باب في التيمم وصفته
وبه قال: وحدثنا محمد، قال: حدثني قاسم بن إبراهيم، قال: حدثني أبو بكر بن أبي أويس، عن حسين بن عبد الله بن ضميره، عن أبيه، عن جده، عن علي -عليه السلام- أنه قال في التيمم: (الوجه واليدين إلى المرفقين ثلاثاً مثل الوضوء).
وبه قال: حدثني أحمد بن عيسى، عن محمد بن بكر، عن أبي الجارود، قال: حدثني أبوجعفر قال: (خرج رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فإذا هو بعمارٍ في رملة يتمرغ فيها فقال: ((مالك تمعّكُ تمعُّكَ الحمار))؟
فقال: أصابتني جنابة. فقال: ((إنما يجزيك أن تصنع هكذا: ثم ضرب بيده ثلاثاً فتيمم)).
وبه قال محمد: سمعت قاسم بن إبراهيم، أو أثبت لي عنه يقول: أوجبنا التيمم إلى الرسغين، ولم نوجبه إلى المرفقين كما أوجبه غيرنا، لقول الله سبحانه: ?وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ?[المائدة:38]، فكان قطعهما الذي أوجبه الله عليهما بما لا اختلاف فيه عند أحد علمته الرسغين، إذ لم يحدد الله سبحانه في ذلك حدا.
وكذلك قلنا في مسح اليدين عند التيمم: إذا لم يكن محدوداً، كقولنا في قطع السارق؛ لأنه الله تعالى يقول:?فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ?[النساء:43].
قال محمد:(1/60)
رجع قاسم عن هذا إلى التيمم الى المرفقين، وقال: حدَّ التيمم بالصعيد الى المرفقين كحدِّ الوضوء.
وقد ذُكر عن علي -عليه السلام-، أنه كان يأمر بذلك ويستحب ثلاث ضربات، كما يفعل في الوضوء بالماء، وليس ذلك بلازم لا يسع غيره.
وبه قال محمد: قال أحمد بن عيسى: التيمم الوجه واليدين إلى المرفقين.
وبه قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، عن زيد بن الحباب، قال: حدثني ابن لهيعة، عن عيسى بن موسى بن حميد، عن أبي شعيب، عن أبي ذر قال: قلت: يارسول الله، أصيبُ أهلي، ولا أقدر على الماء.
قال: ((أصِبْ أهلك، ولولم تجد الماء عشر سنين فإن التراب كافيك)).(1/61)
باب في الجنب الذي لا يقدر على الماء ولا على الصعيد الطيب
وبه قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، عن سعيد بن عمرو، عن مسعدة، عن جعفر، عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((من مرّ بماءٍ في وقت صلاة فتركه لما يرجوه أمامه، فلم يجد الماء فتيمم وصلى، فإذا وجد الماء اغتسل وأعاد الصلاة)).
وعن إسماعيل بن موسى، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن الحرث، عن علي -عليه السلام- قال: (يتلوَّم الجنب إلى آخر الوقت، فإن وجد الماء اغتسل وصلى، وإن لم يجد تيمم وصلى، فإذا وجد الماء اغتسل ولم يعد).
وبه قال محمد: سمعت قاسم بن إبراهيم يقول، أو أُثبت لي عنه إن سأل سائل عن رجل لا يجد الماء، وكان في موضع لا يقدر فيه على طيِّب الصعيد، كيف يصنع، وما الذي يجب عليه؟
قيل له: عليه أن يصلي ولا يتيمم بشيء غير الصعيد، إلا أن يجد الصعيد الذي أمر الله به؛ لأن الله تبارك وتعالى لم يذكر الطهارة إلا بالماء، أو بالصعيد الطيب، وقد علم الله جل ثناؤه، مكان غيرهما من جميع الأشياء، فلم يأمر الله المؤمنين به، فمتى لم يجد الجنب ماء طاهراً، ولا صعيداً طيباً، فقد زال عنه فرض الطهارة الذي أمره الله به، وعليه أن يصلي وإن كان غير طاهر.
وبه قال محمد: إذا أصاب الماء توضأ، وقضى الصلاة، لا أعلم فيه اختلافاً أنه يقضي.(1/62)
باب في الرجل يُجْنِبُ وليس معَهُ إلا ماءٌ قليل
وبه قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن أبي أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن بكر بن سوادة، أن رجلين أصابتهما جنابة فتيمما ثم صليا، فأدركا الماء في وقت فاغتسلا، وأعاد أحدهما ولم يعد الآخر، فذكر للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.
فقال صلى الله عليه وآله: ((أما الذي أعادها فله أجرها مرتين، وأما الذي لم يعد، فقد أجزته صلاته)).
وبه قال محمد: سمعت قاسم بن إبراهيم، أو أثبت لي عنه يقول: إن سأل سائل عن رجل معه بلغة من الماء وهو مسافر، فخاف إن تطهّرَ بها أن يهلك عطشا؟
قيل له: لا يحل له أن يتوضأ بالماء الذي معه إذا كان أمره في ذلك كذلك؛ لأن الله تعالى حرم عليه إتلاف نفسه وإهلاكها. فقال: ?وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا?[النساء:29،30]. وعليه أن يتيمم صعيداً طيباً كما أمر الله تعالى، فيمسح به وجهه ويديه، ويمسك الماء على نفسه، وكذلك من خاف على نفسه سلطاناً أو لصوصاً أو سبعاً أو برداً، إن تطهر بالماء، فعليه أن يتيمم بالصعيد الطيب، ومحرم عليه في جميع ذلك أن يعرض نفسه للتلف والعطب.
وبه قال أبو جعفر: ذُكر عن أبي جعفر محمد بن علي، وعن غيره فيمن اغتسل في برد من الجنابة فأصيب، أنه شهيد.(1/63)
وبه قال محمد: سمعت قاسم بن إبراهيم، أو أثبت لي عنه يقول: أيُّمَا مسافر وجد مع غيره ماء، فلم يعطه إلا بثمن غال، قال: وكان المسافر لثمنه واجداً، فعليه أن يشتريه؛ لأنه واجد له بما وجد من ثمنه، لقوله سبحانه: ?فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا?[المائدة:6]، فهو واجدٌ له في اللغة، بوجوده لثمنه. إلا أن يكون في دفعه ثمن الماء إجحاف بنفسه، أو يعرضها للعطب والتلف، فيكون له حينئذ أن لا يشتري الماء وأن يتيمم صعيداً طيباً.
وبه قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا إسماعيل بن موسى، عن شريك، عن عطاء، عن زاذان عن علي -عليه السلام-: (في الرجل معه الماء اليسير، قال: يبقيه لشقيه ويتيمم).
باب في التيمم أي وقت هو، وكم صلاة يصلى بالتيمم
وبه قال: وحدثنا محمد، قال: حدثني جعفر، عن قاسم قال: يتيمم المتيمم في آخر الوقت عند الإياس من وجود الماء.
وبه قال: وحدثنا محمد، قال: حدثنا جعفر، عن قاسم قال: يصلي المتيمم صلاة واحدة بالتيمم. ويتيمم لوقت كل صلاة.
وبه قال: وحدثنا محمد، قال حدثنا حسين بن نصر، عن خالد، عن حصين، عن جعفر، عن أبيه قال: مضت السنة أن لايصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة، ونافلتها.(1/64)