المراد بالخبر عندنا أنه قال ذلك ترخيصاً للمتمتعين الذين كانوا معه ولم يجدوا هدياً فأمرهم أن يحلوا من إحرامهم ويتمتعوا بالعمرة إلى الحج واستقام هو على إحرامه فرأى تأسفهم كما لم يحرموا معه فقال ماقال ترخيصاً لهم في ذلك، وذهب الناصر عليه السلام والإمامية وأصحاب الحديث أن المراد به البيان أن التمتع أفضل من الحج، وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن القرآن أفضل ودليلهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرن فدل على أنه أفضل وعندنا وعند الشافعي أن الإفراد أفضل الحج، وروي عن الشافعي أيضاً خلاف ذلك، والدليل على أن الإفراد أفضل من التمتع أن سفر التمتع يكون للعمرة وأن سفر المفرد يكون للحج وأيضاً فإن المتمتع يرفه على نفسه ويحل له بعد إحلاله مايحرم على المفرد من الثياب والطيب والنساء، وأما القران فإن فيه دماً والدم لايكون إلا جبراً /118/ لبعض فاشية التمتع وثبت أن الإفراد أفضل الحج لأنه لانقص فيه.
فإن قيل: فإذا كان دم القران جبراً لنقص فلم جاز أكله؟ قلنا: جاز ذلك بنص الآية بقول الله تعالى: ?فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها..? الآية، وأباح الله لنا ذلك وكذلك أيضاً فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدل على أن بعض الهدي يباح الأكل منه للمهدي وبعضه محرم كجزاء الصيد والكفارات، وأما احتجاج أبي حنيفة بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرن فذلك بيان منه للجائز كما أنه رمى وطاف راكباً ولاخلاف أن الرمي والطواف من القران أفضل.
153 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( الحجر من البيت )).
دل على أن من دخله في طوافه يكون قد قطع طوافه. قال يحيى عليه السلام: إن دخل الحجر في طوافه جاهلا أو ناسياً فلا شيء عليه وإن دخله متعمداً فعليه دم.
154 خبر: وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عمن حلق قبل أن يذبح ونحو ذلك فجعل يقول: (( لاحرج )).(1/236)
155 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبيه عليهما السلام، عن عبدالله بن أبي رافع، عن علي عليه السلام قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجل فقال: يارسول الله إني أفضت قبل أن أحلق. قال: (( احلق ولاحرج )) قال: وجاءه رجل فقال: يارسول الله إني ذبحت قبل أن أرمي. قال: (( ارم ولا حرج )) والحرج: الضيق.
156 خبر: وعن عبدالله بن أبي رافع، عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سأله رجل في حجته فقال: إني رميت وأفضت ونسيت ولم أحلق قال: (( احلق ولا حرج )) ثم جاء رجل آخر فقال: إني رميت وحلقت ونسيت أن أنحر. قال: (( انحر ولاحرج )).
157 خبر: وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل ذلك. وزاد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (( عباد الله وضع الله الحرج والضيق فتعلموا مناسككم )).
دلت هذه الأخبار على أن الناسي والجاهل في مثل هذه الأشياء لادم عليهما، وذهب قوم إلى أن الدم يلزمهما واستدلوا بماروي عن ابن عباس أنه قال: من قدم من حجه شيئاً أو أخر فليهرق دماً. ولاحجة لهم بهذا لأنه لم يذكر الناس والجاهل فيحتمل أن يكون عنى به المتعمد وأيضاً فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ماتقدم ولاخلاف بيننا وبين أبي حنيفة فيمن قدم الحلق على الذبح في التطوع أنه لايلزمه دم وكذلك الواجب.
158 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله عز وجل أباح لكم أن تتكلموا فيه )).
159 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعائشة وهي حائض: (( افعلي مايفعله الحاج غير أن لاتطوفي بالبيت )).(1/237)
دل هذان الخبران على أن المحدث والجنب والحائض لايطوفون بالبيت حتى يتوضأ المحدث ويغتس لالجنب والحائض ويتوضيان بعد أن تطهر الحائض. قال الهادي إلى الحق عليه السلام: ولو أن جنباً طاف ناسياً أو امرأة حائضاً فعليهما إعادته إن كانا بمكة وإن كانا قد لحقا بأهليهما فعلى كل واحد منهما يديه ومتى عادا قضى ذلك الطواف ولو أنه نسي طواف النساء فعليه الرجوع من حيث كان ويكون حاله حال /119/ المحصر فإن جامع قبل أن يعود....... فعليه بدنة ولايجزي الطواف إلا بالطهور..... بقول: ولايجزي الطواف إلا بالطهور. أن طوافه يكون ناقصاً نقصاً لابد معه من الإعادة إن أمكنت الإعادة أو الجبر بالدم.
