وفي الرجل يعطي ثمن العشر دراهم، لا يعطى عن شيء مما تجب فيه الزكاة من غيره، يعطي عن الحنطة من الحنطة، وعن الشعير من الشعير، وعن كل صنف من الأصناف من صنفه، لأن الله سبحانه قال: ?خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً?[التوبة:103] فأمر بالأخذ منها، عنها ولم يأمر بالأخذ من غيرها عنها.
قال أبو جعفر: إذا أخذ المصدق من رجلٍ صدقة ماله، من إبل أو بقر أو غنم أو غير ذلك مما تجب في مثله الصدقة، ثم باعه المصدق فيمن يريد أو غير ذلك فاشتراه صاحبه الذي أخذ منه فجائز شراؤه.
وإن تصدّق رجل بصدقة تطوعاً، ثم رجعت إليه الصدقة بميراث أو غير ذلك، فجائز أن يملكه.
وقد أحبّ بعض أهل العلم أن يتوقى شراء ذلك من غير حظرٍ ولا تحريم.
فأما إذا رجع إليه بميراث، فلا بأس بذلك، ولانعلم فيه اختلافاً.
قال أبو جعفر: إذا أعطى رجل مسكيناً من زكاة ماله، عرضاً من العروض بالقيمة، فجائز ذلك، فإن باعه المتصدّق عليه فجائز أن يشتريه المتصدِّق.
قال أبوجعفر: وإن كان به عنه غنى فغيره أحب إليَّ منه.
قال أبو جعفر: لو تصدق على رجل بخمسين دِرهماً من الزكاة، اشترى بها المسكين من الذي دفعها إليه من زكاة ماله شيئاً من العروض فجائز ذلك. لا نعلم في الأمة فيه اختلافاً.
وبه قال: حدثنا محمد، قال: أخبرني جعفر، عن قاسم بن إبراهيم. في الرجل يكون عليه من الدَّين أكثر مما تُخرج أرضه. قال: عليه عشر ما أخرجت أرضه، كان عليه دين أولم يكن.(1/280)


قال أبوجعفر: إذا كانت لرجل أرض من أرض العشر، يملك رقبتها، وعليه دَين يحيط بقيمة رقبة الأرض، وقيمة ما أخرجت، فإن العشر عليه مما أخرجت، لأن العشر وجب عليه بحق الأرض لا نعلم أحداً قال بخلاف هذا، إلاّ حديثاً رُوِي عن ابن عباس في رجلٍ زرع زرعاً في أرض العشر، فأخرجت الأرض، مما تجب فيه العشر، وعليه دين محيط بذلك، ذكر عنه أنه قال: (لا عشر عليه). ولا نعلم أحداً من العلماء قال بذلك غيره.
قال أبوجعفر: وليس هذا بمنزلة رجل له من الإبل والبقر والغنم ما تجب فيه الزكاة.
قال أبوجعفر: وليس هذا مثل ذلك، إذا كان عليه دين محيط بقيمة ماله من الإبل والبقر والغنم، فإنه لا زكاة عليه. لا نعلم يُختَلف في ذلك، وكذلك عندنا، الذهب والفضة وقد اختُلف فيهما.
وبه قال: حدثنا محمد، حدثنا جعفر، عن قاسم بن إبراهيم: في أرض فتحت عنوةووضع عليها الخراج يؤدى عنها العشر مع الخراج.
وبه قال: حدثنا محمد، قال: حدّثني علي ومحمد ابنا أحمد بن عيسى، عن أبيهما قال: إذا كان لرجل أرض خراجية، فأخذ منها خراجها، فليس عليه في غلاّتها عشر (يعني الصدقة)، وإن كان العشر أكثر من الخراج، فليس عليه شيء، لا يجتمع خراج وصدقة في أرض واحدة.(1/281)


