وجه قولنا، قول الله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم... الأيه}. فلم يفصل عن من يصلح للجماع وبين من لايصلح وكذلك الخير ولإنها لم يأت المنع من فأشتهت المريضه. وقول النبي صلى الله عليه: <بالمعروف>. وهو ما يعرف من حاله وحالها ولايسرف ولايقتر. وقد قال الله تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا}، والغني يكون بالقليل مقترا، والفقير يكون بالكثير مسرفا. والنفقة مقدره على حسب أحوال الناس، وعاداتهم، وبلادهم وبحسب الفقير والغني. قال الله/191 / تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لايكلف الله نفسا إلا ما أتاها}.
611 خبر: وعن عبيد الحميد بن عبدالله بن أبي عمرو بن حفص، أنه سأل عن طلاق جده أبي عمر فاطمه بنت قيس. فقال: طلقها البته ثم خرج اليمن ووكل عياش بن أبي ربيعه فارسل عياش بن أبي ربيعه ببعض النفقه فسخطتها، فقال لها عياش: مالك علينا من نفقه ولاسكنى، فسألت رسول الله صلى الله عليه، فقال: ليس كل نفقه ولاسكنى ولكن متاع بالمعروف.
ودل على أن لها النفقه بالمعروف. ددل على أن الذي .....هو الزايد على ما بعث به إليها.(4/92)
612 خبر: وعن أبي بكر بن أبي الجهم، قال دخلت أنا وأبو خيثمه إلى فاطمه بنت قيس، فحدثت أن زوجها طلقها طلاقا بائنا وامرأته يرسل إليها نفقتها خمسه أوساق، فأتت النبي صلى الله عليه، فقالت: إن زوجي طلقني فلم يجعل لي السكنى ولا النفقه. وفي بعض الأخبار أن أبا بكر بن أبي الجهم قال: سمعت ...... يقول أرسل زوجي أبو عمرو بن حفص، عياش بن أبي ربيعه بطلاقي فأرسل إليّ خمسه أصواع من شعير وخمسه أصواع من تمر. وهذا الخبر محمول عندنا على أنه بعث بعشره اصواع أولى ثم أكمل خمسه أوسق بعد ذلك فأخبرت تاره عما حمل إليها أولاً، وأخبرت تاره عما أكمل بإليها ثانيا. وهذه الأخبار تدل على وجوب نفقتها وانها طلبت العاده فلم يحكم بها وذهب أبو حنيفه إلى أن لها النفقه والسكنى، وقال الشافعي: لا نفقة لها ولها السكنى، وذهبت الإماميه إالى أنها لانفقة لها ولاسكنى. وجه قولنا، قول الله تعالى: {فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} وولم يستثن منهن الثاني فوجب أن يكون لها النفقه ولاخلاف في أن الحابل والحامل في هذا سواء وقول النبي صلى الله عليه: < ولكن متاعا بالمعروف> فأما أخبار فاطمه بنت قيس فقد روي.
613 خبر: عن عمر، أنه قال: لما روت فاطمه بنت قيس أن النبي صلى الله عليه، قال لها: لانفقة لك، لاتدع كتاب ربنا وسنة نبينا تقول امرأه لاتدري اصدقت أم كذبت.
فدلت على أنه عرف وجوب نفقة المطلقه البائن من الكتاب والسنه . فأما التي طلقت طلاقا رجعياً فلا خلاف في وجوب النفقه لها والسكنى.
614 خبر: وعن الشعبي، قال: دخلت على فاصمه بنت قيس بالمدينه فسألتها عن قضاء رسول الله صلى الله عليه، فقالت: طلقني زوجي البته فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه، في السكنى والنفقه فلم يجعل لي سكنى ولانفقه، وأمرني أن أعتد في بيت أم كلثوم. وفي حديث مجالد، أنه قال: يا ابنة قيس إنما السكنى والنفقه لمن كانت له الرجعه.(4/93)
دل هذا الخبر على أن المبتوته لاسكنى لها. وأما ذكر النفقه فقد بينا وجوهها بقوله صلى الله عليه: <ولكن متاعاً بالمعروف>، ولإن النفقه إنما وجبت لها في العده من أجل حبسه لها عن الأزواج/192 /فأما السكنى فلا حق له عليها يلزمها به ولإنها قد صارت كالأجنبيه ولا يجوز له أن يساكن الأجنبيه وقد قال تعالى: {اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} فدل على أنه يسكنها حيث يسكن. فالمعنى اسكنوهن حيث سكنتم ومن زايده، فصح أن المراد بقوله: {اسكنوهن} يعني من يجوز له الرجعه عليها، ولإن السكنى لها، حق له إلا ترث إنها لو أبرأته من السكنى كان له أن يطالبها أن تسكن حيث يسكنها وليس كذلك لو ابرأته النفقه فصح أن النفقه حق لها والسكنى حق له ولم يبق له على المبتوته حق يطالبها به. وأما قول الله تعالى: {لاتخرجوهن من بيوتهن ولايخرجن} فهذا خاص في المطلقه طلاقا رجعياً. يدل على ذلك قول الله تعالى: {لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} وقد روي في التفسير أن ذلك الأمر هو الرجعه والمراد به الأسباب الداعيه إلى الرجعه.
615 خبر: وعن الشعبي، عن علي عليه السلام وعبدالله بن مسعود، أنهما أوجبا النفقه للحامل المتوفي عنها زوجها.
616 خبر: وعن ابن عمرو مثله.
