وبه قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا محمد بن جميل، عن عاصم، عن قيس، عن عبد الله بن بشير، عن حبيب بن خالد، عن أشياخ منهم، قالوا: خرج منَّا رجل إلى دير جابر في يوم مطير، فأصاب جرة فيها أربعة آلاف مثقال، فأتى بها علياً-عليه السلام- فقال: اعتد أربعة أخماسها لنفسك، وخمساً فاقسمه في فقراء أهلك.
قال أبو جعفر: يعني فقراء أهل الإسلام.
وبه قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا محمد بن جميل، عن عاصم، عن منصور، عن إسماعيل بن رجاء، قال: أصاب رجل كنزا في خربة أربعة آلاف وخمسمائة، فأتى به علياً -عليه السلام- فقال: (خمسها لبيت المال، وقد وهبناه لك).
قال أبو جعفر: في الكنز الخمس إذا كان قديماً.
قال أبوجعفر: القديم ما كان من ضرب الأعاجم، وهو الكنز وفيه الخمس، وما كان من ضرب أهل الإسلام، فهو بمنزلة الضالّة عند الذي وجده.(1/295)
باب ما ذكر في ما أخذه السلطان من الزكاة
وبه قال: حدثنا محمد، قال: سألت أحمد بن عيسى، عمَّا يأخذه هؤلاء السلاطين من الصدقات، تجزي المأخوذ عنه؟ فرأى أنها مجزية عنه.
وبه قال: حدثنا محمد، قال: سألت أحمد بن عيسى عمَّا أخذوا من زكاة الذهب والفضة، هل تجزي المأخوذ منه بهذه المنزلة؟
فقال: سبيلها عندي واحد.
قال محمد: فذكرت قوله لقاسم بن إبراهيم.
فقال قاسم: لاتجزي المأخوذ منه، وعليه أن يعيد عندي في الوجهين جميعاً. في صدقات الثمار والتبر وغير ذلك.
قال محمد: سمعت محمد بن علي بن جعفر بن محمد، وسئل عمَّا يأخذه السلطان الجائر من العشور والصدقات.
فقال: لا تجزي.
وبه قال: حدثنا محمد، قال: حدّثني علي ومحمد ابنا أحمد بن عيسى، عن أبيهما فيما أخذ الخوارج من صدقات الناس. هل يحتسبون به من صدقات أموالهم؟
قال: لا يجزي ذلك؛ لأنهم بمنزلة اللصوص، فلا يجوز الاحتساب بما أخذوا من الصدقة، وأما ما يأخذ السلطان من الخراج والأعشار والصدقات، فإنهم يدافعون بها، فإذالم يجدوا بداً من أدائها إليهم جاز لهم أن يحتسبوا بها من زكاة أموالهم وصدقاتهم.(1/296)
قال أحمد بن عيسى: وذلك أن الإمام إمامان: فإمام عدل، وإمام جور. وكل ماعمله إمام العدل من إقامة حكم وقسم بحق، فذلك لازم لإمام الجور أن يعمل بمثله، فإن أقام إمام الجور حداً وحكم بحكم عدل، وذلك أن يقيم على زانٍ حداً، أويقطع سارقاً، أويفرق بين امرأة ورجلٍ اجتمعا على سفاح، أويزوج امرأة لا وليّ لها، أويقسم قسماً كما أمر الله تعالى وسنّه نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم-، ثم قام بعده إمام عدلٍ فلا يرد شيئاً من ذلك ولا يغيره ولا يبطله.
وكذلك إذا أخذ خراجاً أو عشراً، أو صدقةً، فعليه أن يضعه حيث أمر الله عز وجل وسنّ نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم-، فإن لم يفعل ذلك، ولم يمتنع من الأداء إليه، فشاء الرجل أن يحتسب بما أخذ منه، من صدقته وزكاته فإن ذلك له، وإن هو أعاد إخراجه ولم يحتسب بما أدّى إليه من ذلك، فهو فضلٌ وبرٌ وأجر.
قال أبو جعفر: وهو قول أبي حنيفة، وحسن، وعلمائنا.
قال أبو جعفر: يخرج زكاة مابقي إن شاء، وإن كان الذي أخذه من الخوارج، أخرج زكاة الجميع ولم يحتسب بما أخذوا.(1/297)
باب من قال يجبر الناس على أخذ الزكاة ومن قال لا يجبرون على ذلك
وبه قال: حدثنا محمد، قال: سألت أحمد بن عيسى، عن زكاة الذهب والفضة؟ يجوز للإمام أن يجبر الناس على أخذها كما يجبرهم على أخذ الصدقات من الإبل والبقر والغنم وغير ذلك؟
فقال: لا.
قال محمد: سمعت قاسم بن إبراهيم يقول: إن للإمام أن يجبرهم على أخذ زكاة أموالهم؛ لأن الله تعالى يقول: ?خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً?[التوبة:103].
قلت: فإن هذا لا يعلم به، وليس هي أموال ظاهرة.
قال: يأخذهم بما ظهر.
قال أبوجعفر: يجبرهم على أخذ صدقات أموالهم سوى الزكاة، فإنه لا يجبرهم على أخذ زكاة الذهب والفضة، وينبغي لهم أن يرفعوها إليه، وإن أدّوها من قِبَل أنفسهم إلى المساكين أجزأهم ولم يكن للإمام عليهم سبيل في ذلك.
باب من لم يعط السلطان الصدقة ما يصنع بها؟
وبه قال: حدثنا محمد، قال: سألت أحمد بن عيسى، عن رجل له مال مما تجب فيه الصدقة؟
قلت: رجل له إبل أو بقر أو غنم أمكنه أن لا يعطي هذا السلطان شيئاً؟
قال: فلا يعطه.
قلت: فإن أخذوا منه؟
فرأى أنه يجزيه.
قلت: فإن أمكنه أن لا يعطيهم شيئاً فيمن يصرفه؟(1/298)
وذكر الآية أو بعضها.
قال: في أي صنف من هؤلاء وضعه أجزأه إذا لم يكن يجد، يعني إلاّ صنفاً واحداً.
قال محمد: وسألته من يعطاها؟
قال: من أهل العفاف من أهل الموافقة، قال: وإن أعطاها غيرهم أجزأه.
قال أبو جعفر: أراه ذهب إلى أن الإمام إذا أعطى عمَّ.
قال محمد: سألت أحمد بن عيسى، عن الحروث والزروع في مثل ذلك أيضاً إذا أمكنه أن لا يدفع إليهم، فرأى أن يخرجه أيضا في الفقراء والمساكين.
قلت: فإن كان الذي في يده الزرع محتاجاً غارماً عليه دين لم ينفقه في سرف، يجوز له أن يصرفه في دَينه؟
قال: نعم. وأحبّ مع ذلك أن ينيل غيره.
قلت: يخرج من ذلك ما لو كان إمام عدل أخذه منه.
قال: نعم.
قلت: ولا يلتفت إلى ما يأخذ هؤلاء؟
قال: لا.
وكذلك الجواب في جزية اليهود والنصارى تكون للرجل في ضيعته، يمكنه أن لا يعطيهم، فرأى أحمد أنه يصرفها في مثل ذلك.
قال محمد: قلت لأحمد: وإن كان له قرابة محاويج يعطيهم أيضا منه؟
قال: نعم.(1/299)