِيْنَ، وَبِهَا خَمْسُمِائَةٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدٌ وَأَصْحَابُهُ فَهَزَمُوْهُمْ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْكُنَاسَةِ فَحَمَلَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَهَزَمُوْهُمْ، ثُمَّ شَلَّهُمْ حَتَّى ظَهَرَ إِلَى الْمَقْبَرَةِ، وَيُوْسُفُ بْنُ عُمَرَ عَلَى التَّلِّ يَنْظُرُ إِلَى زَيْدٍ وَأَصْحَابِهِ وَهُمْ يُكَرِّدُوْنَ النَّاسَ، وَلَوْ شَاءَ زَيْدٌ أَنْ يَقْتُلَ يُوْسُفَ قَتَلَهُ، ثُمَّ إِنَّ زَيْداً أَخَذَ ذَاتَ الْيَمِيْنِ عَلَى مُصَلَّى خَالِدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ حَتَّى دَخَلَ الْكُوْفَةَ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ لِبَعْضٍ: أَلاَ نَنْطَلِقُ إِلَى جَبَّانَةِ كِنْدَةَ، فَمَا زَادَ الرَّجُلُ أَنْ تَكَلَّمَ بِهَذَا إِذْ طَلَعَ أَهْلُ الشَّامِ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ دَخَلُوْا زُقَاقاً ضَيِّقاً فَمَضَوا فِيْهِ وَتَخَلَّفَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَصَلَّىَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِمْ فَضَارَبَهُمْ بِسَيْفِهِ، وَجَعَلُوْا يَضْرِبُوْنَهُمْ بِأَسْيَافِهِمْ.
ثُمَّ نَادَى رَجُلٌ مِنْهُمْ: فَارِسٌ مُقَنَّعٌ بِالْحَدِيْدِ اكْشِفُوْا الْمِغْفَرَ عَنْ وَجْهَهِ، وَاضْرِبُوا رَأْسَهُ بِالْعَمُوْدِ فَفَعَلُوا، فَقُتِلَ الرَّجُلُ، وَحَمَلَ أَصْحَابُهُ عَلَيْهِمْ فَكَشَفُوْهُمْ عَنْهُ وَاقْتَطَعَ أَهْلُ الشَّامِ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَذَهَبَ ذَلِكَ الرَّجُلُ حَتَّى دَخَلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفِ بْنِ الأَحْمَرِ، فَأَسِرُوْهُ وَذَهَبُوْا بِهِ إِلَى يُوْسُفَ بْنِ عُمَرَ فَقَتَلَهَ.
وَأَقْبَلَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-، فَقَالَ: يَا نَصْرُ بْنَ خُزَيْمَةَ أَتَخَافُ عَلَى أَهْلِ الْكُوْفَةِ أَنْ يَكُوْنُوا فَعَلُوْهَا حُسَيْنِيَّةً؟.
(1/602)


قَالَ: جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ، أَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ لأَضْرِبَنَّ بِسَيْفِي هَذَا مَعَكَ حَتَّى أَمُوْتَ.
ثُمَّ خَرَجَ لَهُمْ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُوْدُهُمْ نَحْوَ الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ العَبَّاسِ الْكِنْدِي فِيْ أَهْلِ الشَّامِ فَالْتَقَوا عَلَى بَابِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ، فَانْهَزَمَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ العَبَّاسِ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى انْتَهَوا إِلَى بَابِ الْفِيْلِ، وَجَعَلَ أَصْحَابُ زَيْدٍ يُدْخِلُوْنَ رَايَاتِهِمْ مِنْ فَوْقِ الأَبْوَابِ، وَيَقُوْلُوْنَ: يَا أَهْلَ الْمَسْجِدِ، اخْرُجُوْا، وَجَعَلَ نَصْرُ بْنُ خُزَيْمَةَ يُنَادِيْهِمْ: يَا أَهْلَ الْكُوْفَةِ اخْرُجُوْا مِنَ الذُّلِّ إِلَى الْعِزِّ، وَإِلَى الدِّيْنِ وَالدُّنْيَا.
قَالَ: وجَعَلَ أَهْلُ الشَّامِ يَرْمُوْنَهُمْ مِنْ فَوْقِ الْمَسْجِدِ بِالْحِجَارَةِ، وَكَانَتْ مُنَاوَشَةً يَوْمَئِذٍ بِالْكُوْفَةِ وَنَوَاحِيْهَا، وَقَتْلاً فِيْ جَبَّانَةِ سَالِمٍ.
وَبَعَثَ يُوْسُفُ رَيَّانَ بْنَ سَلَمَةَ فِيْ خَيْلٍ إِلَى دَارِ الرِّزْقِ فَقَاتَلُوا زَيْداً قِتَالاً شَدِيْداً وَجُرِحَ مِنْ أَهْل الشَّامِ جَرْحَى كَثِيْرٌ، وَشَلَّهُمْ أَصْحَابُ زَيْدٍ مِنْ دَارِ الرِّزْقِ حَتَّى انْتَهُوا إِلَى الْمَسْجِدِ الأَعْظَمِ، فَرَجَعَ أَهْلُ الشَّامِ مَسَاءَ يَوْمِ الأَرْبِعَاءِ وَهُمْ فِيْ أَسْوَإِ شَيءٍ ظَنًّا.
فَلَمَّا كَانَ غَدَاةُ يَوْمِ الْخَمِيْسِ دَعَا يُوْسُفُ بْنُ عُمَرَ الرَّيَّانَ بْنَ سَلَمَةَ فَأَفَّفَ بِهِ، فَقَالَ: أُفٍّ لَكَ مِنْ صَاحِبِ خَيْلٍ، وَدَعَا الْعَبَّاسَ بْنَ سَعْدٍ الْمُرِّيِّ صَاحِبَ شُرْطَتِهِ فَبَعَثَهُ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ فَسَارَ بِهِمْ، حَتَّى انْتَهُوا إِلَى زَيْدٍ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فِي دَارِ الرِّزْقِ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ زَيْدُ بْنُ(1/603)


