من كتاب الحج
وباب وجوب الحج وذكر فروضه
1 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه سئل عن استطاعة الحج. فقال: (( هي: الزاد والراحلة )).
2 خبر: وعن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام في قول الله تعالى: ?ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا? قال: السبيل الزاد والراحلة.
وذهب قوم إلى أن القوة على المشي تقوم مقام الراحلة في وجوب الحج واستدلوا بقول الله تعالى لإبراهيم عليه السلام: ?وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق? وشرائع الأنبياء عليهم السلام تلزمنا مالم يثبت فيها النسخ على أنه تعالى قال لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم: ?ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم?، واستدلوا أيضاً بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( الحج بعرفة والعج والثج )). فنقول: ليس في الآية أنه أوجب عليهم الحج ررجالا وإنما أخبر تعالى أنهم يأتون رجالا وركباناً ويحتمل أن يكون عنى بالرجال أهل القرب وعنى بالركبان أهل البعد بقوله: ?يأتين من كل فج عميق?، والعميق: هو البعيد. فخص به الضامر إذ لم يقل يأتون من كل فج عميق، وأما الرواية فليس فيها مايدل على وجوب الحج على الماشي وقد روي في الخبرر الذي رووه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( أفضل الحج العج والثج )) ولاخلاف في أن من أمسكه المشي الضعيف وإن كان يصل إلى مكة بزمان طويل ومشقة شديدة لايلزمه الحج إذا عدم الزاد والراحلة ومن كان لايدخل عليه في المشي مشقة شديدة وعدم الراحلة فإنه يلزمه الحج وكذلك لو كان قريباً من مكة وأمكنه المشي ولم يمكنه الراحلة والأمان على النفس في الاستطاعة والمعتبرر فيه غالب الظن ومن شرط الاستطاعة صحة البدن.
3 خبر: وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( أيما صبي حج ثم أدركه الحلم فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم عتق فعليه أن يحج حجة أخرى )).(1/211)


4 خبر: وعن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليه السلام مثله.
5 خبر: وعن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من أراد دنيا أو آخرة فليؤم هذا البيت أيها الناس عليكم بالحج والعمرة فتابعوا بينهما )).
6 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( بني الإسلام على خمس: شهادة ألاإله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم شهر رمضان )).
7 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( حجوا قبل أن لاتحجوا )).
8 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( من مات ولم يحج مات ميتة جاهلية )) وفي بعض الأخبار: (( فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً )).
دل هذا على نص وجوب الحج عند حصول الاستطاعة والمراد بالخبر من ترك الحج وهو مستطيع له ويؤيد ذلك قول الله تعالى: /105/ ?من كفر فإن الله غني عن العالمين?. وذهب قوم إلى أنه يجب على الراضي واستدلوا بماروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر منادياً ينادي: ألا إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاج فمن أراد أن يحج فليحج. والمراد بالخبر عندنا أن جميع الفرارئض قد أمر الله بها تخييراً ولم يجبر عليها أحداً قال عز من قال بعدما أمر بالإيمان ونهى عن الكفر: ?فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر? وقال تعالى: ?إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولايرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم? ولو أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم جميع الناس بالحج معه كان ذلك الأمر يتناول من كان قد حج ومن لم يحج ومن كان مستطيعاً للحج ومن لم يكن مستطيعاً، فأما ماروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخر الحج إلى سنة عشر فذلك التأخير لايكون إلا لعذر وقد روي أن امتنع من الحج لأن المشركين كانوا يطوفون عراة فلم يجز أن يرراهم على تلك الحال فامتنع لذلك.(1/212)


