قال أبوجعفر: إذا كان لرجل أرضُ عشرٍ فزرعها وأنفق فيها نفقة كثيرة، ثم خرج الزرع في أرض العشر بأقلّ مما أنفق عليها، فإن الإمام يأخذ عشر ما أخرجت، إذا كان يجب في مثله العشر ولا يلتفت إلى نفقته. هذا هو المعمول عليه، إلاّ أن يكون رجلاً مغرماً أو فقيراً أو مسكيناً فللإمام أن يدع له العشر يجعله بمنزلة الغارمين يكون في دينه، أو من الفقراء فيستعين به.
قال أبوجعفر: وإذا كان لرجل أرض من أرض الخراج أومن أرض الصلح فلزمه أيضاً مؤونة شديدة أخذ منه الخراج أو الصلح، ولا يلتفت إلى عظم مؤونته، وإن عطّلها وهو يقدر على عمارتها وهي أرض من أرض الخراج فقد اختلف في ذلك.
قال أبوجعفر: وإن هو عجز عن عمارتها، فقد قال قوم من العلماء: إن الإمام يخرجها من يده إلى يد غيره، ممن هو أقوى منه عليها وذلك إلى الإمام، وإن شاء الإمام أنفق عليها من بيت مال المسلمين، ولم يلزمه خراج إذا عجز عنه.
قال أبوجعفر: ولم يبلغنا عن علي-عليه السلام- أنه مسح عليهم غامراً.(1/285)
باب ما عفي عنه من الجواهر والإبل العوامل وغير ذلك
وبه قال: حدثنا محمد، قال: حدّثني أحمد بن عيسى، عن حسين بن علوان، عن أبي خالد، عن زيد، عن آبائه، عن علي -عليه السلام- قال: (عفا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عن صدقة الإبل العوامل تكون في المصر، وعن أربعين شاة تكون في المصر، فإذا رَعَتْ وجبت فيها الزكاة، وعن الدُّور، والخدم، والكسوة، والدُّرّ، والياقوت، والزُّمُرد. مالم يُرد به تجارة.
وعن محمد، قال: حدثنا محمد بن عبيد، عن معلى بن هلال، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي-عليه السلام- قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ذات يوم فقال: ((إنَّا قد وضعنا عنكم صدقة الخيل والرقيق)).
قال أبوجعفر: ذُكِرَعن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: ((قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق، فهاتو ربع العشر من أموالكم)).
قال أبوجعفر: فإن اشترى رجل خيلاً أو رقيقاً، فإنما ينظر وقت الشراء حين يشتريه، فإن اشتراه للتجارة والربح فيه، فعليه الصدقة في أثمانه، إذا كان الثمن مائتي درهم فصاعداً، إذا حال عليه الحول، إن كان هو جميع ماله، أويضم إلى ماله إن كان له مال غيره، وإن كان حين اشتراه إنما اشترى الرقيق للخدمة، فلا صدقة عليه في أثمان الرقيق، كثر أو قلّ، إلاّ صدقة الفطر إذا جاء وقتها، فإن كان رقيق بين رجلين فليس على واحد منهما صدقة(1/286)
الفطر، لأن كل واحد منهمالم يملك رأساً كاملاً، إلاّ أن يكون اشتراه للتجارة فتكون الزكاة في أثمانهم، إذا بلغ حصة كل واحد منهما مائتي درهم فصاعداً، أو يكون له مال فيضم الثمن إلى ماله، وكذلك الخيل والحمير والبغال، إذا اشتراها للمنافع لا يريد بها التجارة، فلا زكاة فيها، وذلك على قول رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ((قد عفوت لكم عن الخيل والرقيق)) ولا نعلم في هذا اختلافا إلاّ حرفاً رُوِي عن عمر فيه حرف ضعيف لم نر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قالوا به.
وذكر عن أبي حنيفة أنه قال: يؤخذ من كل فرس دينار، ولانعلم العلماء تابعوه على ذلك.
