دلت هذه الأخبار على أن اللعان جعل عوضا عن الحد وأن من كان يجلد لها القاذف من الأجنبيات كذلك يلاعن بينهما إذا كانت من الزوجات وقد يبنت أنه لا تحد الأمه، ولا للكافره، وكذلك الفاسقه المعروفه بالفسق، معناه بالزنا فقط، وولا للصغيره، ولا للمجنونه، لقول الله تعالى:{والذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات}.
فدل على أن الأمه ليست من المحصنات، ويدل على ذلك قول الله تعالى:{فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} وكذلك الكافره والفاسقه ليستا ممن أراد الله بالأيه لقوله: {الغافلات المؤمنات} والصغيره، والمجنونه، لاحكم عليها فصح ما قلنا، وقول أبي حنيفه مثل قولنا، إلا في العبد إذا كان تحته حره فإنه قال: لا لعان بينهما وقد دللنا على أن اللعان جعل بدلا من الحد ويؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه: <لولا ما مضى من الحد> فسمي اللعان حدا والحره تجد لها العبد فكذلك يلاعن بينهما.
فإن قيل فقد قال رسول الله صلى الله عليه:<ولا بين العبد وامرأته>.
قلنا: المراد به إذا كانت مملوكه لما بينا من الدلائل ألا ترى أن العبد يحد لها إذا قذفها وليست له بزوجة فكذلك اللعان. وقال الشافعي: كل من صح طلاقه صح لعانه وقد دللنا على فساد قوله من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه بما فيه كفاية.
598 خبر: وعن النبي صلى الله عليه أنه لاعن لنفي الولد/188/ وهي بعد حامل.
دل على أن الرجل إذا نفى حمل امرأته نظر الإمام في نفيه، فإن كان قذفها قذفا صريحا لاعن بينهما متى رفعا إليه قبل وضعها أو بعده، وإن نفى الولد لا غير لم يلاعن بينهما حتى تضع، فإن وضعت لأقل من ستة أشهر من يوم نفي الحمل لاعن بينهما، وإن وضعته لأكثر من ستة أشهر من يوم نفاه لم يلاعن بينهما، وبه قال أبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة لا يلاعن، وإن قد ولدت بعده بيوم أو أكثر. وقال الشافعي: يلاعن على الأحوال كلها. وحكى مثله عن مالك.(4/87)


وجه قولنا، أنه لا يحصل اليقين بصحة الحمل إلا بأن تصع لأقل من ستة أشهر من يوم نفاه، وإن وضعته لأكثر من ذلك فلم يحصل اليقين بحصول الحمل يوم نفيه.
فإن قيل: فقد روي عن النبي صلى الله عليه أنه لاعن لنفي الولد وهي تعد حامل.
قلنا: في الخبر ما يدل على أنه فذفها بالزنا قذفا صريحا ومن فعل ذلك لزمه اللعان كانت امرأته حاملا أو حائلا.
599 خبر: وعن النبي صلى الله عليه أنه قال للذين لاعن بينهما: <إن الله يعلم إن أحدكما كاذب فهل منكما تائب> وقال: <للزوج اتق الله> وكذلك للمرأة حين قال لها: <إن كنت اذنبت ذنبا في الدنيا فإن رحمك بالحجارة أهون عليك من غضب الله في الآخرة>.
دل على أن الإمام والحاكم يعظهما ويحذرهما، فإن نكل الزوج ورجع وأكذب نفسه جلد لها ثمانين جلدة، والحق الولد به، وإن نكلت المرأة رجمت. وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة يحبس الناكل حتى يقر فيقام عليه الحد أو يلاعن.
وجه قولنا، أن نكلت رجمت فالدليل عليه قول الله تعالى: {يدرء عنها العذاب أن تشهد.. الآية} وإذا لم تشهد لم يدرء عنها العذاب هو الحد لقول الله ت\عالى فإذا .... بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} ويدل على أنها ترجم إذا نكلت قول النبي صلى الله عليه لما وضعت خلوة بنت عاصم على الصفة المنكرة: <لولا كتاب من الله سبق لكان لي فيها رأي> قيل وما الرأي قال: <الرجم بالحجارة>.
فدل على أنها كان يلزمها الرجم لولا لعانها ............ أنه لو أتى عليها ببينة ولم تدل هي بحجة أنها ترجم فكذلك إذا تكلت ولا خلاف في أن الولد يلحق به إذا نكل.
600 خبر: وعن سعيد بن خيبر، قال: قضى رسول الله صلى الله عليه، في أخت بني عجلان إذ لاعنت زوجها أن فرق بينهما وجعل لها المهر.(4/88)


