دل على أن الرجل إذا تزوج بامرأة ولها ول من غيره أن لا يمنعها من كفالة ولدها، إلا أن تقيم من يكفله يرضى منها ولاتها، إذا لم يكن له من يكفله، فإنه يجب عليها القيام به والكفالة له ومنع الروح لها لأن ذلك يؤدي إلى تلف الصبي.
من باب الرضاع
625 خبر: وعن زيد بن علي،عن أبيه، عن جده،عن علي عليه السلام، أن النبي صلى الله عليه، قال: لعلي عليه السلام: أما علمت أن الله حرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
626 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام، أنه قال: ما كان من رضاع في الحولين حرم.
دلت هذه الأخبار على أن حكم القليل والكثير واحد في الرضاع، وبه قال: زيد بن علي عليه السلام، والقاسم، والناصر عليهما السلام، وبه قال أبو حنيفة، وأصحابه، ومالك، وقال الشافعي: لا يحرم أقل من خمس رضعات، وحكى عن قوم ثلاث رضاعات.
وجه قولنا، قول الله تعالى في آية التحريم، {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} فعم الرضاعة والإرضاع، ولم يخص منه كثيرا من قليل، فوجب أن يكون حكم القليل منه كحكم الكثير كالخمر.
فإن قيل: روي عن ابن الزبير أنه قال: لا تحرم الرضعة فالرضعتان.
قلنا: أنه قد أجرى الإسم وهو من أهل اللفة، فلزمه ما أجرى من قوله الرضعة والرضعتان، وإذا جرى الأسم عليه، صح أن الإمرأة تسمى مرضعة بذلك، وقد روي عن أبي عمر أنه لما بلغه قول ابن الزبير، قال: قضاء الله أولى من قضائه، قال الله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} فتبين بقوله أرضعنكم أن المفهوم ما يحصل من قليل اللبن وقليله وكثيرة.
فإن قيل: روي عن النبي صلى الله عليه، أنه قال: <لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان> وروي لا تحرم المصة ولا المصتان، وكما روي الإملاجة والإملاجتان.(4/102)


قلنا: هذه الأخبار تحجج الشافعي من وجه، وهو أنه يقول بدليل الخطاب، والخطاب يدل على أن الرضعة الثالثه تحرم فإذا بيت أن الثالثة تحرم، فلا خلاف بيننا وبينه، أن الثالثة كالأولى، لأنه لا يوجب التحريم بأقل من خمس رضعات، وأيضا قوله المصة والمصتان، وإنما يحرم حصول اللبن في جوف الصبي، فيحتمل أن يكون صلى الله عليه، سئل عن المصة والمصتين، إذا لم يكن معهما لبن يعلم حصوله في الجوف، فقال: لا تحرم المصة والمصتان، ويحتمل أن يكون من سمع ذلك وله بلفظ الرضعة إعتقادا أن معناهما واحد، وأيضا فقد روي عن ابن عباس أنه سئل عما روي من قوله لا ترح الرضعة والرضعتان، فقال قد كان ذلك ثم نسخ فأخبر أنه قد نسخ.
فدل ذلك على أنه عرف التاريخ منه والنسخ.
فإن قيل: روي عن عائشة أنها قالت كان فيما أنزل الله من القرآن عشر رضعات يحرمن فينسخن بخمس معلومات يحرمن فتوفى رسول الله صلى الله عليه، ومن مما يقرأ من القرآن ولكن في صحيفه تحت السرير فلما اشتغلنا بموت رسول الله صلى الله عليه، وحلت داجن فأكلته. الداجن الناقه المحبوسه من المرعى والبقره وشبهها.
قلنا: هذا الخبر فاسد من وجوه: منها أنه لوكان من القرآن لما صنع وقد قال الله تعالى: {إنا نزلنا الذكر وأنا له لحافطون} ومنها أن رسول الله صلى الله عليه، لم بكن ليموت ولم يبلغ الناس شئاً أنزله الله عليه، وقد قال الله تعالى: {يأيها الربسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته} ومنهاأنه لايقبل كلام الأحاد ولم يرو عن غير عائشه. فصح فساد هذا الخبر وابن عباس أحق أن يؤخذ بخبره. وما روى عن رسول الله صلى الله عليه، وعن علي عليه السلام، من ذلك يبطل قولهم.
627 خبر: وعن ليث، عن مجاهد، عن علي عليه السلام، قال: يحرم قليل من الرضاع ما يحرم كثيره.(4/103)


628 خبر: وعن عقبه بن الحارث، أنه قال للنبي صلى الله عليه: يا رسول الله إني تزوجت امرأه ودخلت بها، فأتت امرأه سودا فزعمت أنها أرضعتني وامرأتي وإني أخاف أن تكون كاذبه فكيف به، وقد قيل ففارقها الرجل.
دل على أنه لايعتبر تعدد الرضاعات إذ لم يقل له إسألها عن تعدد الرضعات.
629 خبر: وعن النبي صلى الله عليه، أنه قال: إنما الرضاعه من المجاعه.
630 خبر: وعن النبي صلى الله عليه، أنه قال: إنما الرضاع ما أنبت اللحم وأنشر العظم.
دل على صحة ما قلنا لإن القليل يأخذ بقسطه من سدة الجوعه، إنبات اللحم، وإنشار العظم.
631 خبر: وعن النبي صلى الله عليه، أنه قال: لارضاعبعد فطام. وروى عنه صلى الله عليه، أنه قال: لا رضاع بعد فصال.
632 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، أنه قال: في قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} قال: الرضاع سنتان. فما كان من رضاع في الحولين حرم، وما كان بعد الحولين فلا يحرم.
دل هذا أن الخبران على أن الإرضاع بعد الحولين لا يحرم. وهو قول عآمة أهل البيت عليه السلام، وبه قال الشافعي، وأبو يوسف، ومحمد، وقال أبو حنيفه: مدة الرضاع ثلاثون شهراً أو حكى عن زفر أنه قال: ما استغني به عن الإعتذاء بغيره ولو كان ثلاث سنين. وجه قولنا، قول الله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين}، وقوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعه}.يدل على أن الرضاع/199 /قد تم بالحولين.
فإن قيل: أن الشيء إذا قارب التمام انطلق عليه إسم التمام، كما روي عن النبي صلى الله عليه، أنه قال: من أدرك عرفه فقد أدرك حجه. وكما روي من رفع رأسه من السجده الأخيره فقد تمت صلاته.(4/104)


