دل على أنه يجوز في الجزيه من الجهالة ما لا تجوز في غيرها من الإجارات ولاخلاف بين المسلمين في أنه يجوز دفع الغنم والإبل والرماك إلى الداعي يجز من النماء والعلة في ذلك جهالة الإجارة فكذلك ما يخرج من الأرض. وذهب الشافعي إلى جواز المساقاه والمزارعه يجز مما يخرج الأرض في الأرض التي بين النخل فأما الأرض البيضاء فلا يجوز والحجة عليه القياس على الأرض البيضاء ما تقدم.
فإن قيل: فهلاّ قستموها على المضاربه.
قلنا: المضاربة من باب الشركه وليست من باب الإجارات إلا ترى أنها تجوز بغير توقيت ولاخلاف في ذلك فلم نقسها بالإجاره ونقول لمحمد وأبي يوسف والشافعي في أحد قوليه: لو كانت المضاربه إجازه لوجب أن يضمن المضارب مال المضاربه إذا تلف بغير جنايه إذ صار أجيراً مشتركا فصح أن المضاربه الصحيحة ليست إجارة وأن المزارعه والمساقاه تجز مما يخرج من الأرض لايصح فإن فعل ذلك كان الزرع لصاحب البذر فإن كان الأجير كان عليه كرى الأرض وإن كان البذر لصاحب الأرض فعليه للأجير أجرة مثله وإن تصالحا بشئ سوى ذلك جاز لقول النبي صلى الله عليه: <الصلح جائز بين المسلمين> وقوله صلى الله عليه وأهله: <وكل صلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما> وقال أبو حنيفه: إن كان البذر للمُزارع تصدق بالزرع وهذا لا يلوم لإنه زرعه بإذن صاحب الأرض ولإن من غصب دجاجة فحضن تحتها بيضا أنه لا يلزمه تصدق بالفراخ والمزراعه الصحيحة أن تدفع نصف أرضه مشاعا إلى رجل بأجر معلومه ويستأجر ذلك الرجل مثل تلك الأجره على أن يزرع له نصف ارضه ويكون البذر بينهما نصفين.
من كتاب الشركة وباب شركة المفاوضه(5/66)
153 خبر: وعن زيد بن علي عليه السلام، القول بشركة المفاوضه. وروي مثله عن الشعبي وابن سيرين وهو قول أبي حنيفه وأصحابه وذهب الشافعي إلى خلافه. وجه قولنا، قول زيد بن علي والشعبي وابن سيرين ولم يرو خلاف قولهم عن أحد في عصرهم ولا قبلهم فأشبه الإجماع. وصورة شركة المفاوضه أن يشترك رجلان فيما لهم من النقد ولا يكون مال أحدهما من النقد أكبر من مال الأخر ويشترطان الشركه ويبتعان ويشتريان مجتمعين ومفترقين ويقضي أحدهما عن صاحبه دينه في التجاره دون/40 / غيرها ويقتضي له وأصل المفاوضه المساواه.
قال الشاعر:
لايصلح الناس فوضى لاسراة لهم ولاسراة إذا جهالهم سادوا.
وتصح الشركه عنه بالعقد. وذهب الشافعي وزفر إلى أنها لاتصح إلا بالخلط ونحن نقيسها على المضاربه والمزارعه في نهما لايعتبر فيهما الخط ولاخلاف في أن الزياده في العروض لاتبطل الشركه وإن ملك أحدهما شيئا من النقد دون صاحبه وقبضه بطلت الشركه وإن ملك أحدهما شيئا من النقد دون صاحبه وقبضه بطلت الشركه وإن ملكه ولم يقتضه لم تبطل الشركه وبه قال أبو حنيفه وأصحابه.
