دل هذان الخبران على أن الكفارة إنما كانت للظهار لا للإفطار وعندنا أن من أفطر في رمضان متعمداً بجماع أو غيره أنه يجب عليه القضاء والتوبة والاستغفار ولاتجب عليه الكفارة ونقيس الصوم بالصلاة وذلك أن من قطع الصلاة متعمداً أنه يجب عليه التوبة والاستغفار والقضاء ولاكفارة عليه فكذلك الصيام وهذا القول هو مذهب الهادي إلى الحق والناصر عليهما السلام وهو قول ابن عليه وابن المسيب وابن جبير والنخعي وأوجب القاسم /99/ عليه السلام فيه الكفارة على المجامع خاصة، وهو قول الشافعي وذهب أبو حنيفة إلى أن الكفارة واجبة على من أكل مايغتذى به أو جامع في الفرجين، وذهب مالك والإمامية إلى أن الكفارة واجبة على من أفطر متعمداً بأكل أو شرب أو جماع أو غيره، واستدلوا بأخبار روييت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، منها: أنه روي أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (( إني أفطرت يوماً في رمضان )) فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( تصدق واستغفر وصم يوماً مكانه )) . وبماروي عن أبي هريرة أن رجلا أفطر في ررمضان فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يكفرر بعتق أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكيناً فقال: لا أجد. فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعرق فيه تمر فقال: (( خذ هذا فتصدق به )) . فقال: يارسول الله لا أجد أحداً أحوج مني إليه، فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت أنيابه فقال: (( كله )) .(2/67)


64 خبر: وروي أيضاً عن أبي هريرة أنه قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاءه رجل فقال: يارسول الله هلكت. فقال: ويلك مالك؟ قال: وقعت على أهلي وأنا صائم في رمضان. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( هل تجد رقبة تعتقها؟ )) فقال: لا. قال: (( فهل تجد أن تطعم ستين مسكيناً؟ )) قال: لا. فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أتى بعرق فيه تمر فقال: (( خذ هذا فتصدق به )) . فقال: مابين لابتيها أفقر من أهل بيتي. فذحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: (( اطعمه أهلك )) .
65 خبر: وبما روي عن مجاهد أنه قال: أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي أفطر يوماً من رمضان بمثل كفارة الظهار.
66 وبما روي عن سعيد بن المسيب أن أعرابياً أتى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ينتف شعره ويضرب صدره ويقول: هلكت. قال: (( ماأهلكك؟ )) قال: وقعت على أهلي وأنا صائم. قال: (( اعتق رقبة )) . قال: لا أجد. قال: (( اهد هدياً )) . قال: لاأجد. قال: (( اجلس )) فجلس فجاء أعرابي بمكيل فيه نحو من عشرين صاعاً من تمر فقال: هذه صدقة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( خذه فتصدق به )) . فقال الأعرابي: مالأهلي من طعام. فقال: (( خذه أطعمه أهلك )) .
67 خبر: وبما روي عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إني أتيت أهلي في رمضان من غير سفر ولامرض. قال: (( بئس ما..... أعتق ررقبة )) . قال: لا أجد رقبة. قال: (( انحر هدياً )) . قال: لا أجد. قال: (( تصدق بعشرين صاعاً من تمر )) . قال: ماهو عندي. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( هو عندنا فنحن نعطيك )) فأمر له بعشرين صاعاً من تمر أو بواحد وعشرين صاعاً من تمر. وقال: (( تصدق بهذا )) . قال: على من يارسول الله مابين لابتيها أفقر مني ومن أهل بيتي. قال: (( فاذهب هو لك ولأهل بيتك )) .(2/68)


ونحن نعاررض هذه الأخبار بأنها مختلفة ففي بعضها ذكر التخيير وفي بعضها ذكر الترتيب وفي بعضها نحر بدنة وفي بعضها أن يتصدق بعشرين صاعاً وفي بعضها أنها مثل كفارة الظهار وإذا كانت مختلفة فلا حكم لها غير الاستحباب أو يكون السائل مظاهراً على ماتقدم في حديث سلمة بن صخر.
68 خبر: وعن ميمونة بنت سعيد قالت: سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن القبلة للصائم، فقال: (( أفطرا جميعاً )) .
دل هذا الخبر على أن من قبل فأمنى فسد صومه ووجب عليه القضاء وكذلك /100/ من نظر أو تفكر فأمنى والمراد بالخبر هاهنا إذا كان مع القبلة إنزال لماجاء من ترخيص النبي صلى الله عليه وآله وسلم للشيخ في القبلة ونهيه للشاب عن القبلة.
69 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( العينان تزينان، واليدان تزينان، ويصدق ذلك ويكذبه الفرح )) .
دل على أن حكم العينين حكم اليدين في استدعاء الشهوة، وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أن من أنزل من النظرر رلم يفسد صومه، ووافقانا في القبلة واللمس، وقول مالك والحسن بن صالح في النظرر مثل قولنا.
70 خبر: وعن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليه السلام، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورأسه يقطر فصلى بنا الفجر في شهر رمضان وكانت ليلة أم سلمة ..... فسألها. فقالت: نعم كان جماعاً من غير احتلام فأتم صوم ذلك اليوم ولم يقضه.
71 خبر: وعن أببي يونس مولى عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو واقف على الباب وأنا أسمع: يارسول الله إني أصبح جنباً وأنا أريد الصوم. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (( وأنا أصبح جنباً وأنا أريد الصوم فأغتسل وأصوم )) . فقال: يارسول الله لست ....... وقد غفر الله لك ماتقدم من ذنبك وماتأخر فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: (( والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم مما أتقي )) .(2/69)


