دلت هذه الأخبار على أن من خلى بزوجته بحدث لا تكون معهما غيرهما أن المهر لزمه كاملا ويجب عليها العدة إذا كانت تصلح للجماع. وهو قول علي عليه السلام وسائر أهل البيت عليهم السلام وعمر وعثمان وزيد بن ثابت وابن عمر وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي. وقال: في قوله الثاني وهو الأشهر من قوليه أنها لا تستحق المهر بالخلوة كاملا وجه قولنا ما تقدم وقول الله تعالى: ?وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وأتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا من شيئا? وهذا تمام................. الدليل ثم بين تعالى حكم الخلوة فقال: ?وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض? والإفضاء هو خلوة الزوج بها بحيث لا ساتر بينهما وهو مأخوذ من الفضا يبين ذلك ما روي: ((لا يفضي رجل إلى رجل ولا امرأة إلى امرأة إلا إلى ولده أو والده)) فبان أن المراد بالإفضاء ليس هو الجماع ويحتمل أن يكون هذا لورود النهي عن النحو، ومما يؤكد قولنا أنها قد سلمت نفسها إليه تسليما صحيحا فاستحقت كمال العوض كما أن من باع سلعة فسلمها تسليما صحيحا استحق العوض وحكم النكاح في استحقاق العوض أكد من حكم سائر العقود، إلا ترى أن في مسائل العقود إذا تلف المعقود عليه قبل التسليم لم يكرم العوض ولا خلاف أن موت المعقود عليها قبل الدخول يوجب العوض قثبت ما قلناه.(1/306)


خبر من باب ما يرد به النكاح
............. ابن عمر قال: تزوج النبي صلى الله عليه امرأة من بني عفار فأدخلت عليه فرأى في كشحها وضحا فرجها. وقال: ((دلستم علي دلستم علي)) وفي بعض الأخبار قال لها: ((الحقي بأهلك)).
435 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام أنه قال: يرد النكاح بأربعة أشياء الجنون، والجذام، والبرص، والقرن.
436 خبر: وعن الشعبي، عن علي عليه السلام. قال: إن كان دخل بها فهي امرأته، وإن لم يكن دخل بها فرق بينهما.
437 خبر: وعن عمر مثل ذلك.
438 خبر: وعن الحسين بن علي عليهما السلام، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه كان يقول: ((لا تديموا النظر إلى المجذومين ومن كلمهم منكم فليكلمهم وبينه وبينهم قيد رمح)).(1/307)


دلت هذه الأخبار على أن النكاح يرد بأحد هذه العيوب الأربعة التي هي الجنون والجذام والبرص والقرن، إذا لم يعلم بها الزوج، والرتق يكون في حكم القرن عند عقد النكاح، وأنه إن وطي فإنها تكون امرأة له إن شاء طلقها وإن شاء تركها، وإن لم يطئها كان الفراق فسخا لا طلاقا، فإن خلا بها ولم يطئها ووجد فيها أحد هذه العيوب فلا مهر لها وهو إجماع أهل البيت عليهم السلام إلا الناصر عليه السلام فإنه قال في البرص: لا ترد به المرأة. وقال أبو حنيفة: لا ترد الحرة بهذه العيوب. وقول الشافعي مثل قولنا وجه قولنا ما تقدم من الأخبار ولا خلاف بيننا وبين أبي حنيفة في أن التي خلى بها زوجها وهي محرمة أو صائمة في رمضان أو حائض أنها لا تستحق كمال المهر فكذلك من بها احد هذه العيوب وقد علمنا أن الرتق اشد منعا للتسليم البضع من الإحرام، فإن قيل فقد أوجبتم المهر كاملا لمن خلا بها زوجها ولو لم يطئها فكذلك هذه قلنا: إنما قلنا في السليمة التي سلمت نفسها تسليما صحيحا، ألا ترى أنه لو كانت صغيرة لا يجامع مثلها، أو كان معهما في البنت غيرهما، أو كانت حائضا أو محرمة، أو صائمة في رمضان، وخلابها أنا لا توجب عليه المهركاملا لأنها لم تسلم نفسها تسليما صحيحا، فكذلك من بها أحد هذه العيوب، لم تسلم نفسها تسليما صحيحا، ويؤكد ذلك أن من شرى دار أو سلمها البائع للمشتري، وهي في يد غاصب أنه لا يكون ذلك تسليما صحيحا، فإن قيل: روي عن علي عليه السلام، أنه قال: هي إمرأته، إن شاء أمسك، وإن شاء طلق.
قلنا: هذا الخبر روي عن الشعبي، وبد روي عنه ما قدمنا، فد لعلى أن المراد به الدخول، والدخول هو الوطئ لقول النبي صلى الله عليه: (( من كشف جاز))
439 خبر: وعن النبي صلى الله عليه، أنه حكم في عبد بين رجلين أعتقه أحدهما وهو موسر، أن يضمن قيمته، والمراد به قيمة نصيب شريكه.(1/308)