قال أبوجعفر: قول أحمد بن عيسى قول العلماء، وهو قول علي بن أبي طالب -عليه السلام-، وقول قاسم بن إبراهيم، قال به عمر بن عبد العزيز، وابن أبي ليلى، وحسن بن صالح، وشريك، ويحيى بن آدم: في أنه يؤخذ العشر من أرض الخراج بعد أخذ السلطان لخراجها، وذلك إذا حصل بعد الخراج خمسة أوساق، ولا يخرج عُشُره إلاّ سنة واحدة، فإذا كان أقلّ من خمسة أوساق، فليس عليه بعد الخراج شيء. هذا قول عمر بن عبدالعزيز، وابن أبي ليلى، وحسن، وشريك، ويحيى بن آدم، ومن قال بقولهم.
والقول الآخر قول علي بن أبي طالب -عليه السلام-: لا يجتمع عشر وخراج على أرض واحدة، وإن كانت الأرض خراجية، فأخذ خراجها، فلا شيء عليه فيما بقي من الطعام، وإن كان مائة وسق أو أكثر من ذلك.
فأما إذا كانت الأرض عشرية فليس بينهم فيها اختلاف أن ليس عليه فيها أكثرمن عشر ما أخرجت إذا كانت الذي أخرجت خمسة أوساق فصاعداً، وإن كان الذي أخرجت أقل من خمسة أوساق فلا زكاة فيه.
وكذلك إن كان أنواعاً شتى، مثل شعير وحنطة وتمر وزبيب، فأخرجت أرضه من كل صنف أقل من خمسة أوساق لم يكن في شيء منها زكاة، ولم يُضَمّ كل صنف منها إلى صنف، وإن كان بعضها خمسة أوساق، زكى ما كان خمسة أوساق من الأصناف، وما نقص من خمسة أوساق من الأصناف، فلا زكاة فيه.
وبه قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا أبو هشام وجعفر الحداد جميعاً، عن يحيى بن آدم، عن الحسن بن ثابت، عن أبي طلق، عن أبيه، عن علي-عليه السلام-: أنه كان لا يأخذ من أرض الخراج إلاّ الخراج.(1/282)


وبه قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا أبو هشام، عن أبي تميلة، عن أبي المنيب، عن عكرمة قال: لا يجتمع عشر وخراج في مال.
وبه قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عبيد الله، قال: حدثنا وكيع عن إبراهيم بن المغيرة، عن رجل، عن الشعبي قال: لا يجتمع عشر وخراج في مال.
قال أبوجعفر: وهو عن أبي جعفر، وعن الضحاك، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.
وبه قال: حدثنا محمد، قال: حدّثني علي ومحمد ابنا أحمد بن عيسى، عن أبيهما قال: العشر إذا أخذه السلطان، فليس على صاحب الضيعة إخراجه الثانية على وجه الصدقة من ماله إلاّ أن يشاء ذلك، فيكون له فضل وبر، ويكون فيه احتياط وإحسان.
وقال أبوجعفر: ذكر نحو ذلك عن أبي حنيفة -رحمه الله تعالى-.
وبه قال: حدثنا محمد، قال: حدّثني أحمد بن عيسى، ومخول بن إبراهيم، عن محمد بن بكر، عن أبي الجارود، قال: سالت أبا جعفر عمَّا يأخذ السلطان الجائر من الزكوات؟
فقال: حِدْ بها ما استطعت، فإن لم تقدر فأخذوا فقد أجزاك.
حدثنا محمد، قال: سألت أحمد بن عيسى فقال مثل ذلك.
فقال: إن زكّى ما بقي فهو فضل وبِرّ، يعني ولا يجب ذلك عليه.(1/283)


وكذلك قال أبوحنيفة -رحمه الله-. أمره فيما بينه وبين الله تعالى، أن يُزكّي فيما بقي، ولا أحكم به عليه.
قال أبوجعفر: إذا كان لرجل أرض من أرض الخراج فأخذ الإمام الجائر منه الخراج، فإن فيما أخذ الإمام الجائر اختلافاً بين أهل العلم، إن كان الذي يجب عليه الخراج حَادَ بما يجب عليه من الإمام الجائر، وجهد جهده في أن لا يعطيه، فلم يقدرعلى ذلك، وأكرهه على الأخذ، فإن ذلك عندنا يجزيه.
وإن هو احتاط فأخرج عمَّا بقي بعد أخذ الإمام الجائر منه ما أخذ، فقد استحب ذلك جماعة من أهل العلم، ولم يوجبوه عليه أن يخرج عما بقي...، ما لو كان إمام عدل أخذ منه مثله. وهذا أحبّ الأقاويل إلينا.
وقال قوم: لا يحتسب به، ويخرج عن الجميع ما يجب في ذلك عليه، وقال قوم: يخرج عمَّا بقي، ويجب ذلك عليه.
وقال قوم: لا يجب عليه أن يخرج قليلاً ولا كثيراً وليس في هذا احتياط، وإنما كان عليه الذي أخذ منه جائراً كان أوعادلاً.
وبه قال: حدثنا محمد، قال: حدّثني جعفر، عن قاسم بن إبراهيم في الرجل تلزمه المؤونة والنفقة، قال يخرج العشر، من جميع ما أخرجته أرضه، لا يعزل من ذلك بذراً ولا نفقة.(1/284)

57 / 184
ع
En
A+
A-