من باب صلاة السفر والخوف
488 ـ خبر: وعن ابن عباس قال: فرض الله على لسان نبيكم في الحَضَر أربعاً وفي السفر ركعتين.
489 ـ خبر: وعن أسامة بن زيد، عن طاووس، عن ابن عباس مثله.
490 ـ خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن رجلا أتاه لحاجة فإذا هو يتغدى فقال له: (( هلم إلى الغدا )). فقال: إني صائم. فقال: (( إن الله عز وجل وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم )) يعني ووضع الصوم بمعنى رخص في تركه في السفر. وفي بعض الأخبار: (( شطر الصلاة )).
ذهب قوم إلى أن القصر رخصة، ومنهم من شرط الخوف، واستدلوا بقول الله تعالى: ?إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا?. واستدلوا بما روي عن عائشة قالت: (( قصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السفر وأَتَمَّ )). وبما روي عن أنس: كنا نقصر ونتم ولايعيب بعضنا /50/ بعضاً.
ونحن نتأول الخبرين على أنه كان يقصر ويتم، فيقصر الركعتين، ويتم القراءة والقيام والركوع، وندفع قولهم بالأخبار المتظاهرة في وجوب القصر، وبالإجماع من أكثر الأمة، وهو مذهب القاسم وأحمد بن عيسى وأبي حنيفة وأصحابه وعامة الصحابة، وعند الإمامية إذا كان السفر طاعة. فأما الآية فإنها تختص صلاة الخوف، وهي قصر الصفة دون العدد.
491 ـ خبر: وعن أبي جعفر عليه السلام قال: نزلت الصلاة على النبي صلى الله عليه ركعتان ركعتان إلا المغرب، فزاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للحاضر ركعتين في الظهر والعصر والعشاء وأقر المسافر.
492 ـ خبر: وعن عائشة قالت: أول مافرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة صلى إلى كل صلاة مثلها غير المغرب فإنها وتر النهار، وصلاة الصبح لطول قراءتها، وكان إذا سافر عاد إلى صلاته الأولى.
493 ـ خبر: وعن عبدالله بن الحسن عن آبائه، عن علي عليه السلام قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أسفاره ركعتين ركعتين خائفاً كان أو آمناً.(1/106)


494 ـ خبر: وعن ابن عباس قال: (( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خرج من أهله لم يصل إلا ركعتين حتى يرجع إلى أهله، وأنه أقام بمكة ثماني عشرة يصلي ركعتين ركعتين، ثم يقول: يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين أخريين فإنا قوم سَفُر )).
495 ـ خبر: وعن يعلى بن منبه قال: قلت لعمر: إنما قال الله تعالى: ?ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا?، فقد أمن الناس. فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته )).
496 ـ خبر: وعن عمران أنه قال: ماسافر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا صلى ركعتين حتى يرجع إلى أهله، وأنه أقام بمكة ثمان عشرة يصلي ركعتين ركعتين.
497 ـ خبر: وعن حارثة بن وهب قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ركعتين بمنى وكنا أكثر ماكنا وآمنه.
498 ـ خبر: وعن عبدالله قال: صلينا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنى ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر ركعتين.
499 ـ خبر: وعن أنس بن مالك قال: صليت مع النبي صلى الله عليه في المدينة الظهر أربعاً، وبذي الحليفة ركعتين فأما القصر الذي شرط فيه الخوف فهو قصر الصفة دون قصر العدد، لأنه لو كان المراد قصر العدد لدخل فيه الفجر والمغرب، لأنه عم الصلاة ولم يخص الثلاث.
501 ـ خبر: وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لاتسافر المرأة بريداً إلا مع زوج أو ذي رحم محرم )). دل هذا على أن أقل السفر بريد.
501 ـ خبر: وعن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام أن أقل السفر بريد.
502 ـ خبر: وحكي /51/ عن عبدالله بن الحسن بن الحسن مثله، وهو قول أبي عبدالله الداعي رضي الله عنهما.(1/107)


وذهب قوم إلى أن أقل السفر ثلاثة أيام واستدلوا بالخبر: (( يمسح المسافر ثلاثة أيام والمقيم يوماً وليلة ))، وهذا بعيد من وجهين: أحدهما أن الخبر الذي قاسوا عليه وهو مسح الخفين منسوخ، والثاني أنه بيان المدة التي يجوز فيها المسح، وليس هو بيان أقل السفر.
503 ـ خبر: وعن الهادي إلى الحق عليه السلام يرفعه إلى النبي صلى الله علييه وآله وسلم أن الرجل إذا خرج مسافراً يقصر حين تتوارى عنه بيوت أهله.
ذهب من يرى القصر رخصة إلى أنه لاقصر إلا في سفر الطاعة، ولاقصر في سفر المعصية، واستدلوا بما روي عن علي عليه السلام أنه قال: لايجوز قصر الصلاة لعشرة: المكاري، والجمال، والملاح، والراعي، والمنتجع للقطر متبعاً أثره، والعبد الآبق، والساعي في الأرض فساداً، والصياد، والسلطان يدور في سلطانه، وصاحب الضياع يدور في ضياعه يعمرها.
ونحن نقول إن الخبر ضعيف غير موثوق به، وإن صح فالمراد به من يكون تنقله فيما دون البريد، ولأن من هؤلاء المذكورين من يكون تنقله طاعة الله تعالى.
504 ـ خبر: وعن علي عليه السلام قال: يتم الذي يقيم عشراً، والذي يقول: أخرج اليوم، أخرج غداً. يقصر إلى شهر.
505 ـ خبر: وعن علي عليه السلام أنه قال: إذا أقمت عشراً فأتم الصلاة.
506 ـ خبر: وعن علي عليه السلام قال: إذا أزمع المسافر على إقامة عشر أتم.
ذهب قوم إلى أنه لايتم من يقيم شهراً، يقول اليوم أخرج، غداً أخرج. واستدلوا بما روي عن ابن عمر أنه أقام بأذربيجان ستة أشهر وهو يقصر الصلاة، وبما روي عن أنس أنه أقام بنيسابور سنتين يقصر، فهذا إن صح، ففيه وجهان، أحدهما: أن قول علي عليه السلام آكد من فعلهما. والثاني: أن فعلهما محمول عندنا على تنقلهما من موضع إلى موضع، ولاتكون إقامتهما في موضع واحد.(1/108)