قلنا: إن هذا يجوز أن يسمى كذلك على التوسع والمجاز في الإسم دون المسمى، ألا ترى أنه لو رفع رأسه من السجده الأخيره ثم انصرف من صلاته أن يكون مبطلا لصلاته، لقول رسول الله صلى الله عليه: تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم، فثبت أنه لايستعمل في المسمى، وأيضا فإن قولهم إذا قارب التمام يسمى تاماً وبين سنتين وثلاثين شهرا سنه وشهر، وهذا متباعد غير متقارب، وأيضا فأبو حنيفه مجمع معنا على الرضاع لايحرم في أخر السنه الثالثه فكذلك في أولها. فأما روي عن عائشه في أرضاع الكبير، فالإجماع بحجها. وكذلك ما روى من قول النبي صلى الله عليه، لسهله بنت سهيل بن عمرو، وزوجة حذيفه بن عتبه: أرضعي سالما خمس رضعات يحرم بها عليك وقد روي أنه خاص بها. وأبو حنيفه لا يعتمد عليه، واستدل يحيى عليه السلام على صحة قوله بما روي.
633 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، أن رجلا أتاه فقال: إن لي زوجه وإني أصبت خادمه فأتتها يوماً. فقالت: لقد أرويتها من ثديي فما تقول في ذلك. فقال علي عليه السلام: انطلق فأنل زوجتك عقوبه ما أبت وخذ بأي رحلي أمكن شئت لا رضاع إلا ما أنبت لحماً، ولا رضاع بعد فصال.
634 خبر: وعن عائشه، أن أفلح أخ بني القعيس إستأذن عليهافحججته ثم عرّفت رسول الله صلى الله عليه، ذلك فقال: ...... وفي بعض الأخبار لا يحجبني منه فإنه يحرم من الرضاع ما يحرم عليه وعلى أقاربه ما كان يحرم مثله من النسب، كما يحرم من المرأه وكذلك من كان من قبلها.
635 خبر: وعن النبي صلى الله عليه، أنه قال في ابنة حمزه أنها ابنة أخي من الرضاعه.(4/105)


فدل على أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. وقال يحيى عليه السلام: وإذا ارضعت المرأه زوجها في الحولين صارت أمه من الرضاعه وانفسخ النكاح بينهما ولم يجز للرجل الذي أرضعته بلبنه أن يتزوجها بعد ذلك. نص عليه في المنتخب، وقال في الأحكام له أن يتزوج بها ولا صداق لها على الصبي، لإن الفسخ كان من قبلها. أما قوله في المنتخب: لا يجوز للرجل الذي أرضعته بلبنه أن يتزوج بها بعد ذلك، فوجهه قول الله تعالى: {وحلائل أبنائكم}، وقد قال رسول الله صلى الله عليه: <يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب>، فحرمت عليه لإنها صارت حليله ابنه من الرضاعه ولاخلاف أن المرضع إذا زوج بعد/200 /الرضاع إمرأنة أنها تحرم على الذي ارضع بلبنه فكذلك الذي أرضعت بعد التزويج والعله أنها امرأه ملكها ابنه من الرضاعه يعقد النكاح. وجه قوله في الأحكام له أن يتزوجها إن كونه إبنا له من الرضاعه صادق فسخ النكاح بينه وبين المرأه فلم يحصل المرضع مالكا لعقد نكاحها مع أنه ابن من أرضع بلبنه فلم تحصل المرأه على هذا قط حليلة ابنه لإن المرضع لما صار ابنة خرجت المرأه من أن تكون حليلة له ولم يجب أن تتناوله الأيه فصار حالها حال حليلة الأجنبني لإنه قبل الرضاع أجنبي وبعد الرضاع ليست له بحليلة ابن. وبهذا قال أبو حنيفه فيما حُكي عنه.

تم الجزء الأول من تجرئة جزئين من هذا الكتاب المبارك بعد العصر من يوم السبت سادس شهر ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وألف من الهجره النبويه على صاحبها الصلاة والسلام. بخط الفقير إلى عفو الله: صلاح بن عبد الخالق بن يحيى الحسنى الحبوري وكان إبتداؤه بحبور وبلوغ هذا الموضع ببلاد الشرف الأعلى، حرس الله موضعي إبتداؤه والنهايه. آمين.
ويتلوه الجزء الثاني من كتاب البيوع إن شاء الله .
الجزء الثاني من أصول الأحكام. من كتاب البيوع
للإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان رحمه الله تعالى.(4/106)

77 / 146
ع
En
A+
A-