فإن قيل: روي عن عائشة، قالت: قيل يا رسول الله إن قوماً عندهم بالجاهلية حديث، ويأتون ........ لا يدري أذكر اسم الله عليه، فيأكل منها، فقال رسول الله صلى الله عليه: <كلوا وسموا> فأباح أكله، وإن لم يعلموا وجود التسمية عند الذبح.
قلنا: هذا الخبر هو حدتنا، لأن القوم لولا علموا أن التسمية شرط في الذبيحة لم يسألوا رسول الله صلى الله عليه وأهله، عن ذلك وإنما أباح لهم على جهه حمل أمور المسلمين على الصحة.
742 خبر: وعن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وأهله، أنه قال: <ما أنهر الدم، وذكرتم اسم الله عليه، فكلوا ما لم يكن يسن أو يظفر وسأجد بكم بذلك، أما السن فعظم، وأما الظفر فشبه العظم، وأما الشظاظ فمدى الحديثة.
743 خبر: وعن زيد بن علي عن أبائه، عن علي عليهم السلام، أن راعياً سأل النبي صلى الله عليه وأهله، فقال: أنا أرعى غنماً لأهلي، ويعرض لأحداها عارض، فأخاف أن يقوني بنفسها، ولا مدنة/160/ معي، أفأذبح بسني، قال: لا، قال: أفأذبح بظفري، قال: لا، قال: فبعظم، قال: لا، قال: فبعود، قال: لا، قال: فبم يارسول الله صلى الله عليك، قال: فبالمروة، والحجرين، تضرب أحدهما على الآخر فإن ..فرى فكل، وإن لم يفر فلا تأكل.
دل على أنه لا يجوز الذبح بالعود، ولا العظم، ولا بشيء مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وأهله، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يجوز الذبح مما أبهر الدم، إلا السن، والظفر القائمين، فإن كانا منزوعين جاز بهما، ولوجه ما قدمن من الخبرين.
فإن قيل: فقد روي عن عدي بن حاتم، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وأهله: أرأيت إن صاد أحدنا صيداً، وليس معه سكين، أيذبح بالمروة وشقة العصا، قال: أمر الدم بما شئت إلا الظفر، والعظم، وكذا وكذا.(8/12)
قلنا: قد ورد عنه صلى الله عليه في خبر الراعي النهي عن الذبح بالعود، وفي الخبر الأخر النهي عن الذبح بالشظاظ، فكأنه عليه السلام، قال: إلا الظفر والعظم، وكذا وكذا، على أنهم قد استثنوا السن، والظفر القائمين فنحن نستثني سائر ما ذكرناه.
فإن قيل: روي أن رجلاً كان يرعى نعجة بشعب من شعاب أحدٍ فأخذها الموت، ولم يجد شيئاً ينحرها به، فأخذوها فوجئ به في انتهاء حتى أهرق دمها، ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وأهله، فأخبره بذلك، فأمره بأكلها.
قلنا: يحتمل أن الوتد من حديد، فكان له حد كحد السكين، إذ ليس في الخبر صيغة الوتد، على أن أصحابأبي حنيفة لا بد لهم من هذا التأويل، لأن عندهم لابد من قطع..... والحلقوم، والمريء، والمري عنأبي حنيفة أنه يجري ثلاثة منها، ولا يصح ذلك بوتد من خشب مسند من الرأس.
744 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وأهله، أنه قال: <إذا أبهرت الدم، وفريت الأوراح، فكل، والأوراح عبارة عن العروق الأربعة الودخان، والمريء، والحلقوم، ولا خلاف في أن الذبح هو الذي لا يقي بعده المذبوح إلا اليسير الذي يضطرب فيه المذبوح، ولا يتم ذلك إلا بقطع هذه الأربعة العروق.
745 خبر: وعن النبي صلى الله عليه، أنه قال: <إذا ذبحتم أحسنوا الذبح، وإذا قتلتم أحسنوا القتل> ونهى عن التعذيب، وجميع الأخبار التي ذكرناها في الذبائح تدل على أن الجنين لا يكون مذكا تذكاه أمه، وهو رأي عامة أهل البيت عليهم السلام، وبه قال أبو حنيفة، وقال أبو يوسف، ومحمد، والشافعي يؤكل وإن وجد ميتاً، وقال مالك: إن كان أشعر أكل، وإلا لم يؤكل، والأصل في ذلك قول الله تعالى: {حرمت عليكم الميتتة} ولا يمتنع أحد من أن يقول وجد الجنين حياً، أو ميتاً، ولا يصح أن يكون مذبوحاً من غير ذبح.
فإن قيل: روي عن النبي صلى الله عليه وأهله، أنه قال: < ذكاة الحنين ذكاة أمه>(8/13)
قلنا: يحتمل أن يكون المراد به أن ذكاته كذكاة أمة، وقد ورد مثل هذا في القرآن، قال الله تعالى: {وجنة عرضها السماوات والأرض} والمراد كعرض السموات والأرض، وقال في سورة أخرى: {وجنة عرضها كعرض السماء والأرض}.
فإن قيل: روي عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وأهله، قال: < ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا أشعر> وعنه صلى الله عليه وأهله، أنه قال: <في/161/ أن جنة ذكاتها ذكاة أمهاتها، إذا أشعرت>.
قلنا: يحمل على ما تأولنا فأما ذكر الأشعار فيحتمل أن يكون في سؤال السائل ذكر الجنين إذا أشعر فأجابه عليه السلام فذكر الراوي الجواب، ولم يذكر السؤال، وعلى هذا يتأول ما روي عنأبي إسحاق عن الحرث، عن علي عليه السلام.