دل على أن الحاكم هو الذي يفرق بينهما، والأخبار المتقدمه أيضا توضح أن النبي صلى الله عليه، فرق بين المتلاعنين فكذلك لايقع الفرقه بينهما إلا بتفريق الحاكم بينهما وبه قال أبو حنيفه، وأبو يوسف، وقال الشافعي: يقع بنفس اللعان، وهو قول زفر والوجه ما تقدم من الأخبار ولإن جعل واحد منهما يصحح ما تكلم به ويكذب صاحبه ولو صح قوله بالبينه لم يقع الفرقه بذلك فكذلك إذا لاعنها ولا خلاف/189 / بيننا وبين الشافعي في أن الإيلاء لايوجب الفرقه فكذلك اللعان والشافعي يذهب إلى أن الفرقه تقع بلعان الرجل و يذهب إلى أن الفرقه تقع بفراغ المرأه من اللعان وإذا كانت الفرقه تقع بفراغ الرجل فلا لعان على المرأه لإنها قد صارت أجنبيه وكذلك القول لزفر ولا فرق بين لعانها ولعانه لإن كل واحد منهما تصح دعواه.
601 خبر: وعن ابن شهاب، أن سهل بن سعد الساعدي، أخبره أن عويمر العجلاني لما فرغ من لعان امرأته قال: كذبت عليها يا رسول الله ان أمسكها فطلقها عويمر ثلاثا.
فدل هذا الخبر على أن الفرقه لم تكن وقعت بنفس اللعان .... النبي صلى الله عليه، على قوله.
602 خبر: وعن عكرمه، عن ابن عباس، في لعان هلال بن أميه وامرأته أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرق بينهما والحق الولد بأمه.
603 خبر: وفي حديث سهل بن سعد، وكان يدعي الولد لإمه.
دلت هذه الأخبار على أن الولد يلحق بأمه وأن الحاكم هو الذي يفرق بينهما، ولإن إلحاق الولد بالأم أحد الحكمين ولم يفرق أحد بينهما.
604 خبر: وعن عكرمه، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه، فرق بين هلال بن أميه وزوجته وقضى أن لايدعي ولدها ولايرمي ولدها ومن رماها أو رمى ولدها ف عليه الحد وقضى .....لها ولا فوت من أحل أنهما يفترقنا من غير طلاق ولا متوفي عنها زوجها .
دل على أن فرقه اللعان فسخ وليست بطلاق. لقوله: يتفرقان من غير طلاق وبه قال الشافعي، وأبو يوسف، ومحمد، وقال أبو حنيفه: هي طلاق.(4/89)