عَلِيٍّ وَعَلَى مَيْمَنِتِهِ نَصْرُ بْنُ خُزَيْمَةَ وَمَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ.
فَلَمَّا رَآهُمْ الْعَبَّاسُ نَادَى: يَا أَهْلَ الشَّامِ الأَرْضَ، فَنَزَلَ نَاسٌ كَثِيْرٌ، وَاقْتَتَلُوْا قِتَالاً شَدِيْداً فِيْ الْمَعْرَكَةِ، وَقَدْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْسٍ يُقَالُ لَهُ: نَاتِلُ بْنُ فَرْوَةَ، فَقَالَ لِيُوْسُفَ: وَاللَّهِ، لَئِنْ مُلأَتْ عَيْنِي مِنْ نَصْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ لأَقْتُلَنَّهُ أَوْ لَيَقْتُلَنِّي، فَقَالَ لَهُ يُوْسُف: خُذْ هَذَا السَّيْفَ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ سَيْفاً لاَ يَمُرُّ بِشَيءٍ إِلاَّ قَطَعَهُ.
فَلَمَّا الْتَقَىأَصْحَابُ الْعَبَّاسِ بْنِ سَعْدٍ وَأَصْحَابُ زَيْدٍ أَبْصَرَ نَاتِلُ يَضْرِبُ خُزَيْمَةَ فَقَطَعَ فَخْذَهُ وَضَرَبَهُ نَصْرٌ فَقَتَلَهُ، وَمَاتَ نَصْرٌ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
ثُمَّ إِنَّ زَيْداً -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- هَزَمَهُمْ وَانْصَرَفُوا يَوْمَئِذٍ بِشْرِّ حَالٍ، وَلَمَا كَانَ الْعَشِيّ عَبَّأَهُمْ يُوْسُفُ، ثُمَّ سَرَّحَهُمْ نَحْوَ زَيْدٍ فَأَقْبَلُوا حَتَّى الْتَقَوْا، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدٌ وَكَشَفَهُمْ، ثُمَّ تَبِعَهُمْ حَتَّى أَخْرَجَهُمْ مِنْ بَنِي سَلِيْمٍ، ثُمَّ أَخَذُوا عَلَى الْمَسْنَاةِ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُمْ زَيْدٌ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فِيْمَا بَيْنَ بَارِقٍ وَبَيْنَ رَوَايِسَ، فَقَاتَلَهُمْ قِتَالاً شَدِيْداً، وَصَاحِبُ لِوَائِهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الصَّمَدِ.
قَالَ سَعِيْدُ بْنُ خُثَيْمٍ: فَكُنَّا مَعَ زَيْدٍ فِيْ خَمْسِمِائَةٍ وَأَهْلِ الشَّامِ فِيْ اثْنَي عَشَرَ أَلْفاً، وَكَانَ قَدْ بَايَعَ زَيْداً -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- أَكْثَرُ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً فَغَدَرُوْا بِهِ، إِذْ حَصَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مِنْ كَلْبٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ رَائِعٍ، فَلَمْ(1/604)