من باب الشركة على غير المفاوضه(وتسمى شركة عنانٍ)
154 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، أن رجلين كانا شريكين على عهد رسول الله صلى الله عليه وأهله، فكان أحدهما مواظبا على السوق والتجاره والأخر مواظبا على المسجد والصلاة فلما كان عند قسمة الربح قال صاحب السوق أربحني أكثر. فقال صلى الله عليه: <إنما كنت ترزق بمواظبة صاحبك على المسجد>.
دل هذا الخبر على جواز الشركه على غير مفاوضه وهي تسمى شركة عنان بفتح العين وكسرها فمن فتحها ف إنها
من الشئ ومن كسرها فهو مأخوذ من عنان الدابه ومعناهما واحد وهو أنهما اشتركا في شئ معين
مخصوص يضر فإن الربح كيف أراد كما يصرف عنان الدابة ولا خلاف في هذه الشركة فأما الإسم فروي عن مالك(5/67)
أنه انكره ولم ينكر المعنى. قال القاسم عليه السلام: إن لمل يشترطا كان الربح بينهما عللى قدر رأس المال.
155 خبر: وعن علي عليه السلام أنه قال: ليس علي من قاسم في الربح ضمان يعنى الشريك والمضارب.
دل على أن الشريكين لو شرطا الوضيعة على غير رأس المال بطلت الشركة ولا تصح الشركة في العروض إلا بحصول الملك لكل واحد من الشريكين بأن يشترياها، فإن كانت لأحدهما وأراد الشركة فيها باع صاحبها إلى شريكه ما شاء منها وصحت الشركة ولا خلاف بيننا وبين أبي حنيفة والشافعي ومحمد في هذه الجملة. وقال زفر لا يجوز التفضيل في الربح وذلك لا معنى له إذا كانا عاملين كلاهما فإن كل التفضيل في الربح لمن لا جمل له كان ذلك فاسدا.
شركة الوجوه: وتسمى شركة الأبدان أن يشتري الشريكان العروض بوجوههما ثم يتجرا فيها فالربح يكون بينهما نصفين والوضعة نصفين فإن شرطا لأحدهما اكثر من النصف فسدت الشركة لئن ما باعا أو ربحا يكون ملكا لهما جميعا والضمان عليهما، فإن شرطا الربح على الضمان واعلما بذلك من ياخذان منه الشيء جاز/41/وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وأبطل ذلك الشافعي، وعليه أنه لم يحصل الخلط، وليس الخلط عنددنا بشرط في صحه الشركة، وأيضا فقد اختلط الملكان بالشركة في اللشيء.
من باب المضاربة.
156 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام، أنه قال: في المضارب يمنع منه المال لا ضمان عليه، والربح يليهما ععلى ما اصطللحا، والوضيعة على المال.
دل على حواز المضاربة وصحتها على ما ........... في الخبر، وذهب الشافعي إلى أن المضاربة لا تصح قياسا على المساقاه، والوجهه الخبر، ولأنه لم يرو خلافه فجرى مجرى الإجماع، وهو فعال المسلمين، وقت المتقدمين إلى يومنا، والماساقاة مختلف فيها، ولا تصح أن تقاس المجمع عليه على المختلف فيه.(5/68)
157 خبر: وعن ابي موسى، أنه دفع قرضا من مال المسلمين بالعراق إلى ولدي عمر فربحا فيه، فأراد عمر أن ينتزع الربح منهما، فقال أحدهما: أرأيت إن هلك على من كان الضمان، فقال: عليكما، فقيل: لو جعلته قرضا، فلا خلاف في أن المضاربة إذا فسدت أن الربح لصاحب المال والوضيفة عليه، وللعامل أجرة المثل، وكذلك لايجوز أن يشترط لأحدهما ربح شيء معلوم من درهم فما فوقه ودونه، فإن فعلا ذلك فسدت المضاربة، ولا تصح المضاربة إلا بالنقد، ولأنها من باب الشركة.