قال أبوجعفر: الناس وما يعمل عليه العلماء على ماروي عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-:((عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق)).
قال محمد: وإن ورث رجل خيلاً أورقيقاً من أبيه وكان أبوه يتّجر فيها، فلا صدقة عليه فيها حتى يبيعها بأثمان، ويحول على الثمن الحول، إلاّ أن يكون له مال فيضم الثمن إلى ماله، ويزكيه لتمام الحول على المال الأول.
قال أبوجعفر: وينبغي أن يزكيه في رأس الحول، وإذا كان لرجل ألف درهم أوأقل أو أكثر من ذلك ما يجب في مثله الزكاة فحاد بها عن الزكاة، واشترى بها مالا تجب في مثله الزكاة من إبل عوامل أوغنم في المصر أوخدم للخدمة، فإني أخاف عليه من فِرَارِه من فريضة الله، والحكم لا يوجب عليه الزكاة فيما اشترى.
[وبه قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا جعفر بن محمد عن يحيى بن آدم، قال: سألت شريكاً في مثل هذا؟ فقال: تجب عليه الزكاة، وقال: من فرّ من الله أدركه الله].(1/287)
باب زكاة العسل
وبه قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا أبوهشام الرفاعي، قال: أخبرنا وكيع، عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى، عن أبي سيارة المتعي قال: قلت: يارسول الله، إن لي نحلاً.
قال: ((لا أدِّ العشر)).
قال: قلت: احمها لي.(يعني احفظها لي)، فحماها لي.
وبه قال: حدثنا محمد، قال: وحدثنا أبو هشام، عن عبيد الله بن موسى، عن عمر بن أبي زائدة، عن يحيى بن سعيد قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: إن لي نحلاً فما أخرج منها؟ قال: ((من كل عشر قِرَبٍ قربة)).
وبه قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي -عليه السلام- قال: ليس في العسل زكاة.
قال أبوجعفر: ذكر عن علي من وجه آخر أنه قال: ليس في العسل زكاة إذا كان يأكله أو كان في منزله، وهو الوجه عندنا.
وبه قال: حدثنا محمد، قال: أخبرني جعفر، عن قاسم قال: ذكر عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه كان يأخذ من العسل العشر وذكر عن أبي سيارة أنه ذكر للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن له نحلاً فأمره أن يؤدي منه العشر.(1/288)
قال أبوجعفر: إذا كان النحل في أرض عشر أخذت زكاته فيما يجب في مثله الزكاة، كما قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((في كل عشر قِرَب قربة))، وأما إذا كان في أرض خراج فليس عليه زكاة كثر أو قلَّ.
قال أبوجعفر: إذا كان لرجلٍ أكوار من نحل، فإنه ينبغي للإمام أن يحميها لصاحبها، وعلى صاحبها أن يؤدي عشرها إلى الإمام، وإن لم يحمها الإمام كان عليه أيضاً يؤدي عشرها إلى الإمام إذا سلمت، فلو ضاعت أو سرقت حماها أولم يحمها لم يكن عليه شيء.
قال أبو جعفر: إذا كان العسل في أرض عشر، ففيه عندنا العشر، قال بذلك جماعة من العلماء، وذلك ماروي عن النبي -صلى الله عليه وآلهوسلم-، وعن علي-عليه السلام-.
وقال قوم: ليس في العسل صدقة، كان في أرض عشر أوأرض خراج.
وقال جماعة من العلماء: ليس في العسل شيء إذا كان في أرض خراج قلّ أوكثر، وإن كان في أرض العشر ففيه العشر.
قال أبوجعفر: وأرض الصلح مثل أرض الخراج، فإذا كانت العسالة في أرض من أرض العشر، فقد ذكر النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- أنه يؤخذ من كل عشر قِرَب قربة.
وقال بعض الفقهاء: ليس في أقل من خمسة أفراق من عسل النحل صدقة تؤخذ، فإذا بلغ ذلك خمسة أفراق (الفرق ستة وثلاثون رطلاً برطل الكوفة)(1/289)