160 خبر: وعن ابن عباس أنه قال: الطواف بالبيت صلاة فأولوا الكلام فيه. وقال القاسم عليه السلام: وأكره الكلام في الطواف فإن تكلم لم يفسد.
161 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا )).
162 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سعى بين الصفا والمروة.(1/238)
دل هذان الخبران على أن السعي واجب وهو عندنا من الفروض التي تجبر بالدم إذا فاتت، وهو مروي عن زيد بن علي عليه السلام والحسن وعطاء وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي: هو شرط في الحج مثل طواف الزيارة وقد فرق الله بينهما وأمر بالطواف أمراً مشدداً فقال تعالى: ?ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق? ثم قال في السعي: ?إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلاجناح عليه أن يطوف بهما?. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( الحج عرفة فمن أدركها أدرك الحج )). فصح ماقلنا وأشبه سائر الفروض كالمبيت بمزدلفة والوقوف عند المشعر الحرام والرمي والمبيت بمنى ليالي أيام التشريق وطواف القدوم وطواف الوداع فهذه فروض تجبر بالدم إذا فات بعضها ولايفوت الحج بفواتها كما يفوت بفوات الأركان الثلاثة التي هي: الإحرام، والوقوف بعرفة، وطواف الزيارة. وحكي عن قوم أنهم قالوا: ليس السعي بواجب وقد دللنا على وجوبه بفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقوله.
163 خبر: وعن جبير بن مطعم، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( يابني عبد مناف لاتمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة من ليل أو نهار )).
164 خبر: وعن أبي سعيد الخدري أنه رأى الحسن والحسين عليهما السلام قدما مكة فطافا بالبيت بعد العصر وصليا.
165 خبر: وعن ابن عباس وابن عمر مثله.
166 خبر: وعن ابن عمر وابن الزبير أنهما طافا بعد الفجر وصليا.
دلت هذه الأخبار على جواز الطواف في كل وقت إلا في الأوقات الثلاثة التي نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صلاة التطوع فيها إذ لابد من صلاة عقيب الطواف عند المقام.(1/239)
من باب مايجب على المحرم توقيه
167 خبر: وعن ابن عباس أنه قال: لارفث الجماع ولافسوق المعاصي ولا جدال في الحج لاتمار صاحبك حتى تغضبه.
168 خبر: وعن محمد بن الحنفية وإبراهيم والحسن والشعبي أن المحرم إذا لبس قميصاً ناسياً أو جاهلا أنه يشقه ويخرج منه ولاشيء عليه وهو قلنا، وقول الشافعي وأبو حنيفة يخالفنا في ذلك. والوجه فيه ماروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبس ثوباً مخيطاً فشقه وخرج منه ولم يرو أنه فدى.
169 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه رأى أعرابياً محرماً عليه جبة فأمره بنزعها ولم يأمره بالفدية.
170 خبر: وعن ابن عمر وسعيد بن جبير أن من قص ظفراً أو حلق شعرة أو شعرتين أو نسي /120/ رمي حصاة أو حصاتين أنه يتصدق بشيء من الطعام.
171 خبر: وعن جعفر بن محمد عليه السلام مثله.
172 خبر: وعن أبان بن عثمان بن عفان قال: سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لايُنكِح المحرم ولايَنكح ولايخطب )).
173 خبر: وعن جعفر بن محمد، عن أبيه: أن علياً عليه السلام وعمر قالا: لاينكح المحرم ولاينكح فإن نكح فنكاحه باطل.
174 خبر: وعن ابن عمر قال: لايتزوج المحرم ولايزوج.
ولم يرو الخلاف في هذه الخبار إلا عن أبي يوسف فإنه قال: لابأس به هو ومن قال بقوله، واستدلوا بماروي عن ابن عباس أنه قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بميمونة وهو محرم وقد وردت أخبار تعارض هذا الخبر منها ماروي:
175 خبر: عن ميمونة بنت الحارث قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسرف ونحن حلالان بعد أن رجع من مكة.
176 خبر: وعن سليمان بن يسار أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحارث وهي بالمدينة قبل أن يحرم.(1/240)