فإن قيل: فقد روي في حديثأبي خالد الأصم، عن مخالد، أن النبي صلى الله عليه وأهله، قال: <في جنين كلة إلا أن شيتم، فذكاته في ذكاة أمه.
قلنا: هذه اللقطة في الجنين لم يذكرهها غيرأبي خالد، ويحتمل أن يكون أبو خالد رواه على المعنى الذي طيه.
فإن قيل: قال الله عز وجل: {أحلت لكم بهيمة الأنعام} وروي عن ابن عباس أنها في الجنين.
قلنا: روي أنها الشياه، والبقر، والإبل على أنا لم يختلف في إباحة الجنين، وإنما اختلفنا فيما لم يذك منه.(8/14)
قال يحيى عليه السلام في الأحكام: ومن ذبح شيئا من قفاه جاهلاً أكلت ذبيحته، وإن ذبحه كذلك متعمداً لم تؤكل ذبيحته، وقال في المنتخب: في الشاة تذبح من قفاها لا يحل أكلها، وقال فيه لأنه لا يصل السكين إلى الأوداج، وهو موضع الذبح حتى يموت، فكان تحصيل مذهبه أن السكيين إذا بلغ الأوداج، والحلقوم، والمرئ قبل أن يموت، وقطع هذه العرق، وهو حي فإنه يحل أكله، وكان بمنزلة الموقوذة تدرك فيها حياه فذكيها، وهو حية، وإن بلغ السكين ما ذكرناه، وهي غير حية لم يجز أكلهي، فيكون معنى ما ذكرناه في الأحكام، والمنتخب واحاً، وإأما التعمد فيحتمل أن يكو مراده من قصد إلى مخالفة الشريعة، إلا استهانة بها، وذلك يوجب الكفر على ما قالله فيمن انحرف عن القتلة متعمداً عند الذبح.
746 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبائه عن علي عليه السلام أن عائشة، قالت: يا رسول الله إني أتيت ما لا ينبغي، فقال: وما ذلك، قال كانت لي سجلة فخفت أن يفوتني بنفسها، فذبحها، قال: أفريت، قال: نعم، قال:كلي، وأطعمينا.
747 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبائه عن علي عليهم السلام، قال: إذا أدركت ذكاتها، وهي تطرف بعينها، أو تركض برجلها، أو تحرك ذنبها، فقد أدركت، وبه قال أبو حنيفة، واختلف أصحاب الشافعي، فمنعم من يجعله على قولين، ومنهم من قال: لا يجوز أكله إذا انتهت إلى كذلك الحال، وبه قال أبو يوسف، ومحمد على اختلاف في تصيل بينهما، والأصل في قول الله تعالى بعد ذكر المتردية، والموقوذة، والنظيحة: {وما أكل السبع إلا ما ذكيتم } فعمومه يقتضي جوازاً كل ما أدركنا ذكاته.
فإن قيل: إذا صارت إلى حال هي ميتة منها لا محالة، فقد صارت تميز له الميتة، ولم يحل أكلها، كما أن المجوسي لو ذبح، ثم قطع المسلم رأس الذبيحة، لم يحل أكلها، وكنا أن المسلم لو ذبح، وقطع مجوسي رأسه حل أكله.(8/15)
قلنا: الفرق بينهما أن المسئلة الأولى يذبح، وإنما ذبح المجوسي، وفي المسئلة اللثانية لم يذبح المجوسي، وإنما ذبح المسلم، وفي المسئلة الثانية لم يذبح المجوسي، وإنما ذبح المسلم، وفي المسئلة التي اختلف فيها قد وقع الذبح ممن يصح ذبحه، وهو يعد حي، فيجب أن يجوز أكله، وذهب محمد إلى أنه إن كان مما يعيش مدة كالنوم، ونحوه جاز ذبحه، وهذا لا معنى له، الإعتبار بوجود الحياة لا بالمدة.
748 خبر: وعن رافع بن خديج، أن النبي صلى الله عليه وأهله، قسم مغنما يدي الخليفه فند بعير فتبعه رجل من المسلمين فضربه بسيف أو طعنه برمح فقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وأهله، أن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش فما ند منها فأصنعوا به هكذا.
دل على أن ما ند ولم يمكن ذبحه من الأنعام جاز أن يصنع به هكذا والإستدلال بالخبر من وجهين أحدهما أنه أخبر أيهم ندر بسيف أو رمح ولم يذكر المنحر والثاني أنه صلى الله عليه وأهله شبهه بالصيد فأن حكم ذكاته من الشرود حكم ذكاة الصيد وبه قال أبو حنيفه والشافعي وقال مالك لا يكون إلا في المنحر والوجه ما ذكرناه.
749 خبر: وعنأبي العشراء الدارمي أن أباه قال:يا رسول الله أما أن يكون الذكاة إلا من اللبه والحلق وقال صلى الله عليه وأهله: <لو طعنت في فخذه أجزأك> وهذا المراد به ما ند ولم يقدر على ذبحه.
750 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبائه، عن علي عليهم السلام، في ناقة أو بقرة ندت فضربت بالسلاح لا بأس بلحمها ويقاس عليه ما تردى في البئر فإن صاحبه يطلب مذبح البقره أو منحر البعير إذا لم يمكن إطلاعه حبا فإن وجد ذبح أو نحر وإن لم يجد منحره ولا مذبحه ولم يقدر على ذلك طعنه حيث ما أمكن بصر عليه يحيى عليه السلام وبه قال زيد بن علي عليهم السلام. قال السيد المؤيد بالله قدس الله روحه: وأظن مما لا خلاف فيه.(8/16)