507 ـ خبر: وعن صالح بن خوات، عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم ذات الرقاع أن طائفة صفوا معه وطائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه الركعة الأولى، ثم ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا إلى وجاه العدو، وجاءت طائفة أخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم، ثم سلم.
508 ـ خبر: وعن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي خيثمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل كذلك، قال: فيركع الركعة الأخيرة ويسجد ثم يسلم ويقومون فيركعون الركعة الباقية ثم يسلمون.
ذهب قوم إلى أن الطائفة الأولى إذا سجدوا السجدة الأولى انصرفوا إلى وجاه العدو، وجاءت الطائفة الثانية فصلوا سجدة ورجعوا إلى مواضعهم وِجَاهَ العدو، ثم تقضي كل طائفة ركعة ركعة.
واستدلوا بما روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه حين صلى صلاة الخوف مضت الطائفة الأولى حين فرغت من الركعة الأولى، فوقفت مواقف الطائفة الثانية، وجاءت الطائفة الثانية فصلت مع النبي صلى الله عليه الركعة الثانية، ثم سلم صلى الله عليه وآله وسلم وصارت الطائفة الثانية في مواقف الطائفة الأولى، وقضت الطائفة الأولى ركعة، ثم قضت /52/ الطائفة الثانية ركعة. وبما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى صلاة الخوف، فصلى بالطائفة الأولى ركعة، وبالطائفة الثانية ركعة. ونحن نتأول هذين الخبرين إن صحا على أنه لم يمكنهم غير ذلك لشحة الحرب وتلاحم القتال، كما أنه لو لم تمكنهم الصلاة بقيام وركوع وسجود ذكروا الله وأدوا مايمكنهم من الصلاة.(1/109)


ونرجح خبرنا بأن القصر في الصلاة ليس بقطع لها، وإنما قصرها هاهنا هو إتمامهم لأنفسهم وخروجهمم من ائتمام الإمام، فأما خروجهم من الصلاة قبل إتمامها فهو قطع لها وإفساد لها، لما يتخلل بين الركعتين من المشي والحرب والكلام والعمل الكثير، ولأن صلاة الخوف حملت عليها الضرورة، وهي خوف العدو وخشية فوات الوقت، ودعت الضرورة إلى خروج المؤتم من الائتمام بعد الائتمام، ولم تدع الضرورة إلى قطع الصلاة.
وذهب قوم إلى أن الطائفتين تقومان جميعاً ويكبر الإمام ويسجد وتسجد معه الطائفة الأولى والطائفة الثانية قيام يحرسونهم، فإذا سجدوا تقدمت الطائفة الأخرى وتأخرت الأولى فسجدت الطائفة الثانية والطائفة الأولى قيام يحرسونهم. واستدلوا بما روى أبويوسف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه صلى صلاة الخوف بعسفان، فصف الناس جميعاً خلفه صفين، ثم كبر صلى الله عليه وآله وسلم وكبروا جميعاً معه، ثم سجد وسجد معه الذين يلونه في الصف، وقام الصف المؤخر يحرسونهم بسلاحهم، ثم رفع ورفعوا ثم سجد الصف الآخر، ثم رفعوا، ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم وفعلوا مافعلوا أولا. وحكي عن أبي يوسف أنه كان يقول: إن صلاة الخوف منسوخة، وحكي أنه قال: إنها كانت خاصة للنبي صلى الله عليه.
قلنا: ونحن نقول إن النسخ لم يرد في كتاب ولاسنة لصلاة الخوف، ولادلالة على أنها خاصة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأما الخبر الذي روى أبو يوسف فهو مخالف لظاهر الآية، وذلك أن الله تعالى يقول: ?وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك..? [النساء: 102]. وفي هذا الحديث أن الطائفتين جميعاً قامتا معه في وقت واحد، وهذا خلاف الظاهر، ثم قال تعالى: ?فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم، ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك..? فصح أنهم لم يصلوا معه في وقت واحد، ومعنى قوله تعالى: ?فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم? يريد إذا فرغوا من الصلاة.(1/110)

22 / 152
ع
En
A+
A-