617 خبر: وعن ابن عباس في قول الله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لإزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج}. قال كان الرجل بإذا مات وترك زوجته إعتدت سنه في بيته ينفق عليها من ماله فأنزل الله تعالى: { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأننفسهن أربعة أشهرٍ وعشرا}.
دلت هذه الأخبار على وجوب النفقه للمتوفي عنها زوجها مما ترك ما دامت معتده منه. وجه الإستدلال ..... ابن عباس أن النفقه لم ُتنسخ في العده وإنما نسخت الأيه العده.
فإن قيل: روي عن ابن عباس، أنه قال: في قوله تعالى: {متاعا إلى الحول} نسخ ذلك بالميراث .
قلنا: أن يكون نسخ الرايد على أبعه أشهر وعشرا بالميراث.(4/94)
فإن قيل: ففي الخبر ذكر الحامل فلم جعلتموه عاماً.
قلنا: لإنه لافرق بينهما والخبر محمول على أن أمير المؤمنين عليه السلام، سئل عن المتوفي زوجها الحامل في امرأة بعينها. فأجاب فيها هذا الجواب. ولم يسأل عن الحائل فرواه الراوي في الحامل ولافرق بين الحامل والحابل وبه قال إبراهيم، والزهري، وسفيان، وابن أبي ليلى، وذهب عآمة الفقهاء إلى أنها لانفقة لها. وقد قدمنا الإحتجاج ولإنها ممنوعه بسببه من الأزواج.
من باب نفقة المعسر على قريبه المؤسر
618 خبر: وعن النبي صلى الله عليه، أنه قال: أنت ومالك لإبيك.
دل على أن للإب أن يتصرف في مال ابنه بحسب حاجته إليه أو طلب الصلاح ولاخلاف أنه ممنوع عما زاد على حاجته، وإذا كان ذلك كذلك فنفقة الوالدين إذا كانا معسرين لازمه في مال ولدهما وسواء كانا كافرين أو مسلمين وكان الولد صغيراً /193 / أو كبيراً، ذكراً أو أنثى، ويدل على ذلك قول الله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا}، ومن الإحسان إليهما النفقه عليهما وقول الله تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً} فدل على لزوم نفقتهما إذا كانا معسرين وكان ولدهما موسراً وهذا خاص في الوالدين فأما سائر الأقارب فلا يلزم مسلماً لكافر نفقه، ويدل على ذلك قول اله تعالى: {لاتضآر والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك} دلت هذه الأيه على النهي عن المضآره وعلى وجوب النفقه للولد والوالد والوالده بشرط الإعتبار على الموسر. ودلت على وجوب النفقه على الوارث. ودلت على أن الكافر لانفقة له على المسلم إلا الوالدين ولاخلاف في وجوب نفقة الوالدين إذا كانا معسرين على ولدهما الموسر مسلمين كانا أو كافرين، إلا أن الشافعي قال: في أحد قوليه إذا كانا صحيحين لم تجب لهما نفقه.(4/95)
619 خبر: وعن عطاء وإبراهيم أن تأويل قوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك} المراد به أن الوارث منهي عن الإضرار بقريبه ولا مضارة تخص في هذا إلا تركة الإنفاق.
فدل على وجوب النفقة على المؤسر لقريبه المعسر.
وقلنا لقريبه لأنه لا خلاف في أن الزوجة وولي النعمة لا تجب عليهما النفقة، وإن كانا وارثين، والإجماع كاف. وقال أبو حنيفة: تجب النفقة على كل ذي رحم محرم إذا كان من أهل الميراث، والشافعي: قصرها على الولادة فقط.
وحكى عن الناصر عليه السلام مثل قول الشافعي واعتبر أبو حنيفة أن يكون المنفق عليه مع......... أو زمنا أو أنثى.
وحكى عن الأوزاعي: أنها على العصبة دون النساء.
وحكى عن ابن أبي ليلى، وأبي ثور أنها يلزم كل وارث بحسب، وهو قول الحسن بن صالح، وإسحاق، وأحمد.
وجه قولنا، ما تقدم ولا فرق بين الأخ وغيره من الأ,لاد إذا كان وارثا، وأيضا فإن ابن العميرث وليس بذي رحم محرم والحال لا يرث وهو ذو رحم محرم فاقتضى قول أبي حنيفة وأصحابه خلاف ظاهر الآية، فإن قيل روي عن رسول الله صلى الله عليه أنه قال: <لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيبة من نفسه> وروي عنه صلى الله عليه أنه قال: <ليس في المال حق سوى الزكاة> قلنا هذا الخبر لا يخص موضع الخلاف ولا خلاف أن نفقة الوالدين المعسرين السقيمين في المال حق فكذلك سائر الحقوق.
وقال يحيى عليه السلام في الأحكام: وإذا كان للمعسر أخوان أحدهما مؤسر والأخر معسر حكم بنفقته على أخيه المؤسر. وقال في المنتخب: يحكم على المؤسر بنصف نفقته.
وجه قوله في الأحكام أن الإيسار شرط في وجوب النفقة كالإرث والنسب فلما زال هذا الشرط عن المعسر صار كالمعدوم فصار كأنه ليس له غير هذا الأخر فوجب/194/ عليه إتمام النفقة وصار الأخر الآخر كالمحجوب في سقوط النفقة عنه.
وجه قوله في المتخب أن الأخوين لوكانا مؤسرين للزم كل واحد منهما نصف النفقة، فكذلك إذا كان أحدهما معسرا.
فإن قيل: فإنه يجب عليه دفع الضرر.(4/96)