دل على أن السلم في الحيوان لا يجوز، وبه قال زيد بن علي عليه السلام، وأبو حنيفه، وأصحابه ، وقال الشافعي: يجوز. وجه قولنا، قول النبي صلى الله عليه، للذي قال له إنا لنبيع الفرس بالأفراس والنحيبه بالإبل لا بأس إذا كان يدا بيد وقوله صلى الله عليه: <من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم> والحيوان لا يكال ولا يوزن وإن كنا الحقنا بالمكيل والموزون المعدود والمذروع لإنه لا يتفاوت تفاوتا عظيما والحيوان يتفاوت تفاوتا عظيما ولا خلاف أن الجواهر والفصوص لا يجوز السلم فيها لعظم تفاوتها فكذلك الحيوان.
فإن قيل: روي خبر عن النبي صلى الله عليه، أنه قال: <لاتصف المرأه المرأه لزوجها حتى كأنه ينظر إليها> وهذا يدل على أن الشئ يضبط بالصفة حيواناً كان أو غيره.
قلنا: إن بعض الحيوان لا يتفق ولايضبط بالصفه وإن ضبطت سائر صفاتها وأيضا فقد نص أصحاب الشافعي على أن لا يجوز السلم في اللؤلؤ والزمرد وسائر الجواهر فوجب أن يكون الحيوان مثله.
فإن قيل: روي عن النبي صلى الله عليه، أنه إستلف بكرا فجأت أبل الصدقه .... رافع أن يعطيه من إبل الصدقه.
قلنا: يمكن أن يكون أخذه على وجه ضمان القيمه والسوم ثم أعطاه من إبل الصدقه على المرأصاه وليس فيها ما يدل على أنه إثبته في الذمه وقول الرواي إستلف تكون على وجه التجوز ويحتمل أيضا أن يكون ذلك قبل نزول آية النهي عن الربا فقد قيل أنه منسوخ.
فإن قيل: فقد جوز ثبوت الحيوان في الذمه في الديه والصدقه والمهر وكذلك السلم.(5/51)
قلنا: أما الدية والصدقة فالمعتبر فيه بالأسنان دون سائر الصفات وليس كذلك سائر السلم وأما المهر فإنه يجوز أن يتزوج الرجل امرأة على مهر المثل وإن لم يكن معلوما وكذلك يجوز أن يتزوجها بغير مهر ويكون لها مهر المثل وليس كذلك السلم ولإن الحيوان الموصوف يعد في الجهالة من مهر المثل والقول في السلم بالأجناس/30 / عندنا على ما تقدم في بيع الأجناس بعضها ببعض أنه لا يجوز أن يسلم ما يكال فيما يكال ولا ما يوزن فيما يوزن ولا يسلم الشئ في جنسه على ما تقدم فأما الذهب والفضة فإنه يجوز أن يسلم فيما يوزن إذا لم يكن من جنسها ويجوز السلم في الفواكه إذا كان حلول الأجل في وقت يمكن فيه وجودها ما بين العقد والأجل بطل السلم فيها وإن كانت يابسه أو لم تنقطع من وقت العقد إلى وقت الأجل فالسلم جائز وجه قولنا، أنه ليس يعد السلم في وقت من الأوقات قبل حلول الأجل يبطلها ولن أفلس المسلم إليه قبل حلول الأجل أو مات فإن السلم لا يبطل لإن عندنا المؤجل لايصير حالا بموت من عليه الحق.
فإن قيل: روي خبر عن النبي صلى الله عليه، أنه أسلم رجلا دنانير في تمر مسمى فقال: من حائط فلان فقال صلى الله عليه: <أما من حائط فلان فلا ولكن تمر مسمى وكيل مسمى وأجل مسمى>.
فدل على نفي جواز السلم فيما يجوز انقطاعه لإن تمر حائط بعينه قد يجوز أن ينقطع.
قلنا: مما منع منه صلى الله عليه، يجوز أن ينقطع في وقت حلول الأجل فأكد الخبر قولنا.
فإن قيل: روي عن النبي صلى الله عليه، أنه دخل المدينه وهم يسلمون في الثمار قبل محلها فنهىعن ذلك.
قلنا: هذا محمول على أنهم لم يكونوا يحملون الأجل في وقت الوجود وقول النبي صلى الله عليه: <من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم>.(5/52)
يدل على أن جميع ما كان يملك ويباع ويشترى يجوز أن يسلم، نحو أن يسلم ويكون رأس مال السلم وكذلك ما يسلم فيه إلا ما كان يتفاوت تفاوتا عظيما كالحيوان والجواهر إذا كان بضبط مكيل أو وزن أو عدد أو ذرع فإن تفاوت في العدد ردا إلى الوزن كالبيض والقصب والحطب وشبهه واختلفوا في اللحم فعندنا وعند الشافعي وأبي يوسف ومحمد يجوز فيه السلم، وقال أبو حنيفه : لا يجوز، وقال: يجوز السلم في البيض معدوداً والتفاوت في البيض لصغره وكبره أكثر من التفاوت في اللحم وأيضا فهو موزون النقصان اليسير معفو عنه ولا يكاد يعدم التفاوت اليسير في سائر الأشياء.
110 خبر: وعن الهادي إلى الحق عليه السلام، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه، أن يهودياً قال له يا محمد إن شئت أسلمت إليك وزنا معلوما في كيل معلوم في تمر معلوم إلى أجل معلوم في تمر معلوم وكيل معلوم ولا أسمي........