وقد قدمنا القول أن الشركة لاتصح إلا بالنقود، فكذلك المضاربة، وبه قال زيد بن علي عليه السلام، وأبو حنيفة وأصححابه، وأكثر العلماء، وقال القاسم عليه السلام: تصح المضاربة بالعروض، قال المؤيد بالله قدس الله روحه: والذي عندي فيه أنه أراد أن يرفع صاحب المال العرض إلى المضارب لبيعه، ويكون المضاربة يقع على الالثمن، وفاقا لقول يحيى عليه السلام في القبو، لا تصح المضاربة إلا بالنقد، وإذ حالف المستشار صاحب النقد في التجارة، فسدت المضاربة، وإن حالفه في المكان لم تفسد المضاربة، وإن تلف المال ضمنه المضارب على الوجهين اللمحالفته صاحب المال، وإذا ربح المضارب في المضاربة الفاسدة فأجاز صاحب المال فعاله، فالربح لصاحب المال، وللمضارب أجرة مثله،ولا يجاوز ما شرطا، وإن لم يجزه كان الرب لبيت المال، قال أبو حنيفة: هو للمضارب يؤمر أن يتسدق به، وقول ابي يوسف، ومحمد لا يؤمر يتصدق به، وقول أصحاب الشافعي مثل قولنا والوجه ما روي.
158 خبر: عن عاصم بن كليب، عن أبيه في الشاة المغصوبة التى دعى النبي صلى الله عليه وعلى أهله إليها فلم يسغه ، فسأل عن شأنه فأخبر أنه لغيره، وأنها ذبحت لغير إذن صاحبها، فأمرهم أن يطعموها الأساري.(5/69)
دل ذلك على أن يسير إلى الأساب من جهه محضورة يكون لبيت مال المسلمين، وقلنا لا يجاوز به أجرة المثل،لأنه رضي بذلك، وبه قالمالك، وأبو يوسف، وقال الشافعي، ومحمد: له أجرة مثله بالغة ما بلغت.
وجه قولنا، أنه لا يستحق على الجناية الزيادة في الأجرة لأنه يكون خلاف الشرع والعقل، ولأنه قد رضي بالشرط وليس للضارب أن يقرض مال المضاربة/42/ ولا إن أخذ به سفته، والسفتحه بمعنى القرض، لأن القرض طلب الربح، وليس في القرض ربح، فإن قال له صاحب المال: إفعل برأيك جاز له أن يخلطه بماله، وأن يدفعه إلى غيره مضاربة، وإن لم يقل له ذلك لم يجر خلطه فماله، ولا دفعه إلى العير ليتجر فيه، وإذا سافر فنفقته من مال المضاربة، وبه قال أبو حنيفة، وأصحابه، ولأصحاب الشافعي في قولان، أحدهما مثل قولنا، والثاني أنه لا تكون النفقة منه.
وجه قولنا، : أنه من سائر المؤن الكرى وشبهه وهو من المال وليس من الربح، ولا خلاف في أن المضارب إذا تدر وربح، ثم أتجر دفعه أخرى فخسر، ولم يك قد قاسم صاحب المال الربح أن لصاحب المال رأس ماله فما بقي قسم بينهما، ولاخلاف في أن المضارب أمين فعلى هذا إن تلف المال كان القول فيه قوله مع يمينه، هذا في المضاربة الصحيحة، فأما في المضاربة الفاسدة، فإنه يكون حكمه كحكم الأجير المشترك،وعند أبي حنيفة أن الأجير المشترك أمين، وقول محمد وابن يوسف مثل قولنا، قال الهادي إلى الحق عليه السلام: ولو ضمن المضارب المال كان ضمانه باطلا، فإن شاء وفاء، وإن لم يشأ لم يف، والوجه أنه كالمودع فيجب أن يبطل ضماننه كما يبطل ضمان المودع، فإن قيل أن المستعيرإذا ضمن لأمة بضمان قلنا إيما جعل الحفظ في مقابلة المنافع، والمودع ليست له منفعة وربح، المضارب الذي يصير إليه إنما هو بكده وتجارته.(5/70)