قلنا: لا يجب أن يراعي دفع الضرر في كل وجه، إلا ترى أن المعسر إذا كان له ابن معسر وأخ مؤسر، أن النفقة تسقط عن كل واحد منهما، فكذلك إذا كان غير وارث لبعض أرثه، قال: ولو كان له ابنان، أحدهما مؤسر، والأخر معسر، حكم بنفقته على ابنه المؤسر في الروايتين جميعاً وذلك لإن للوالدين مزيّه ليست لغيرهما من الأقارب ألا ترى أن نفقتهما واجبه، وإن كانا كافرين وقد قال الله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} وقول المؤيد بالله والمتوكل على الله سلام الله عليه، وعلى آبائه الطاهرين، والمعمول عليه أن على أخيه الموسر ثلاثه أرباع النفقه ويسقط الربع لإن النصف الذي على الموسر فجمع عليه والنصف الأخر مختلف فيه فقسم نصفين فنصف على الموسر ونصف يسقط قياساً على مدعيين الشئ وليس معهما بينه فإنه يقسم نصفين وقياساً أيضا على رجلين إدعيا مالا في يد غيرهما فأدعى أحدهما الكل والأخر النصف أنه يحكم لمدعي الكل بثلاثه أرباع.
من باب نفقة الرضيع
620 خبر: وعن النبي صلى الله عليه، أنه قال: لا توله والده بولدها. ونهى صلى الله عليه،عن التفريق بين الإمرأة وولدها في السبي
دل على أن أم الولد أحق بإرضاعه فإن كانت مطلقه فلها الأجره، لقول الله تعالى: {فإن أرضعن لك فأتوهن أجورهن} فإن لم ترد إرضاعه وجب عليه أن ترضعه اللبى إلى ثلاثه أيام ثم يسترضع له أبوه أو وارثه من شاء، لقول الله تعالى: {وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى} وقلنا أن عليها أن ترضعه اللبى. لقول الله تعالى: {ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك} وأما الوارث فيلزمه النفقه إذا لم يكن للمولود مال وأن كان له مال بنفق عليه من ماله.
621 خبر: وعن أبي هريره، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه، فقال: معي دينار. قال أنفقه على نفسك، ثم قال معي آخر. قال: أنفقه على أهلك، ثم قال: معي آخر. قال: أنفقه على ولدك. ثم قال معي آخر. قال أنفقه على عبدك. ثم قال في الخامسه: أنت أعلم.(4/97)


دل على وجوب نفقة الولد على والده، وسواء كان الولد غنيا أو فقيرا، لإن الخبر عام في الغني والفقير، فعلى الأب نفقته إلى أن يبلغ هذا، إذا كان الأب موسراً فإن كان معسراً /195 / ولولده مال أنفق عليه وعلى والده من مال ولده، وذهب أكثر الفقهاء إلى أن نفقة الولد من ماله إن كان له مال كان الأب موسراً أو معسراً. وجه قولنا، قول الله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا أياه وبالوالدين إحسانا... إلى قوله واخفض لهما جناح الذل من الرحمه وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} ووجه الإستدلال بالأيه أنّ الله تعالى أمر الإنسان أن يجزي والديه على برهما، وإحسانهما، وتربيتهما له، وإذا كانت نفقته من ماله فلا إحسان لإبيه إليه، و لابر يجزيه عليه، ولا تربيه أيضاً، لإن أمه هي التي تولت خدمته وتربيته. وقد ذكر الله تعالىالوالدين جميعا بالتربيه. فصح أن تربية الأب هي الإنفاق عليه، وعلى أمه ويؤيد ذلك قول الله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} ثم قال بعد ذلك: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} وهذا عامٌ في المرضعات الزوجات والمطلقات وفي الأولاد الذين لهم مال والذين لا مال لهم.
من باب الحضانة
622 خبر: وعن عبدالله بن عمرو بن شعيب، عن جده، أن النبي صلى الله عليه، سألته امرأه فقالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثدي له سقاء، وحجري له حواء، وأن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها النبي صلى الله عليه: أنت أحق به مالم تنكحي.(4/98)


دل على أن أم الصبي أولى بحضانته إلى أن يطبق الأدب. وقال يحيى عليه السلام، إلى أن يعقل، ويطبق الأدب. وقال في المنتخب: إلى أن يعقل، ويقوم بنفسه. فسره أبو العباس الحسني رحمه الله. فقال: هو أن يأكل بنفسه ويشرب ويلبس بنفسه. ويكون الأب أولى به، وبه قال أبو حنيفه، ولاخلاف في أن أم الصبي أحق بحضانته مالم تتزوج، وعلىهذا إن طلقها الزوج الثاني لا تعود لها الحضانه. ولا لإمها لأنها في منزلتها، وقال الشافعي، وأبو حنيفه: تعود لها الحضانه. وقول النبي صلى الله عليه، للإم: أنت أحق به مالم تنكحي.
يدل على أن الجدات أولى بالحضانه إذا ماتت الإم من الأب، وأقربهن أم الأم، ولاهن أمهات ولاخلاف في ذلك.
623 خبر: وعن علي عليه السلام، وجعفر عليه السلام، وزيد بن حارثه، أنهم اختصموا في ابنه حمزة عليه السلام، فقال علي عليه السلام، عندي ابنة رسول الله صلى الله عليه، وهي أحق بها. وقال جعفر عليه السلام، عندي خالتها وهي أحق بها، فقضى النبي صلى الله عليه، بأن تكون مع جعفر عليه السلام عند خالتها. وقال: إنما الخاله أم.(4/99)


