قلنا: يجوز أن تقول تلك الرخصة وقعت على ما دون خمسة أوسق، فروى أبو هريرة على ما شاء هذا.
فإن قيل: فما فائدة ذكر الرخصة في قولكم.
قلنا: يحتم لأن يكون الرخصة في هبة شيء من التحليل يجنى رطبا فرخص في العشر فيها، ولأن المكيل والموزون عندنا والمأكول عند الشافعي لا يجوز بيع بعضه ببعض خرصا، بل لا يجوز إلا مع العلم بالمساواه، فكذا هذا فكان تأويلنا أولى بأن الأخبار توكده، والقياس بعضك، وتأويل مخالفنا تنقض عليه أصله.
من باب خيار البيعين
73 خبر: وعن النبي صلى الله أنه قال: <البيعان بالخيار مالم يفترقان> وهذا الخبر محمول عندنا على تفرق الأقوال وهو الإيجاب والقبول وهو قول زيد بن علي عليه السلام وبه قال أبو حنيفة واصحابه ومالك وذهبت الإمامية والشافعي إلى أن المراد به تفرق الأبدان.
وجه قولنا، قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} وقد عقدا عقدا ولم يسير ...... خيار فإذا أجزنا لهما الخيار كما قد أجزنا لهما ترك الوفاء، قال الله تعالى: {ولا تأكلا أموالكم بينكم بالباطل} وقال {إلا أن تكون تجارة بينكم عن تراض} وقد وقعت تجارة عن تراض فصح ما قلنا، وقال الله تعالى: {زما تفرقوا إلا من بعد ما جائتهم} قال: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا} وقال:{الذين فرقوا دينهم}

74 خبر: وعن النبي صلى الله عليه، أنه قال: < يتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة> والمراد بذلك تفرق الأقوال.

75 خبر: وعن النبي صلى الله عليه، أنه قال: <من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يقتضيه>
76 خبر: وعن البني صلى الله عليه، أنه قال: <لا يجزي ولد عن والده إلا أن تدهه مملوكا فتعتقه>(5/31)


دل على أن الملك يستقر بعقد الشري لا بأوراق الأبدان، ودل قوله من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يقتضيه على إدازة الشراء من غير اعتبار إفتراق الأبدان، وقوله البيعان بالخيار أراد به الممتاومين، وقد روي المتبايعان كما روي <لا يتعين أحدكم/19/ على بيع أخيه> وفي خبر آخر لا تسوء من على سوم أخيه فغير عن السوم تارة بالبيع، وتارة بالسوم، فعلم أن البيع يستعمل في السوم.
77 خبر: وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: <كل يتعين لا يبع بيهما حتى يفترقا بعلم أنه سمي المنساء ومين يتعين>
فإن قيل: فقد روي البيعان بالخيار مالم يفترقا، أو نقول أحدهما لصاحبه اختر.
قلنا: أو هاهنا بمعنى إلى الأم وهي للإستثناء، فالمراد به لا يدخل إلا أن يقول كما قال لا تدخل الداربإذن لك صاحبها، ولا تصل أو يتوضئ، المراد به لا تدخل الدار حتى أن يأذن لك صاحبها، ولا تصل إلا أن توضىء، وإيضا لو كان الخيار موجب عقد البيع كان يجب إلا تصح عقد الصرف لئن من صحته شرط أن يتفرقا وليس بينهما شيء كما روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في الصرف: <لا بأس مالم يفترقا وبينهما شيء> فلو لم يبرم العقد حتى يفترقا وكان التفرق بينهما خيارا يفسد الصرف كان لا يصح الصرف بتة.
فإن قيل: فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: <إن الله يجب العبد يكون سهل البيع سهل الشراء> وإذا كان عقد البيع بقطع الخيار كان هذا تشدد في البيع وخلافا للفضل.
قلنا المراد بالخبر: أن يكون سهل البيع سهل الشراء في المسامحة والتسهيل في الثمن وفي مثل شرط الخيار وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه كان إذا باع واشترى خير صاحبه. وهذا أيضا يدل على أن الخيار لا يكون بعقد البيع لأنه لو كان بعقد البيع لم يكن للخيرة معنى.
فإن قيل: فقد روي في بعض الأخبار <حتى يفترقا عن مكانهما الذي عقد فيه>.(5/32)


قلنا: ذلك محمول على أنهما شرطا الخياراً على المجلس، فلو كان ذلك كما قالوا لكان لو تبايع رجلان في سفينة مرسية أو حبس فملم يفترقا سنة أو شبهها يكون لهما الخيار إلى سنة يعني اشتراط ذلك وهذا مالا يقال به ولا يقبله ذووا العقول .................. البيع على النكاح والخلع والعتق وسائر العقود فأما الهبة فإنها تصح عندنا بالإيجاب والقبول وإن لم يقبض.
78 خبر: وعن النبي صلى الله عليه: أنه نهى عن تلقي الجلب فقال: <لا تلقوا الجب فمن تلقى واشترى شيئا فهو بالخيار إذا أتى السوق>.
دل على أن من استرى شيئا لم يره فهو بالخيار عند الرؤية إذ لا وجه لخيار من يشتري من الجلب إلا خيار الرؤية لئن من العادة أن المشتري هذا من الجلب يشتري الحث في الأوعية فإذا وصل السوق ونظره قلبه فصح أن من اشترى شيئا ولم يره أن له الخيار إن شاء فسخ البيع وإن شاء اتمه وهو قول زيد بن علي عليه السلام، وبه قال أبو حنيفة واصحابه، وهو أحد قولي الشافعي، وقال في قوله الثاني: أنه يبطل البيع.
وجه قولنا، الخبر ولأنه بيع عن تراض مفتقر إلى صفة فإن وجدت ورغب المشتري جاز البيع، وإن لم يرض فسخ البيع، ولا خلاف أن الثمن يصح، وإن لم يره البائع وكذلك يجوز بيع الجوز والباقلا بقشوره.
فإن قيل: أنه يقتضي الجهالة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الغرر، ونهى عن بيع الملامسة وهو بيع الثوب المطوي.
قلنا/20/ لا خلاف في بيع السَّلم، فكذلك فيما لم يُرَ، وأما بيع الملامسة فليس هو بيع الثوب المطوي، بل ذكر العلماء أنه كان بيع الجاهلية، وذلك أنه كان يتساوم الرجلان السلعة فأيهما لمس بصاحبه وجب البيع، وقيل: إذا لمس المبيع، أو أومى بيده إليه وجب البيع.(5/33)