يَأْلُ شَتْماً لِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُوْلِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا فَجَعَلَ زَيْدٌ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- يَبْكِي حَتَّى لَثِقَتْ لِحْيَتُهُ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ: أَمَا أَحَدٌ يَغْضَبُ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُوْلِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ-، أَمَا أَحَدٌ يَغْضَبُ لِرَسُوْلِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ-، أَمَا أَحَدٌ يَغْضَبُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ: ثُمَّ تَحَوَّلَ الشَّامِيُّ عَنْ فَرَسِهِ فَرَكِبَ بَغْلَةً، قَالَ: وَكَانَ النَّاسُ فِرْقَتَيْنِ: نَظَارَةٌ، وَمُقَاتِلَةٌ، قَالَ سَعِيْدٌ: فَخَرَجْتُ إِلَى مَوْلًى لِي فَأَخَذْتُ مِنْهُ مَشْمَلاً كَانَ مَعِيَ، ثُمَّ اسَتْتَرْتُ مِنْ خَلْفِ نَظَارَةٍ، حَتَّى إِذَا صِرْتُ مِنْ وَرَاءِهِ ضَرَبْتُ عُنَقَهُ وَأَنَا مُسْتَمْكِنٌ مِنْهُ لِلْمَشْمَلِ فَوَقَعَ رَأْسُهُ بَيْنَ يَدَي بَغْلَتِهِ، ثُمَّ رَمَيْتُ جِيْفَتَهُ عَنِ السَّرْجِ، وَشَدَّ أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ حَتَّى كَادُوا يُرْهِقُوْنِي، فَكَرَّ أَصْحَابُ زَيْدٍ وَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ فَاسْتَنْقَذُوْنِي، فَرَكِبْتُ، فَأَتَيْتُ زَيْداً -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فَجَعَلَ يُقَبِّلُ بَيْنَ عَيْنَيَّ، وَيَقُوْلُ: أَدْرَكْتَ وَاللَّهِ ثَأْرَنَا، أَدْرَكْتَ وَاللَّهِ شَرَفَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَذُخْرَهُمَا، اذْهَبْ بِالْبَغْلَةِ فَقَدْ نَفَلْتُكَهَا.
قَالَ: وَجَعَلَ خَيْلُ أَهْلِ الشَّامِ لاَ تَثْبُتُ لِخَيْلِ زَيْدٍ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-، فَبَعَثَ الْعَبَّاسَ بْنَ سَعْدٍ إِلَى يُوْسُفَ يُعْلِمُهُ مَا يَلْقَى مِنَ الزَّيْدِيَّةِ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ بِالنَاشِبَةِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ سَلْمَانَ بْنَ كَيْسَانَ فِيْ القَيْفَانِيَّةِ وَهُمْ نَجَارِيَّةٌ، وَكَانُوا رُمَاةً فَجَعَلُوا يَرْمُوْنَ أَصْحَابَ زَيْدٍ.
(1/605)


وَقَاتَلَ مُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ الأَنْصَارِيُّ يَوْمَئِذٍ قِتَالاً شَدِيْداً، فَقُتِلَ بَيْنَ يَدَيْ زَيْدٍ.
وَثَبَتَ زَيْدُ فِيْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ جُنْحِ اللَّيْل رُمِيَ زَيْدٌ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ جَبْهَتَهُ الْيُسْرَىَ، فَفَرَى السَّهْمُ فِيْ الدِّمَاغِ فَرَجَعَ وَرَجَعَ أَصْحَابُهُ، وَلاَ يَظُنُّ أَهْلُ الشَّامِ رَجَعُوا إِلاَّ لِلْمَسَاءِ وَاللَّيْلِ.
قَالَ أَبُو مَخْنَفٍ: وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ زَكَرِيَّا مِنْ أَصْحَابِ زَيْدٍ، وَكَانَ آخِرَ مَنِ انْصَرَفَ عَنْهُ وَهُوَ غُلاَمٌ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي نَقْتَصُّ إِثْرَ زَيْدٍ فَنَجِدُهُ قَدْ دَخَلَ بَيْتَ حُرَارِ بْنِ أَبِي كَرِيْمَةَ فِيْ سِكَّةِ الْبَرِيْدِ فِيْ دُوْرِ أَرْحَبَ وَشَاكِرٍ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَانْطَلَقَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَاءُوا بِطَبِيْبٍ، يُقَالُ لَهُ: سُفْيَانُ مَوْلًى لِبَنِي رَوَاسٍ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ [إِنْ] نَزَعْتَهُ مِنْ رَأْسِكَ مِتَّ.
(1/606)

120 / 134
ع
En
A+
A-