دل هذا الخبر على أنه قال لهما ذلك والمراد به الكراهة لأنه قال: (( إن شئتما أعطيتكما )) وليس يقول لهما: إن شئتما أعطيتكما مالايجوز لكما. ومما يدل على أنه يجوز أن يعطي الفقير من الصدقة وإن كان قوياً ماروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل صدقة بني زريق لسلمة بن صخر وكان سلمة قوياً، وذهب قوم إلى أنه لايجوز أن يعطى الفقير القوي الصدقة. واستدلوا بالخبر وبما روي من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( لاتحل /87/ الصدقة لقوي ولا لذي مرة سوي )) ، وهذا محمول عندنا على الملة، قال الله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} فذكر الفقراء ولم يخص ضعيفاً من قوي وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( لاتحل الصدقة لغني )) يدل على أنه لايحل للفقير أن يعطى ماتجب فيه الصدقة ولا لمعطيه أن يعطيه.
190 خبر: وعن ابن عباس قال: تصدق على بريرة بصدقة فأهدت منها لعائشة فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (( هو لنا هدية ولها صدقة )) .
دل هذا الخبر على أن الصدقة إذا أخذها الفقير أنها صدقة مادامت في ملكه فإذا خرجت من ملكه ببيع أوهبة فإنها ليست بصدقة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( هي لنا هدية ولها صدقة )) ففرق بين ......... ويدل أيضاً على أنه لو بيع مال قد وجب فيه الصدقة أن الصدقة تستحق على المشتري فإن استهلك المشتري المال كان المصدق بالخيار إن شاء طالب المشتري وإن شاء طالب البايع وإذا طالب المشتري رجع على البايع بما يخص الصدقة من الثمن.
191 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أذن لزينب زوجة ابن مسعود أن تجعل زكاتها في بني أختها.(2/47)
لنا: دل هذا الخبر على أنه يجوز أن يعطي الإنسان صدقته من لاتجب عليه نفقته من أقاربه وأما من تلزمه نفقته فلاتجزيه ولايجوز له دفعها إليه والأمة مجمعة على أنه لاتجوز للإنسان أن يعطي زكاته أباه ولا ولده ولامملوكه وماسواهم من الأقارب ممن يجب عليه نفقته يقاس على هؤلاء.
من باب صدقة الفطر
192 خبر: وعن نافع، عن ابن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وأهله (( أنه أمر بصدقة الفطر على كل صغير وكبير، حر وعبد، ذكر وأنثى من المسلمين صاعاً من شعير على كل إنسان )) .
193 خبر: وعن أبي جعفر، عن أبيه، قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كل صغير وكبير، حر وعبد: صاعاً من تمر أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من شعير على كل إنسان.
194 خبر: وعن علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( صدقة الفطر على المرء المسلم يخرجها عن نفسه وعمن هو في عياله صغيراً كان أو كبيراً ذكراً أو أنثى حراً أو عبداً )) .
195 خبر: وعن ابن عباس قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر طهراً للصائم من اللغو والرفث وطعمه للمساكين.
دل هذا على أنها لايجب إخراجها عن العبد الكافر لأنها تطهره والكافر لامطهر له. وذهب أبو حنيفة إلى أنه يجب إخراجها عنه على سيده، والآية والرواية تفسد ماذهب إليه.
196 خبر: وعن نافع، عن ابن عمر، قال: (( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وأهله بزكاة الفطر تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة )) .
197 خبر: وعن ابن عمر، قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقة الفطر وقال: (( اغنوهم في هذا اليوم )) .
198 خبر: وعن ابن عمر قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقة الفطر من رمضان.(2/48)
لنا: دلت هذه الأخبار على أن وجوب زكاة الفطر في أول ساعة من يوم الفطر، وبه قال أبو حنيفة، وذهب الشافعي إلى أنها تجب عند غروب /88/ الشمس ليلة الفطر وعلّته أنها جبران للصوم فيجب أن سبيلها سبيل سجدتي السهو وهذا ليس بحجة له، ولأنه يرى سجدتي السهو قببل التسليم وأيضاً فإن من الجبران مايتراخى وقته كصيام سبعة أيام يصومها المتمتع إذا آل من حجه.
199 خبر: وعن عمر أنه قال: (( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صيام يومين يوم فطركم من صيامكم ويوم تأكلون فيه لحم نسككم )) .
200 خبر: وعن أبي سعيد، قال: كنا نخرج زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعده إما صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير وإما صاعاً من زبيب أو صاعاً من إقط فلم نزل على ذلك حتى قدم معاوية حاجاً أو معتمراً فقال: أدوا مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من شعير.
201 خبر: وعن أبي سعيد أنه سئل عن صدقة الفطر. فقال: لا أخرج إلا ماكنت أخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من إقط. فقال له رجل: أو مدين من فمح. قال: تلك قيمة لا أقبلها ولا أعمل بها.