605 خبر: وفي حديث ابن عباس، ان النبي صلى الله عليه، قال للمتلاعنين لما فرق بينهما : لاتجتمعان إذاً إلى يوم القيامه.
606 خبر: وفي حديث سهل بن سعد، قال: حضرت النبي صلى الله عليه، حين لاعن بينهما فقضت السنه بينهما أن يفرق بينهما، ولا يجتمعان إذاً.
607 حبر: وفي حديث ابن عمر، قال: قال النبي صلى الله عليه،للمتلاعنين: حسابكما على الله أحدكما كاذب لاسبيل لكل عليها.
608 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام، أنه قال:إذا فعلا ذلك. يعني تلاعنا فرق الحاكم بينهما فلم يجتمعان إذاً.
دلت هذه الأخبار على المنع من إجتماع المتلاعنين قطعاً أبداً، على كل حال وهو قول الهادي إلى الحق عليه السلام في الإحكام وبه قال الشافعي، وأبو يوسف، ومالك،
وقال يحي عليه السلام، في المنتخب: إلا أن يكذب الزوج نفسه ويظهر التوبه فيقام عليه الحد .... ويجوز لهما أن يجتمعا بتزويج جديد، والحق الولد به، وبه قال أبو حنيفه،ومحمد.
وجه قولنا، في الأحكام الوارده ذلك، وذكر التأييد عام في كل الأحوال ولإنه أكذب نفسه بعد التحريم فأشبه من أيقن بالرضاع ثم يكذب نفسه. ووجه قوله في المنتخب أن الزوج إذا أكذب نفسه ثم ارتفع حكم اللعان بدلالة أنه يحد والولد يلحق به يقاس على التحريم بإختلاف الدينين، والأخبار الوارده بهما لايجتمعان إذاً أبداً، فحملوه على أنهما لايجتمعان مادام حكم اللعان باقيا. قال الهادي إلى الحق عليه السلام: /190 / لو أن رجلا قذف زوجته برجل بعينه فله على زوجها الحد، وقال الشافعي يسقط عنه الحد.
وجه قولنا، قول الله تعالى: {والذين يرمون المحصنات...الأيه} ولا خلاف بين المسلمين في أن حكم الذكور والأناث في ذلك سواء ولإنه لو قذفه مطلقا أو قذفه بغير زوجته أن الحد يلزمه بالإجماع فكذلك إذا قذفه بزوجته.
فإن قيل: لم يرد في الأخبار أن هلال بن أميه حُد لشريك بن سحماء.(4/90)


قلنا: إن الحد لايجب حتى يطالب المقذوف به فيجوز أن يكون شريك لم يطالب به.
609 خبر: وعن النبي صلى الله عليه، أنه قال: الولد للفراش والعاهر للحجر.
دل على أن المقذوف لو إدعى الولد لم يلحق به ويسقط الحد عن القاذف بإدعاء المقذوف الولد. قال يحي عليه السلام، في المنتخب: وللرجل ا، يلاعن المرأه ما دامت في عدته سواء كانت العده من طلاق رجعي، أو بائن. وهذا يدل على أن فرقة اللعان فسخ عنده، لإن الطلاق لايتبع الطلاق. ووجه قوله أنه يلاعنها ما دامت في عدته أن حكم الفراش باق عليه له ولإنه لو كان لايلزمها اللعان لكان يجب عليها الحد. وقد قال رسول الله صلى الله عليه: <إدرؤو الحدود ما استطعتم>.
من باب النفقات وباب نفقة الزوجات
610 خبر: وعن ابن أبي ضمره، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام، أن رسول الله صلى الله عليه، خطب يوم النحر بمنى في خطبة الوداع، فقال: استوصوا بالنساء خيراً، إلى أن قال: فلهن عليكم من الحق نفقتهن وكسوتهن بالمعروف.
دل هذا الخبر على وجوب نفقة الزوجات سواء كانت الزوجه صغيره، أو كبيره، مدخولا بها، أو غير مدخول بها، إلا الناشزه الممتنعه من تسليم نفسها إلى زوجها فإنها لا نفقه لها بالإجماع. وهذا إذا كان مع الممكن.
وقال القاسم عليه السلام: إن منعت نفسها لإقتضاء مهرها لم تسقط نفقتها، وهذا مجهول على أن ذلك قبل الدخول، فأما بعد الدخول فليس لها أن تمنع نفسها لإقتضاء مهرها وبه قال أبو حنيفه، والوجه أنها ممتنعه بمعصيه له فأشتهت المحرمه بإذنه، وقال أبو حنيفه: تجب النفقه لمن صلحت للجماع سواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها، وبه قال الشافعي في أحد قوليه، وقوله الأخر مثل قولنا.(4/91)

74 / 146
ع
En
A+
A-