9 خبر: وعن ابن عباس قال: إن امرأة من خثعم قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: يارسول الله إن فريضة الله سبحانه في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لايستطيع أن يبيت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: (( نعم )).
10 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( الحج عرفة )).
11 خبر: وعن عبدالرحمن بن يعمر الديلمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( الحج عرفات ثلاثاً فمن أدرك عرفة قبل الفجرر فقد أدرك الحج )).
12 خبر: وعن الشعبي قال: سمعت عروة بن مضرس الطائي يقول: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمزدلفة فقلت: يارسول الله جئت من طيء وتالله ماجئت من طيء حتى أتعبت نفسي وأنصبت راحلتي وماتركت حبلا من الحبال إلا وقفت عليه فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من شهد معنا هذه الصلاة صلاة الفجر بمزدلفة وقد كان وقف بعرفة ليلا أو نهاراً فقد تم حجه وقضى..... )).
13 خبر: وعن عطاء أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج ومن فاتته عرفة فاته الحج )).
ولاخلاف في هذه الأخبار إلا ماذهب إليه الإمامية أنه لايفوت حج من فاته الوقوف بعرفة على أنهم قالوا: لايجوز الوقوف بعرفة عند الأراك ورووا أن أصحاب الأراك لاحج لهم فإذا كان الغد دل بالموقف من موضع إلى موضع يبطل الحج فالأولى أن يبطل حج من لم يقف بعرفة أصلا.
14 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( خذوا عني مناسككم )).
15 خبر: وعن عائشة قالت: كانت سودة امرأة ثبطة ثقيلة فاستأذنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يفيض من جمع قبل أن يقف بالمشعر فأذن لها ولوددت أني كنت استأذنت فأذن لي.
16 خبر: وعن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم النساء والصبيان وضعفه أهله في السحر ثم أقام هو حتى وقف بعد الفجر.(1/213)


دل هذان الخبران على أن الوقوف عند المشعر الحرام ليس من فروض الحج التي لاجبران لها كالإحرام والوقوف بعرفة وطواف الزيارة وأشار القاسم عليه السلام إلى وجوب الوقوف عند المشعر الحرام والمراد بوجوبه أنه /106/ كسائر الواجبات التي لها جبران كالرمي والبيتوتة بمنى وطواف الوداع وغيره والذي يدل على وجوبه قول الله تعالى: ?فاذكروا الله عند المشعر الحرام? وحديث الطائي.
17 خبر: وعن زيد بن علي عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام قال: قيل: يارسول الله العمرة واجبة مثل الحج؟ قال: (( لا، ولكن أن تعتمروا خير لكم )).
18 خبر: وعن طلحة بن عبيدالله أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( الحج جهاد والعمرة تطوع )).
19 خبر: وعن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله.(1/214)


وذهب قوم إلى أن العمرة واجبة، واستدلوا بقول الله تعالى: ?وأتموا الحج والعمرة لله?، وبماروي عن لهيعة عن عطاء عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( الحج والعمرة فريضتان واجبتان )). وبما روي عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا واعتمروا )). وبما روي عن زيد بن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( يا أيها الناس عليكم بالحج والعمرة )). وبما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الإسلام فذكر الصلاة وغيرها ثم قال: (( وأن تحج وتعتمر )). فنقول: إن قول الله تعالى: ?وأتموا الحج والعمرة لله? فإنما أمر الله بإتمامها ولم يوجبها ابتداء كما قال: ?يوفون بالنذر?. وقال: ?أوفوا بالعقود?. وهو فلم يوجب العقد والنذر ابتداء فكذلك العمرة إذا دخل فيها المعتمر وجب عليه إتمامها فلاحجة لهم في هذه الآية، وأما مارووا عن لهيعة فقد قيل أن لهيعة ضعيف كثير الخطأ، وأيضاً فقد روي ع نجابر وقد سئل عن العمرة أواجبة هي؟ قال: لا. أحسن سنداً منه فعارض هذا الخبر خبر لهيعة فسقط وسلم لنا حديثنا وأما حديث زيد بن علي عليه السلام وسمرة فيحتمل أن يكون أراد به الندب كقول الله تعالى: ?فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض? وأما ماذكر من العمرة حين سئل عن الإسلام فإن السنن تدخل في الإسلام وهي من الإسلام وأما مارووا من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة )) فالمراد به أن الحج ينوب عنها ألا ترى أن أعمال العمرة كلها موجودة في أعمال الحج، وأما مارووا أن سراقة بن مالك قال: يارسول الله عمرتنا لعامنا هذا أم الأبد؟ فقال: (( لو قلت لعامكم لوجبت ولو وجبت لم يطيقوها )) فليس لهم في هذا حجة على أنه قد روي عن عطاء بن أبي رباح قال: حدثني جابر، قال: أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحل وقال: (( لولا(1/215)

43 / 152
ع
En
A+
A-