لنا: دل هذان الخبران على أن المعمول به على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو: صاع من بر وأن نصف الصاع أمر به معاوية ورده إليه.
202 خبر: وعن ابن عمر قال: أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصدقة الفطر عن كل صغير وكبير، حر أو عبد، صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر، قال: فعدله الناس بمدين من حنطة.
203 خبر: وعن ابن عمر، قال: كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب فلما كان في أيام عمر وكثرت الحنطة جعلها عمر نصف صاع من حنطة مكان صاع من تلك الأشياء.
لنا: دل على أن ذلك رأي من عمر.(2/49)
204 خبر: وعن حارث الأعور قال: سمعت علياً عليه السلام يأمر بزكاة الفطر فيقول: هي صاع من تمر أو صاع من شعير أو صاع من حنطة أو صاع من زبيب.
لنا: دلت هذه الأخبار على أن المعمول عليه صاع من حنطة كسائر الأصناف، وذهب قوم إلى أنه نصف صاع من الحنطة، واستدلوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( أو نصف صاع من بر )) ، وبحديث ابن عمر، وقد قيل: إن أ×بارهم ضعيفة ومتأولة على حال الضرورة، ذكر ذلك المؤيد بالله قدس الله روحه.
205 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( زكاة الفطر صاع من شعير أو صاع من زبيب أو صاع من تمر أو صاع من إقط )) .
206 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( إذا أعطيتم صدقة الفطر فاعطوا نصف صاع من بر أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من ذرة )) .
207 خبر: وعن ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن من السنة أن يطعم يوم الفطر ولو لقمة أو تمرة )) .
208 خبر: وعن أنس قال: (( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لايصلي حتى يفطر ولو على شربة ماء )) .
209 خبر: وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يفطر قبل أن يصلي صلاة العيد.
دل على أنه يستحب أن يفطر قبل إخراج صدقة الفطر ولو بشربة من ماء وقد ندب الله تعالى إلى ذلك قال عز من قائل: {أولئك يسارعون في الخيررات وهم لها سابقون}.
210 خبر: وعن ابن عمر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم /89/ بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة.
211 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق إلا صدقة الفطر )) .
212 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( أدوا زكاة الفطر عن كل إنسان صغير أو كبير، حر أو عبد، ذكر أو أنثى، غني أو فقير )) . وفي بعض الحديث: (( أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله إليه خيراً مما أعطى )) .(2/50)
لنا: دلت هذه الأخبار على أن زكاة الفطر واجبة على من يعلم قوت عشرة أيام وإنما قوت عشرة أيام لأن من لايعلم قوت عشرة أيام يكون إخراجها مسرفاً باسطاً ليده كل البسط وقد نهى الله عن ذلك بقوله: {ولاتجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولاتبسطها كل البسط} ومن البسط أن يخرج ماعنده ويقعد بغير شيء .......
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( إنما الصدقة من ظهر غنى )) ، وقدرنا قوت عشرة أيام لأنا وجدنا في أكبر الأصول الفرق بعشرة كأقل المهر وأقل مايقطع فيه وأقل الإقامة وأقل الطهر. وذهب أبو حنيفة إلى أنها لاتلزم إلا من كان له مائتا درهم بعد الدار والأثاث مع أنه يقول: أن لمن له عشر باذنجانات أنه يخرج باذنجانة واحدة. وذهب الشافعي إلى أن صدقة الفطر تجب على من يعلم قوت يوم وصاعاً يخرجه وقد قدمنا الاحتجاج عليها. قال المؤيد بالله قدس الله روحه: التبست لفظة ليحيى عليه السلام على بعض أصحابنا في المنتخب حيث سأله السائل عمن يأخذ زكاة الفطر ولايخرجها فأجابه على الذي يجمع الأمرين أنه من لايملك قوت عشرة أيام ولم يقل أحد من العلماء أن من يعلم قوت عشرة أيام لايأخذ صدقة الفطر فصح أنه أراد به من لايعلم قوت عشرة أيام أنه لايخرجها وله أن يأخذها ولو كان لايأخذها إلا من لايجد قوت عشرة أيام لما كاد يوجد من يأخذها في بلاد الريف وكان هذا مؤدياً إلى تكليف مالايطاق.
من كتاب الخمس
وباب مايجب فيه الخمس
213 خبر: وعن عبدالله بن سفيان، عن رجل من قومه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بوادي القرى فقلت: يارسول الله لمن المغنم؟ فقال: (( لله سهم، ولهؤلاء الأربعة )) . قلت: فهل أحد أحق بالمغنم من أحد؟ فقال: (( لا، حتى السهم ياخذهم أحدكم من جنب أخيه فليس به أحق من أخيه )) .
214 خبر: وعن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الركاز الخمس.(2/51)