79 خبر: وعن عثمان أنه باع مالا له وهو بالكوفة من طلحة بين عبيدالله فقال طلحة: لي الخيار لأني اشتريت مالم أره. وقال عثمان: لي الخيار لأني بعت مالم أره. فحكَّمَا بينهما جبير بن مطعم فقظى الخيار لطلحة. فأجمع هو لا الثلثة على أنه يجوز للأنسان شراء مالم يره، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة فجرى مجرى الإجماع.
فدل على ما قلناه.
قال الهادي إلى الحق عليه السلام في الفنون: إذا اشترى شيئا لم يره ووصف له فوجده على الصفة فلا خيار له.
والمعمول عليه قوله السلام في الأحكام: أن له خيار الرؤية.
80 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبيه، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله وآله وسلم: <من اشترى مصراة فهو فيها بالخيار ثلاثا> وإن رجلا جاءه فقال: يا رسول الله إنى أخدع في البيع والشراء فجعله فيما باع واشترى بالخيار ثلاثا.
دل هذان الخبران على أن الخيار إلى وقت معلوم يصح معه البيع سواء طالت المدة أم قصرت، وقال زيد بن علي عليه السلام: لا يجوز الخيار أكثر من ثلاث أيام، وبه قال أبو حنيفة، والشافعي، وقول محمد، وأبي يوسف مثل قولنا.
وجه قولنا، الإجماع على أنه يصح في ثلاثة أيام فكذلك في اكثر منها إذا كانت المدة معلومة فأما إذا كانت المدة غير معلومة فلا يصح ذلك وهو فاسد للجهالة والغرر ولا خلاف فيه.
81 خبر: وعن النبي صلى الله عليه أنه قال: <البيعان بالخيار ما لم يفترقا إلا بيع الخيار> وفي بعض الأخبار: <إلا أن تكون صفقة خيار>.
دل على أن الخيار نجوز أن يكون اكثر من ثلثة أيام لأنه صلى الله عليه اثبت الخيار مطلقا، ولم يحد وقتا معلوما فاقتضى جواز الخيار إلا فيما استثنى من المدة المجهولة لما ذكرنا.(5/34)


82 خبر وعن عمر أنه اجرى فرسا أراد أن يشتريه فتلف فحكم شريح عليه القيمة. وهذا الخبر محمول عندنا على أن تلف بجناية منه، وحمله أبو حنيفة والشافعي على أن المبيع إذا كان فيه خيار للبائع أو للبائع والمشتري فتلف عند المشتري أنه ضامن وأنه تلزمه قيمته واستدلوا بهذا الخبر، وعندنا أن الخيار إذا كان للمشتري كان للشفيع فيه الشفعة، وإن تلف في يد المشتري فهو من مال المشتري، وإن كان الخيار للبائع أو لهما جميعا فهو من مال البائع، فإن تلف عند المشتري لم يضمن إلا ما جنا، ولا شفعة فيه أيضا فإن رده المشتري فعلفه على البائع، وإن كان مما تعلف ولبنه له إن كان مما يحلب لأنه فسخ، فإن كان مات أحد المتبايعين والخيار لهما أو لواحد منهما سقط خيار الميت، وإن ماتا جميعا والخيار لهما سقط خيارهما والخيار لا يورث عندنا. وبه قال أبو حنيفة واصحابه، قال الشافعي الخيار يورث.
وجه قولنا، أنه حق سقط يقتضي الزمان كما إذا يقضي الوقت الذي هو أمد/21/ الخيار، وسكت من له الخيار يسقط ولئن من له الخيار إذا مات سقط حقه من الفسخ دليله لو وكل وكيلا ثم مات الموكل أن الوكالة تسقط وكذلك لو مات الوكيل لم يرث ورثته وكالته، فأما من زال عقله بجنون أو غيره، ومن ارتد عن الإسلام فإن الخيار يتحول إلى أوليائهما ولا يسقظ الرجاء أن يثوب إلى المجنون عقله، وأن يرجع المرتد إلى الإسلام، فإن اسقط وليهما خيارهما ورجع المرتد إلى الإسلام، وثاب إلى المجنون عقله فلا خيار لهما لئن وليهما قد اسقطه في وقت يجوز له فيه فعله، والمرتد إن لحق بدار الحرب واقتسم ورثته ماله ثم رجع إلى الإسلام فهو احق بماله فوجب أن لا يسقط خياره إلا أن يسقطه وليه.
من باب شروط البيع(5/35)

84 / 146
ع
En
A+
A-