وبه قال محمد: يُكرَه للرجل أن يصلي وسُرَّتُه مكشوفة، ويُستَحبُّ له أن يستر من سرَّته إلى أسفل ركبتيه إلى الساق.وكذلك بلغنا عن عَليّ -عليه السلام-، فإن صلى وسرته مكشوفة فلا إعادة عليه، ولا أُحبُّ أن يُغطي الرجل لحيته ولا فَاهُ في الصلاة، فإن فعل ذلك فاعل فلا شيء عليه، ويُكره للرجل أن يصلي ومنْكِبَاهُ مكشوفان، ذكر عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: (أنه أمر بتخمير المناكب).
وبلغنا ذلك، عن أبي جعفر محمد بن عَليّ -عليه السلام-، وليس هو مما يُفسِدُ الصلاة إن فعله فاعل.
وبه قال: حدّثنا محمد بن منصور، قال: حدّثنا إسماعيل بن بهرام، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((من نام عن وترٍ أو نسيَه، فليوتر إذا أصبح أو ذكر)).
وبه قال: حدّثنا محمد بن منصور، قال: حدّثنا سفيان بن وكيع، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضَمرة، عن عليٍّ -عليه السلام- قال: (الوتر ليس بِحَتمٍ كهيئة الصلاة، و لكن سُنة، سَنَّها رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-).(1/185)
وبه قال: حدّثنا محمد بن منصور، قال: حدّثنا عبّاد بن يعقوب، عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن حجاج، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عَليّ -عليه السلام- قال: (لا تجب الجمعة على من يصلي ركعتين، يقول: ليس على المسافر جمعة).
وبه قال: حدّثنا محمد بن منصور، قال: حدّثنا محمد بن عبدالرحمن المحرزي، قال: حدّثنا عبد السلام بن حرب، عن إسحاق، بن عبد الله بن أبي فروة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه أن معاذ بن جبل، وعبد الله بن مسعود، وعقبة بن عامر الجهني قالوا: لاتغرنَّكم ما شيتكم من صلاتكم، يظل أحدكم بماشيته برؤوس الجبال وبطون الأودية، ثم يقولون إنا قومٌ سفر. لا، ولا كرامة. إنما السفر المادَّ من الأفق إلى الأفق.(1/186)
باب صلاة الخوف
وبه قال: حدّثنا محمد بن منصور، قال: أخبرني جعفر، عن قاسم بن إبراهيم: في صلاة الخوف، عند المسايفة، والمطاردة كيف هي؟
قال: قال الله عزوجل: ?وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاَة?[النساء:102]...الآية، يقول: وإذا كنت فيهم في سفرٍ وخوف، فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك، يقول سبحانه: من جميعهم معك، وليأخذوا أسلحتهم كلهم، من قام معك في الصلاة، ومن لم يقم معك، فإذا سجدوا..يعني الذين معه في صلاتهم آخر سجدة منها، فأتمَّوا وفرغوا من صلاتهم وسلَّموا، فلتأت طائفة أخرىلم يصلَّوا، فليصلَّوا معك، وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم كلهم، من صلى معك ومن لم يصل منهم، ولا يقال: للطائفة الأخرى لم يصلَّوا إلا والطائفة الأولى قد صلّوا، ولاتُصلى صلاة الخوف إلاَّ في سفر، ولاتصلى في الحضر.
وصلاة الخوف: أن يصلي الإمام بإحدى الطائفتين ركعة واحدة، ثم يقومون، فيتمون الركعة الثانية، ثم يسلمون، والطائفة الأخرى المواقفة لعدوهم في سلاحهم ليس لهم شغل سوى المواقفة، والحراسة لأنفسهم وإخوانهم من عدوهم بالمصَافَّةِ، فإذارجع إليهم مَن صلى منهم، وقفوا للعدوِّ موقفهم، ولم يزولوا حتى يتم إخوانهم من الصلاة ما أتموا ويسلموا من صلاتهم، كما سلموا فتكون كل طائفة قد أخذت من الصلاة مع الإمام، ومن الحراسة لأنفسهم وإخوانهم كالذي أخذت من ذلك الطائفة الأخرى.(1/187)
فهذا أحسن الوصف في صلاة الخوف. وكذلك صلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما صحَّ عندنا.
بلغنا ذلك عنه في غزوة غزاها يُقال لها: ذات الرقاع.
وأما إذا كان خوفا لايقدر معه على الصلاة قياماً وركوعاً وسجوداً، فإنَّ الله تعالى يقول: ?فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا?[البقرة:239] فليومئوا برؤوسهم فيها إيماءً، ويكون السجود أخفض من الركوع قليلاً.
وأما قوله: (فرجالا) فَهُم، الرجَّالة (أي المشاة)، وأما قوله (أو رُكباناً): فهم ركبان الخيل والرواحل. فيصلي كل مُصَلٍ على قدر ما يُمكنه في خوفه وأمنه، وإن لم يمكنه من الصلاة إلاَّ التكبير والذكر والتسبيح كبَّر، وذكر الله، وفعل من ذلك على قدر ما يمكنه إن شاء الله.
وبه قال محمد بن منصور: قد روي في صلاة الخوف غير ما قال قاسم، وكل ذلك سمعنا، عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.
بلغنا عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: في صلاة الخوف أن العدو كان بينهم وبين القبلة، وأن أصحاب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لما أقيمت الصلاة اصطَفُوا صفَّين، فكبر وكبروا معه، ثم ركع وركعوا جميعاً، فلما رفع رأسه من الركوع انحدر للسجود بالصَّف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحور العدو، فلما سجد النبي -صلى الله عليه وآله(1/188)
وسلم- سجدتين ثم نهض، واستوى قائماً بالصف الذي يليه، انحدر الصف المؤَخر فسجدوا، ثم قاموا فتقدموا وتأخر الصف المقدم، ثم ركع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وركعوا معه جميعا، ثم رفع رأسه، وانحدر الصف الذي يليه بالسجود، وقام الصف المؤخر الذي كان أولاً مقدَّما في نحور العدو، فلما سجد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- والصف الذي يليه، وجلس انحدر الصف المؤخَّر فسجدوا، ثم سلَّم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وسلموا معه.
قال جابر بن عبد الله: كما يفعل حرسكم هؤلاء بأمرائهم.
وبلغنا عن زيد بن عَليّ-عليه السلام- أنه كان في جبانة السبيع، وأهل الشام محدقون به، فأمر أصحابه فقاموا في أفواه السكك، وأمر مناديه، فأذن وأقام الصلاة، فلما فرغ صلى بهم ركعتين، وهو وسطهم، ووجه بعضهم إلى الفرات ووجه بعضهم إلى الحيرة.
وذكر بعضهم في صلاة الخوف: أن الإمام يصف أصحابه صفين، صفٌ بإزاء العدو ولايدخلون معه في الصلاة، فيفتتح الإمام الصلاة بأحد الصفين، فيصلي بهم ركعة كما قال الله وحده لاشريك له: ?فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ?[النساء:102]وعليهم أسحلتهم، فإذا فرغ منها انفتل الذين معه من غير أن يسلموا، فقاموا بإزاء العدو، وتأتي الطائفة الأخرى الذين كانوا بإزاء العدو، فيدخلون مع الإمام في الصلاة، فيصلي بهم ركعة،(1/189)