قلنا: دلت هذه الأخبار على أن الصدقة لاتحل لبني هاشم وهم آل علي عليه السلام، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل العباس، وآل الحارث. وذهب قوم إلى جواز أعطاء بعضهم لبعض، واستدلوا بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تصدق على أرامل بني عبدالمطلب وهذا محمول عندنا على وجهين: إماأن يكون المراد به صدقة التطوع، وإما أن يكون أعطاء أرامل بني المطلب بن عبدمناف فروى الراوي أرامل بني عبدالمطلب وأراد أرامل بني المطلب والمطلب هو أخو هاشم وعبد مناف أييضاً أخو هاشم وأمية بن عبدشمس ولاخلاف في أن بني أمية ليسوا من أهل الخمس وهذا يلزم الشافعي ويحجه لأنه ادعا أنه من أهل الخمس لما كان من بني المطلب ولما كانت الصدقة مطهرة وشبهها رسول الله صلى الله علييه وآله وسلم بغسالة أوساخ أيدي الناس وكان بنو هاشم من الناس وممن تطهره الصدقة كانت صدقاتهم محرمة على فقرائهم كصدقات سائر الناس.
188 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لمعاذ: (( أعلمهم أن عليهم في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم )).
دل على أن من ملك ماتجب فيه الصدقة من أي الأصناف أنه غني ومن لم يملك ذلك وملك دونه فهو فقير.
189 خبر: وروي أن رجلين أتيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألاه من الصدقة فرآهما جلدين فصعد البصر فيهما وصوبه وقال: (( إن شئتما أعطيتكما ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب )).(1/176)
دل هذا الخبر على أنه قال لهما ذلك والمراد به الكراهة لأنه قال: (( إن شئتما أعطيتكما )) وليس يقول لهما: إن شئتما أعطيتكما مالايجوز لكما. ومما يدل على أنه يجوز أن يعطي الفقير من الصدقة وإن كان قوياً ماروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل صدقة بني زريق لسلمة بن صخر وكان سلمة قوياً، وذهب قوم إلى أنه لايجوز أن يعطى الفقير القوي الصدقة. واستدلوا بالخبر وبما روي من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( لاتحل /87/ الصدقة لقوي ولا لذي مرة سوي ))، وهذا محمول عندنا على الملة، قال الله تعالى: ?إنما الصدقات للفقراء والمساكين? فذكر الفقراء ولم يخص ضعيفاً من قوي وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( لاتحل الصدقة لغني )) يدل على أنه لايحل للفقير أن يعطى ماتجب فيه الصدقة ولا لمعطيه أن يعطيه.
190 خبر: وعن ابن عباس قال: تصدق على بريرة بصدقة فأهدت منها لعائشة فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (( هو لنا هدية ولها صدقة )).
دل هذا الخبر على أن الصدقة إذا أخذها الفقير أنها صدقة مادامت في ملكه فإذا خرجت من ملكه ببيع أوهبة فإنها ليست بصدقة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( هي لنا هدية ولها صدقة )) ففرق بين......... ويدل أيضاً على أنه لو بيع مال قد وجب فيه الصدقة أن الصدقة تستحق على المشتري فإن استهلك المشتري المال كان المصدق بالخيار إن شاء طالب المشتري وإن شاء طالب البايع وإذا طالب المشتري رجع على البايع بما يخص الصدقة من الثمن.
191 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أذن لزينب زوجة ابن مسعود أن تجعل زكاتها في بني أختها.(1/177)
قلنا: دل هذا الخبر على أنه يجوز أن يعطي الإنسان صدقته من لاتجب عليه نفقته من أقاربه وأما من تلزمه نفقته فلاتجزيه ولايجوز له دفعها إليه والأمة مجمعة على أنه لاتجوز للإنسان أن يعطي زكاته أباه ولا ولده ولامملوكه وماسواهم من الأقارب ممن يجب عليه نفقته يقاس على هؤلاء.(1/178)
من باب صدقة الفطر
192 خبر: وعن نافع، عن ابن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وأهله (( أنه أمر بصدقة الفطر على كل صغير وكبير، حر وعبد، ذكر وأنثى من المسلمين صاعاً من شعير على كل إنسان )).
193 خبر: وعن أبي جعفر، عن أبيه، قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كل صغير وكبير، حر وعبد: صاعاً من تمر أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من شعير على كل إنسان.
194 خبر: وعن علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( صدقة الفطر على المرء المسلم يخرجها عن نفسه وعمن هو في عياله صغيراً كان أو كبيراً ذكراً أو أنثى حراً أو عبداً )).
195 خبر: وعن ابن عباس قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر طهراً للصائم من اللغو والرفث وطعمه للمساكين.
دل هذا على أنها لايجب إخراجها عن العبد الكافر لأنها تطهره والكافر لامطهر له. وذهب أبو حنيفة إلى أنه يجب إخراجها عنه على سيده، والآية والرواية تفسد ماذهب إليه.
196 خبر: وعن نافع، عن ابن عمر، قال: (( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وأهله بزكاة الفطر تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة )).
197 خبر: وعن ابن عمر، قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقة الفطر وقال: (( اغنوهم في هذا اليوم )).
198 خبر: وعن ابن عمر قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقة الفطر من رمضان.
قلنا: دلت هذه الأخبار على أن وجوب زكاة الفطر في أول ساعة من يوم الفطر، وبه قال أبو حنيفة، وذهب الشافعي إلى أنها تجب عند غروب /88/ الشمس ليلة الفطر وعلّته أنها جبران للصوم فيجب أن سبيلها سبيل سجدتي السهو وهذا ليس بحجة له، ولأنه يرى سجدتي السهو قببل التسليم وأيضاً فإن من الجبران مايتراخى وقته كصيام سبعة أيام يصومها المتمتع إذا آل من حجه.(1/179)
199 خبر: وعن عمر أنه قال: (( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صيام يومين يوم فطركم من صيامكم ويوم تأكلون فيه لحم نسككم )).
200 خبر: وعن أبي سعيد، قال: كنا نخرج زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعده إما صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير وإما صاعاً من زبيب أو صاعاً من إقط فلم نزل على ذلك حتى قدم معاوية حاجاً أو معتمراً فقال: أدوا مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من شعير.
201 خبر: وعن أبي سعيد أنه سئل عن صدقة الفطر. فقال: لا أخرج إلا ماكنت أخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من إقط. فقال له رجل: أو مدين من فمح. قال: تلك قيمة لا أقبلها ولا أعمل بها.
قلنا: دل هذان الخبران على أن المعمول به على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو: صاع من بر وأن نصف الصاع أمر به معاوية ورده إليه.
202 خبر: وعن ابن عمر قال: أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصدقة الفطر عن كل صغير وكبير، حر أو عبد، صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر، قال: فعدله الناس بمدين من حنطة.
203 خبر: وعن ابن عمر، قال: كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب فلما كان في أيام عمر وكثرت الحنطة جعلها عمر نصف صاع من حنطة مكان صاع من تلك الأشياء.
قلنا: دل على أن ذلك رأي من عمر.
204 خبر: وعن حارث الأعور قال: سمعت علياً عليه السلام يأمر بزكاة الفطر فيقول: هي صاع من تمر أو صاع من شعير أو صاع من حنطة أو صاع من زبيب.(1/180)