دل على أنه يجوز أن لا يشترط ما يخرج من مزرعة بعينها ولا ثوبا من نسيج إنسان بعينه وما اشبه ذلك.
111 خبر: وفي حديث اليهودي الذي اسلم إلى رسول الله صلى الله عليه أن اليهودي لما جاءه عند النبي آخر الأجل يتقاضاه فقال له رسول الله صلى الله عليه: <يا يهودي أن لنا بقية من يومنا هذا>.
دل على أن الحق إذا أوجب في اليوم كان اليوم كله وقتا له.
112 خبر: وفي/32/ وفي حديث اليهودي الذي أسلم إلى رسول الله صلى الله عليه، إن لنا نفيه يومنا هذا، فقال اليهودي : إنكم معشر بني عبد المطلب قوم مطل فإغلظ له، فقال له رسول الله صلى الله عليه: انطلق معه إلى موضع كذا وكذا، فإوفه حقه، وزوده كذا وكذا، للذي قلت له.(5/53)
دل على أن زيادة المسلم إليه في المسلم فيه جائز، وكذلك حظ المسلم للمسلم إليه يجوز أيضا، ولا يجوز الزيادة في المسلم فيه لزيادة الأجل، قال الهادي إلى الحق عليه السلام: لا يجوز السلم إلا إذا كان كل واجد من المسلم والمسلم إليد غير واثق بالربح، ولا أمن للخسران، فإن كان أحدهما واثقا بالربح آمنا للخسران لم يجز التسلم، وكان من السلف الذي يجر منفعة الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه: كل سلف جر منفعة فهو حرام.
113 خبر: وعن النبي صلى الله عليه ، أنه قال: <الزعيم عازم والزعيم هو الكفيل>
دل على أنه يجوز في السلم أخذ الرهن والكفيل فيما أسلم فيه، والأصل قول الله تعالى: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضه} والسلم من حملة الدينون.
فإن قيل: فقد روي أن النبي صلى الله عليه، كره ذلك.
قلنا: ذلك يحمل على استحباب التوقية والتوسعة بين الناس، وقد قال الله تعالى: {فإن أمن بعضكم بعضا فاليؤد الذي اؤتمن أمانته}
من كتاب الشفعة وباب من تجب عليه الشفعة وكيفية وجوبها
114 خبر: وعن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه، أنه قال: <الشريك شفيع والشفعة في كل شيء>.
115 خبر: وعن ابن أبي مليكة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه: <في العبد الشفعة، فيّ كل شيء>.
116 خبر: وعن سعيد بن خيبر، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه، مثله.
117 خبر: وعن جابر، عن النبي صلى الله عليه: <الشفعة في كل شرك وحائط لا يصلح لشريك أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن باع فهو أحق به>.
118 خبر: وعن جابر قال قضى رسول الله صلى الله عليه بالشفعة فيما لم يقسم.
دلت هذه الأخبار على وجوب الشفعة للشريك في كال ما يباع من أرض ودار وعروض وحيوان وذهب الشافعي إلى أن ما لا تتأتى فيه القسمة كالحمام والدجاج والعبد لا شفعة فيه. وقول أبي حنيفة واصحابه مثل قولنا أن فيه الشفعة.(5/54)
وجه قولنا، ما تقدم وإجماع العلماء أن الشفعة جعلت لدفع الأذى وذلك فيما لا تتأتى فيه القسمة اشد مما تتأتى فيه القسمة. ودل قوله صلى الله عليه: <الشفعة في كل شرك على أن الشريك في الشرب أولى من الشريك في الطريق وكل من اثبت الشفعة بالجوار لا يخالف في الشرب والطريق أولى من الجوار والأصل فيه/33/ قول الني صلى الله عليه: <الشريك شفيع والشفعة في كل شيء ولا خلاف أنه لا شفعة للجار إذا لم يكن ملازما>. وأبو حنيفة واصحابه يقدمون الشرب والطريق على الجوار إلا أنهم ............... بين الشرب والطريق ونحن نقدم الشرب لأنه يجمع حققين حق الملاء وحق المجرى فهو اكد من الطريق الذي ليس فيه إلا حق الأسطراق ولا خلاف أنه لا شفعة لأحد مع الشريك في الأصل لأنه اخص بالمبيع، وكذلك أن الشريك في الماء اخص من الشرك في الطريق.
119 خبر: وعن عطاء، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه: <الجار أحق بشفعة جاره نتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدة>.
120 خبر: وعن عمرو ابن الشريك، عن أبيه قال: قلت: يارسول الله أرض ليس لأحد فيها شرك، ولا قسم، إلا الجوار، فقال صلى الله عليه: <الجار أحق بصقبه>.
121 خبر: وعن سعد بن أبي وقاص، لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول: <الشريك احق بالشفعة والجار أحق ممن ورأه ما اشتريته>. وعن سمرة قال: قال: رسول الله صلى الله عليه: <جار الدار أحق بالدار>.
122 خبر: وعن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه قال: <جار الدار أحق بالدار>.
دلت هذه الأخبار على وجوب الشفعة بالجوار بعد الشريك في الأصل والشريك في المنافع وهي الشرب والطريق. وبه قال أبو حنيفة واصحابه، وذهب ابن أبي ليلى، والشافعي، والإمامية، إلى أنه لا شفعة للجار، والوجه ما قدمنا من الأخبار الصريحة التي لا يتضمنها التأويل، ولأنه يدخل على الجار الأذى الذي يقرب مما يدخل على الشريك في الأصل والمنافع.(5/55)