دل على أن ملك شقصا من ذي رحم محرم أنه يعتق كله، وبه قال أبو حنيفة وأسحابه، وقال الشافعي: لا يعتق إلا أباؤه وأمهاته وأولاده، وحكى عن بعض الناس أنه من ملك أباه لم يعتق عليه حتى يعتقه، وتعلق من قال: بهذا، بما روى أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه: <لا يجزي ولد عن والد إلا أن يجده مملوككا فيشتريه، فيعتقه، والخبر محمول على أنه يعتقه بالشاء، والوجه سائر الأخبار، وإذا كان الحديث مع الشافعي، فالوجه القياس على الآباء والأمهات والأولاد، ومن سواهم من كل ذا رحم محرم، مع أن الأخبار شهد بذلك.
قال يحيى عليه السلام: من اشترى شقصا في ذي رحم محرم، أنه يعتق كله، ويضمن لشريكه ماله فيه على ما مضى في اليسار والإعتسار، ذكر ذلك في كتاب العتق، ولم يعتبر العلم والجهل، وذكر في كتاب النكاح من الأحكام، فاعتبر العلم، والصحيح ما ذكره في كتاب العبتق، ولعله رجع عما قاله في كتاب النكاح، لأن من استهلك/58/ لغيره مالا، فإنه يجب عليه ضمان ما استهلك لغيره سواء كان عالما أو جاهلا، ولا خلاف في أنه إذا ملكه بالإرث وشبهه أنه لا ضمن، وكذلك إذا اشترياه أوغنماه معا، أو وهب لهما فقبلاه معاْ، فعند ابي حنيفة أنه لاضمن ، ويستسعي العبد في حصة الشريك، وهو قياس قول يحيى عليه السلام، الذي قال: إن كان أحد الشرييكين أذن لصاحبه أن يعتق نصيب نفسه سقط عنه الضمان، واستسعى العبد في نصيب الذي أذن، قال: أبو يوسف ومحمد يضمن ، وإن كان شراهما وقبولهما معاْ، فأما إن ملكه بالإرث فلا يضمن عند الجميع.(6/21)


220 خبر: وعن جرير بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه، بعث سرية له إلى خثعم، فاعتصم ناس منهم بالسجود فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله، فأمر لهم بنص العقل وذلك أنه لما احتمل أن يكون سجودهم، لأظهار الإسلام، وقبول ما دعوا إليه، واحتمل أن يكون ذلك تفاديا من القتل، وعلى ما يفعله أهل الشرك تعظيما لهم فوداهم وأسقط نصف الدية لما استحقوا الدية في حال، ولم يستحقوها في حال.
221 خبر: وعن علي عليه السلام، أنه راعى في الغرقاء الأحوال لما جاز في كل واجد منهم أن يكون مات قبل صاحبه، وجاز أن يكون مات بعد صاحبه.
دل هذان الخبران على أن رجلا لو قال: لعبيد له ثلاثة أحجكم حر، ومات ولم يعينه أنهم يعتقون كلهم، ويسعى كل واحد منهم في ثلاثي قيمته للورثة، لأن الواد منهم يكون حرا في حالة، وعبدا ف يحالتين، وعلى هذا حكم للخنللخنشاء لبسة ببعض نصيب الرجل، ونصف نصيب المرأة لأنها تكون في حالة امرا، وفي حالة رجل، فإن لم يمت المعتق غير العتق على من يشاء منه، وبه قال أبو حنيفة، وأصحابه في جميع المسئلة، وقال الشافعي يقرع منهم ليعتبر الحر منهم بالقرعة.
وجه قولنا، ما تقدم.
فإن قيل: روي عن النبي صلى الله عليه: أنه قرع بين نسائه لما أراد أن يسافر بواحدة منهم.(6/22)


قلنا: إنما فعل ذلك صلى الله عليه تطييبا لنفوسهن لأنه كان يجوز له أن يخرج بمن شاء منهن لقول الله تعالى: {ترجي من تشاء منهن و...... إليك من تشاء.... الآية} وإنما فعل ذلك تطييبا لأنفسهن وعلى هذا يحمل قول الله تعالى: {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} إن ذلك كان على تطييب النفوس، وكذلك قوله تعالى في يونس عليه السلام: {فساهم فكان من المدحضين} تحمل أن يكون ساهم ليطيب نفوس القوم. ولا يجوز أن يلقىبنفسه في البحر إلا بأمر من الله تعالى، إذ لا خلاف أنه لا يجوز أن يعرض الإنسان نفسه للتلف إلا فيما أمر الله به من جهاد اعدائه، وأصل القرع في اللغة هو الضرب. ومنه المقرعة، ولو حكم بالقرعة في هذا لوجب أن يحكم بها في سائر الأحكام الملتبسة وهذا خلاف دين المسلمين.
222 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وأهل أنه قال: <الإسلام يعلو ولا يعلا عليه>.
دل على أن الذمي لا يجوز له تملك عبدا مسلما/59/ ولا خلاف في ذلك، وهذا يدل على أن بيع العبد المسلم إلى اليهودي لا يجوز؛ وبه قال الشافعي في اظهر قوليه. وقال أبو حنيفة: يجوز بيعه ويمنع من إمساكه.
وجه قولنا، الخبر وقول الله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}.
من باب التدبير
223 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام: أن رجلا أتاه. فقال: إني جعلت عبدي حرا إن حدث بي حدث. فلي أن أبيعه؟ قال: لا. ومعناه عندنا إذا لم يكن هناك ضرورة، اختلفت العلماء في بيع المدبر، فذهب الشافعي إلى جواز بيعه على كل حال. وبه قال الناصر عليه السلام. وقال أبو حنيفة واصحابه: لا يجوز بيعه على كل جه من الوجوه.(6/23)