دل هذا الخبر على أن المعتني في ضمان ما أتلف من الحيوان بالقيم لا بالأمثال، وعلى هذا لو وليت أمه نفسها على حد فتزوجها على أنها حرة، فاستولدها، ثم استحقها سيدها أنه يحكم له بقيمة الأولاد على أبيهم، ويرجع على سيد الأمة بذلك لجنايتها عليه، ولا يرجع عليها بالمهر/157/ ويفتتح النكاح الزوج إن شاء، أو سيد الأممة إن شاء ذلك، وهذهب أبو حنيفة، والاشفعي أن جنايتها يطالب بها إذا عتقت، ولا شيء على سيدها، وسنذكر إن شاء الله وجه ذلك في موضعه.
440 خبر: وعن هاني، أن امرأة جاءت إلى أمي رالمؤمنين علي عليه السلام، جميل، عليها ثياب حسنة، فقالت: أصلح الله أمير المؤمنين، أنظر في أمري فإني لا أيمة ولا ذات بعل فعرف أمرها، فقال: ما أسم زوجك، فقالت: فلان، من بني فلان، قال: أفيكم من يعرفه؟ فأتى شيخ كبير فدل، قال: مالإمرأتك تشكوك؟ فقال: يا أمير المومنين ترى عليها أثر النعمة، أليست حسنة الثياب، فقال: فهل عندك شيء؟ قال: لا قال: ولا عند السحر، قال: لا قال: قال: فهلكت وأهلكت، قالت: أنظر يا أمير المؤمنين في أميري، قال: ما أستطيع أن أفرق بينكما، ولكن إصبري، وفي بعض الأخبار قالت: فما يأمرني أمير المؤمنين، قال: تتقين الله وتصبرين، وما أستطيع أن أفرق بينكما.
450 خبر: وعن عروة، عن عائشة، قال: جاءت امرأة رفاعة القرطي، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت يارسول الله كنت عند رفاعة فطلقني فتزوجني عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدية الثوب، فتبسم رسول الله صلى الله عليه، وقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك.
دل هذان الخبران على أن العنين لا يجبر على طلاق امرأته، وأنها لا خيار لها، وذهب الناصر أن لها الخيار، ولم يوفت لها وقتا، وقال أبو حنيفة، والشافعي، لها الخيار، وتؤجل سنة، وقال أصحاب أبي حنيفة: لامرأة المحبوب الخيار في الحال، ولنا المهر كاملا، وعليها العدة أستحسانا.(1/309)


وجه قوقلنا: أماا تقدم وهو قول القاسم عليه السلام، والحكم بن عقيبة، والأصل في ذلك، أن المرأة لما كانت تستحق العوض على الوطئ، نفت أنه حق للزوج ولأنها لا تستحق البدل والمبدل منه.
فإن قيل: فقد روي عن عمر خلاف قولكم، روي عنه أنه قال: يؤجل العنين سنة، وروي عن الضحال بن مزاحم، عن علي عليه السلام، مثله.
قلنا: ما روى الضحال، فإنه لم يحكه عن علي عليه السلام، وهو قول أدرجه في الحديث، وأما ما روي عن عمر، فقد روي عنه ما هو أكد في ذلك، وهو ما روي.
451 خبر: وعن عامر بن بيعة، قال: بينما أنا أسير مع عمر، إذ عرضت له امرأة شابة فاستوفقته، فوقف لها، فقالت: يا أمير المؤمنين، إمرأة شابة وزوجها شيخ، كبير، وهي تريد ما يردن النساء من الولد، وغيره، قال: فما برحت حتى رفعت الله زوجها، فقال: له عمر، ويحك ما تقول هذه، قال: والله يا أمير المؤمنين ما آلو أن أحسن إليها، فقال: نعتم لها طهرها، قالك إي والله يا أمير المؤمنين، قال: خذ بيدها إنطلقي معه، لعمري أن هذا ليجزي المرأة المسلمة.
فدل ذلك قوله إنه لا يحب لها المطالبة بذلك.
فإن قيل: المولي إذا ألى من امرأته أكثر من أربع أشهر، فلها أن تطالبه، فإن نفي وتحكم عليه بذلك.
قلنا: النفي قد يكون بالقول وقد تكون بالوطئ، وليس هذا يوجب أن لها أن تطالبه بالوطئ، فإن الأولى من اختير المولى والعنة ليست من إختياره، فوجب أن يزيل الضهد عنها، إذا قدم ولم يكلف ما لم يقدر عليه، وكذلك القول في العزل عن الحرة، ليس له أن يعزل عنها، لأنه يؤدي إلى الإضرار بها، هو قادر على رفع اللضرر عنها، وليس كذل العنين لا عاجر، وإذا عج أيضا عن النفقة، لم يفرق بينه وبين زوجته، وهو قول عامة العدل / 158/ من أهل البيت عليهم السلام والعامة، وذهب الشافعي إلى أنه يفرق بينهما إذا أعسر، وعلته، قوله تعالى: ?فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان?(1/310)

62 / 152
ع
En
A+
A-