لنا: دل هذان الخبران على أن من أصبح جنباً أنه لايفسد ذومه، وذهبت الإمامية إلى أنه يفسد صومه واستدلوا بماروي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( من أصبح جنباً فلاصوم له )) والاحتجاج بهذا لايصح وذلك أن في الحديث أن عائشة أنكرت ذلك لمابلغها وقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصبح جنباً من غير احتلام ثم يصوم يومه فلما سمعه أبو هريرة قال: كنت أسمع من الفضل بن العباس فأحال الحديث على الميت بعدما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبطل قول الإمامية.
72 خبر: وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ثلاث لايفطرن الصائم: القيء والحجامة والاحتلام )) .
73 خبرر: وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتجم بين مكة والمدينة صائماً محرماً.
74 خبر: وعن الحسين بن علي عليهما السلام أنه احتجم وهو صائم.
ذهب قوم إلى أن الحجامة تفطر الصائم، واستدلوا بماروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه رأى رجلا يحتجم في شهر رمضان فقال: (( أفطر الحاجم والمحجوم له )) ، وهذا الخبر يحتمل وجهين عندنا: أحدهما أنه وقع منهما مايوجب إفطار. وقد روي أنهما كانا يغتابان. والثاني: أن يكون ذلك قد نسخ. وقد روي عن أنس قال: مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صبيحة ثمان عشرة من رمضان برجل وهو يحتجم فقال: (( أفطر الحاجم والمحجوم له )) فشكى الناس الدم فرخص للصائم أن يحتجم، ويمكن أن يكون النهي ورد لخشية الضعف على الصائم.
75 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يكتحل بالأثمد وهو صائم، وهذا مما لاخلاف فيه.
76 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه /101/ قال: (( من بدره القيء وهو صائم فليس عليه قضاء وإن استقاء فليقض )) .
77 خبر: وعن علي عليه السلام مثله.(2/70)


والمراد بهذا أن من استدعى القيء لايمتنع من رجوع القيء إلى جوفه لأن الطبيعة ترده وليس كذلك من بدره القيء، وعلى هذا لو استدعى القيء ثم تيقن أنه لم يرجع منه شيء إلى جوفه لايفسد صيامه وذهب قوم إلى أنه يفسد صومه إذا استدعى القيء على كل حال واستدلوا بماروي عن معدان بن طلحة أن أبا الدرداء حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاء فأفطر فلقيت ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد دمشق فذكرت له ذلك فقال: صدق أنا صببت له وضوءه. والحديث محمول على أنه ضعف فأفطر إذ ليس في الحديث أنه أفطر لأجل القيء كما يقال فلان سافر فأفطر أو مرض فأفطر.
78 خبر: وعن الحسن بن علي عليه السلام أنه سئل مقدمه من الشام عن رجل مرض في رمضان فلم يصم حتى أدركه رمضان آخر. قال: يصوم هذا ويقضي ذلك ويطعم عن كل يوم مسكيناً. وعن ابن عباس وأبي هريرة مثله.
79 خبر: وعن عائشة أنها قالت: كان يكون علي القضاء من رمضان فلا أقضه حتى يدخل شعبان ...... برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
دل هذا على أن شعبان آخر وقت قضاء الصيام فإن أخر القضاء إلى بعد رمضان الثاني فعليه الفدية مع القضاء، وهذا قول الهادي إلى الحق عليه السلام في الأحكام وقال في المنتخببب: إن ترك القضاء لعذر فعليه القضاء ولافدية عليه قياساً على قضاء الصلاة وسائر الفروض التي يجب قضاؤها والأصل في هذا أن الكفارة لاتكون إلا عن ذنب فمن ترك القضاء لغير عذر فهو مذنب وعليه الكفارة والقضاء ومن تركه لعذر فلاذنب عليه ولاكفارة وعليه القضاء.
80 خبر: وعن علي عليه السلام قال: الشيخ الكبير إذا عجز عن الصيام أفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً ومثل هذا في الشيخ الهم مروي عن ابن عباس وابن عمر وأنس وسعيد بن جبير وعطاء.
وقيل: إنه لم يحفظ فيه خلاف بين الصحاببة وهو قول عامة الفقهاء وحكى خلافه عن مالك وأببي ثور وصاحب الظاهر.(2/71)

44 / 146
ع
En
A+
A-