وقال مالك: قريبا من قولنا أنه لا يباع إلا في دين. فاستدل الشافعي والناصر عليه السلام، مما روي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله: أن رجلا دبر غلاما لا ماله له غيره. وفي خبر آخر: وعليه دين. فقال رسول الله صلى الله عليه: <من يشتريه فاشتراه نعيم بن النخام> وفي بعض الأخبار: <إذا احتاج أحدكم فليبدأ بنفسه> وبا روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه: باع مدبر في دين الذي دبره. واستدل أبو حنيفة وأصحابه بخبر علي عليه السلام وبما روي عن نافع، عن ابن عمر. قال: قال رسول الله صلى الله عليه: <المدبر لا يباع ولا يشترى وهو حر من الثلث>.
وجه قولنا، أنا جمعنا بين الخبرين.
قلنا: لا يجوز بيعه إلا من ضرورة.
قال المؤيد بالله قدس الله روحه: ليس عتق المدبر تجري مجرى العتق بصفة، فذلك أن من قال لبعده: إن دخلت الدار فأنت حر فدخل العبد الدار مع موت السيد لم يعتق لئن حصول الشرط صادف زوال ملك المعتق، فلو كان التدبير يجري هذا المجرى كان يجب أن لا يعتق بموته لئن الشرط وهو الموت يكون مضاد فالزوال ملكه وكان يجب أن يكون بمنزلة أن تقول: إذا بعتك فأنت حر، ولا يعتق لئن حصول الشرط صادف زوال الملك فينت أن عتق المدبر يستحق قبل الموت كعتق أم الولد ولا خلاف في أن عتق المدبر لازم بعد الموت وأنه من الثلث. وبه جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: <لا يباع من ولا يشترى وهو حر من الثلث>.
224 خبر: وعن علي عليه السلام: مثله.
225 خبر: وعن ابن عباس وابن عمر وجابر بن عبدالله وعثمان قالوا: أن ولد المدبرة بمنزلة أمه. ولم يرو خلاف ذلك عن أحد من الصحابة فجرى مجرى الإجماع وهو محكي عن ابن مسعود وعن شريح ومسروق وعطاء وطاووس ومجاهد وابن جبير والحسن وقتادة.
قال المؤيد بالله قدس الله روحه: ويجوز في المدبر كلما يجوز في العبد إلا البيع من غير ضروة. قال: ولا احفط فيه خلافا.(6/24)


قال يحيى عليه السلام: ولو أن رجلا دبر عبده ثم فسق العبد كان له أن يرده في الرق ويبيعه ووجب عليه أن يشتريه بثمنه رقبة مؤمنة يدبرها، فإن بان العبد بعدما عاد في الرق واشتري/60/ بثمنه غيره/ لم يكن مدبرا وكان تدبير الثاني ماضيا معنى قوله برده في الرق هو أن يبيعه وليس المراد أن يرده بالقول.
ووجهه أن لا قربة عنده في عتق الفاسق فمن عاهد حصل معنى الضرورة فيجوز له بيعه. ومعنى قوله وبج عليه أن يشتري بثمنه رقبة مؤمنة يدبرها المراد به إذا كان نذر تدبيره، فإن لم يكن نذر فإنه يستحب ذلك له ولا تجب.
قال المؤيد بالله قدس الله روحه: ولا خلاف في أن رجلا لو قال لعبده: إن جاء فلان من سفره فأن حر أن بيعه جائز قبل حصول الشرك على كل حال، وإن العتق لا يسري إلى ولده، وإن السيد إذا مات أن العبد موروث.
قال ومعنى قول يحيى عليه السلام لا يجوز بيعه إلا من ضرورة المراد به الكراهة التي هي ضد الإستحباب.
قال: ومن اصحابنا من حمله على ظاهره وهو بعيد لأنه خلاف إجماع المسلمين.
من باب الكتابة
226 خبر: وعن نافع عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: المكاتب عندما بقي عليه درهم>.
227 خبر: وعن عمر، وبن شعيب، عن ابيه عن جده، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إيما رجل كاتب عبدا له على مائة أوقية فأداها إلا عشر أوق، فهو عنده، وأيما عبد كةتب على مائة دينار، فأداها إلا عشرة ة دنانير، فهو عبد.
دلت هذه الأخبار على أن العبد المكاتب إذا عجز عن أداء المكاتبة رد إلى الرق، وأنه لا يجب أن يكون ذكر الفخر شرطا في صحة المكاتبة عند العقد، وكذلك لا يجب أن يقول السيد للعبد: متى وفرت عليّ ماكوتبتعليه، فأنت حر ، لكنه عندنا مستحب، ليكون العبد على بصيرة، وبه قال أبو حنيفة، وقال: الشافعي: لابد من ذكر هذا الشرط.(6/25)

97 / 146
ع
En
A+
A-