دل على أن الخاله أحق بحضانة الصبي بعد الجده من الأب. لقول النبي صلى الله عليه:<الخاله أم>. وقد ثبت أن الأم أولى بالحضانه من الأب. وهذا الخبر هو الذي استدل به يحيى عليه السلام، في المنتخب من أن الخاله أولى بحضانة الصبي من أبيه بعد الجده، وقال في الأحكام/196 / فإن لم يكن جده والأب فإن لم يكن أبٌ، فالخاله، وبه قال الشافعي في أحد قوليه. ولاخلاف أن الجدان أولى من الأب. وقال أبو حنيفه: لا تصير الحضانه إلى الأب تعود إلى العصبه وينقطع عن النساء. وجه قوله عليه السلام، في الأحكام أن الأب أولى من الخاله وهو: أنه اجتمع له حق الولاده والحضانه، والولايه، والخاله تدلي بالأم وهو لا يدلي بأحدٍ غير نفسه، وما ذكره يحيى عليه السلام في المنتخب من قوله أنها إن لم تكن خالة الأقرب فالأقرب من قبل الأب. والمراد به إذا انقطعت حضانة النساء وذلك في الذكور فأما الإناث فلا حضانة لغير المحرم عليهم والخال والأخ للأم أولى منهم. وقال في الأحكام: الأقرب فالأقرب ولم يقيد بالأب. وتحصيل المذهب على ما خرجه أبوالعباس الحسني رحمه الله، أن من كان يدلي بالأم أولى بالحضانه ممن يدلي بالأب، لإنه قد ثبت أن الأم أولى من الأب بالحضانه وعلى هذا أن الأخت للأم أولى بحضانه الصبي من الأخت للأب، وبه قال أبو حنيفه خلافا للشافعي.(4/100)


624 خبر: وعن أبي هريره، قال: جاءت امرأه إلى النبي صلى الله عليه، فقالت: يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بإبني وقد سقاني من بير أبي عنبة، وقد نفعني، فقال رسول الله صلى الله عليه: إستهما عليه، فقال زوجها من يحاجني في ولدي، فقال النبي صلى الله عليه: هذه أبوك وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت، فأخذ بيد أمه فانطلقت به، المراد بهذا الخبر، أن الصبي كان مراجعها في حكم البلوغ لوجهين، أحدهما أن الصبي إذا لم يبلغ هذا الحد، فلا حكم لخييره، ولا فعل له يحكم له أو عليه، ولو كان لفعاله في حال صغره، حكم ما كان لأبيه الولاية عليه، والوجه الثاني أن أمه قال: قد سقاني من بير أبي عنبة، ونفعني، ومن العرف أنه لا يفعل ذلك الأمر قد بلغ، أو مراهق، فعلى هذا إذا كان الصبي قد بلغ أو مراهق فهو مخير بين أبيه وأمه فأما إذا لطاق الأدب، ولم يبلغ هذا الحد، فأبوه أولى به بلا تخيير، ولأنه دلته ووالده، وقد انقطع حق الأم من الحضانة بكونه مطيقا للأدب، فإن كان قد مات أبوهه خير بين أمه وعصبته، وبه قال الشافعي: يخير بين أمه وأبيه، وقد قدمنا الإحتجاج عليه.
فإن قيل: روي عن عمارة بن رفيعة أننه قال: قتل أبي، فجاء .......... عمي أتى فيّ إلى علي عليه السلام، ومعي أخ لي صغير فخيرني علي عليه السلام، فاخترت أبي، وقال لو بلغ هذا لخيرته، وفي بعض الأخبار عن عمارة، أنه قال: كنت ابن سبع وسنتين، أو ثمان، قلنا يجوز التخيير بين الأم والعم، لأن العم بدل الأب، والأم تدل بنفسها، وهذا لا معرض علينا فيه، هذا إذا كانت قد تزوجها، فإما إن لم تزوج فهي أولي به بلا تخيير، والخبر محمول عندنا على أنها قد كانت تزوجت/197/.
624 خبر: وعن الهادي إلى الحق عليه السلام يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه، أنه لما تزوج بأم سلمه، أقام من تكفل ولدها ترضى منها.(4/101)

76 / 146
ع
En
A+
A-