736 خبر: وعن زيد بن علي عن أبائه، عن علي عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه وأهله، حين سأله الراعي، فقال: <ما أصميت فكل، وما أنميت فلا تأكل> وقد فسره زيد بن علي عليهم السلام، فقال: الإصماء ما كان يعينك، وإنماء ما غاب عنك فلعل غير سهمك أعان على قتله، وهذا المراد به إذا لم يدر أصابه بسهمه أم لا، أو لم يدر أعض عليه كلبه، أم لا، فأما إذا وجد سهمه أو كلبه وقد أصاب منه معمداً وجرحه، ولم يجد فيه أثراً غير ذلك بأنه قد نص يحي عليه السلام على جوازه، وذلك أنه قد وجد فيه السبب الموجب لقتله المبيح لأكله، ولم يجد في أثراً غيره.
من باب القول في الذبائح.
738 خبر: وعن أمير المؤمنين عليه السلام، أنه سأله رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، أرأيت قومنا أمشركون هم، يعنى أهل القبلة، قال: لا والله ما هم بمشركين، ولو كانوا مشركين ما حلت لنا منا كحهم، ولا ذبائحهم، ولا مواريثهم، ولكنهم كفروا بالأحكام، وكفروا بالنعم، والأعمال، وكفر النعم والأحكام غير كفر الشرك.(8/7)
دل على أن ذبيحة الفاسق جائزة ما لم يبلغ فسقه الكفر، وقد دل على هذا قول ألهادي إلى الحق عليه السلام حيث يقول: ومن سرق شاة فذبحها بغير إذن صاحبها لم يحل له أكلها، فإن راضا صاحبها جاز له أكلها، فدل على أنه لايحل.... الأسفاع بالمغصوب، وإن ضمنه بالغصب، أو ملكه بالإستهلاك، ودل على أن ذبيحة الفاسق ...لها، لأن السارق فاسق، قال: المؤيد بالله قدس الله روحه: وهذا مما خلا ف فيه بين العلماء وإن كان قد ذهب طائفة من أصحابنا أنه لا يجوز أكل ذبيحة الفاسق، وهو غير محكي عن العلماء، ولا وجه له دليله البر التقى لما صحت صلاته، وعباداته، ونكاحه حلت ذبيحته، قال الإمام المتوكل على الله مصنف الكتاب عليه السلام، والذي عندي أن هذا الفاسق الذي أجاز ذبيحته من يكون مقيماً للصلاة مؤدياً للزكا، والغالب من حالة التمسك بالإسلام، وإن ارتكب محرماً في الأقل من أوقائع عند عليه شهوة، أو حاجة مائسة، أو شدة غضب، وأما ظاهره ظاهر الكفار فلا فرق بينه وبينهم إلا بالإقرار الذي لا يقيم الصلاة، ولا يؤتي الزكاة، ولا يمنع من شيء يحتاج إليه من المحرمات، ولا يفعل من عمل الطاعات، والأقرب عندي أن ذبيحته لا تجوز، والأصل في ذلك قول الله تعالى: {يا أيها الذي آمنوا أوفو بالعقود} إلى قوله تعالى: {إلا ما ذكيتم} فعلق الإباحة بتذكية المؤمنين، وهذا الفاسق الذي ذكر به يعيد حداً من المؤمنين، يدل على ذلك أيضاً ما روي بين الإيمان والكفرالصلاة، وقول ألهادي إلي الحق عليه السلام: ولا بأس بالصلاة في الحقين مالم يكن ذابح ذوايهما يوهودياً، أو نصرانياً، أو مجوسياً، أو من لا يعرف الرحمن، ولا يدين له بما افترض من الأديان فنبه على ما ذكرنا بقوله: ولا ندين له بما افترض من الأديان.(8/8)
739 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وأهله، أنه قدمت إليه شاة/158/ ليأكلها، فقال:إنها لا تسيغني، فقالوا: إنها شاة فلان أخذنا ها لترضيه من عنها، فامتنع من أكلها، وقال: أطعموها الأسرى.
دل على ثلاثة أحكام أحدها أنها قد صارت مستهلكة بالذبح لأنها لو كانت غير مستهلكة لقضى بها لصاحبها، والثاني أن الغاصب لا يحل له الإيقاع بالغصب، لأنه لم يقض بها لمن ذبحها، والثالث أن ذبيحة الغاصب جائزة، ولا خلاف في جواز ذبيحة المرأة، وقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} إلى قوله: {إلا ما ذكيتم}، يدل على أن ذبيحة اليهودي، والنصراني لا يجوز، وهو قول القاسم، ويحيى، والناصر عليهم السلام، والمشهور عن زيد بن علي أنه كان يجيز ذبيحة اليهود، والنصارى وهو المروي عن جعفر عليه السلام، وبه قال سائر العلماء، والأصل ما ذكرنا من الأية، وقوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه}، وقوله: {حرمت عليكم الميتتة والدم ولحم الخنزير وما أهل غير الله به} واليهود والنصارى يهلون به لغير الله، ولا يذكرون اسم الله، لأن اليهود يذكرون اسم الرب الذي لم يرسل محمداً صلى الله عليه وأهله، وأنزل عليه القرآن فكأنهم ذكروا غير الله، النصارى يذكرون عليه اسم الرب الذي هو عندهم ثلاثة أقاديم.(8/9)
فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {أحل لكم الطيبات وطعام الذي أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم} قلنا فيه جوابان أحدهما أن يكون عنيّ بالطعام مالم يذكوه، ولا يمسوه برطوبة، ألا ترى أنه لا يقال لسوق العصا بين سوق الطعام، والجواب الثاني أنه يحتمل أن يكون المراد به الذين كانوا من أهل الكتاب، ثم آمنوا، ولا يمتنع أن يطلق فيهم أنهم من أهل الكتاب، كما قال الله عز وجل: {من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون أيات الله آناء الليل}، وقال تعالى: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله} فكانت فائدة الأية حثاً للمسلمين على موادتهم، ومخالطتهم، ومواكلتهم، إذا آمنوا، ولا خلاف في أن المجوسي لا يجوز أكل ذبيحته، وكذلك ذهب أكثر العلماء إلى أن ذبيحة المجوسي، لا يجوز فكذلك اليهود، والنصارى وشرط القاسم عليه السلام في جواز ذبيحة الصبي أن يكون مسلماً، والمراد به أن يكون مسلماً حكما بإسلام أحد أبويه، أو أحدهما، وعلى هذا إذا كان أبواه كافرين لم يجز أكل ذبيحته، لأنه لا يحصل له الإسلام لاحقيقة ولا حكماً وحكي عن مالك، أنه اعتبر الأب على أي دين كان في الذبيحة، والأصل فيه ما روي عن النبي صلى الله عليه وأهله، <أن المولود يولد على فطرة الإسلام، فأباه يهودانه، أوينصرانه، أو يمجسانه> فأبيت له اسم الكفر بأبويه جميعاً صح أنه إذا أسلم أحدهما أنه يكون مسلماً بإسلامه، ولا خلاف في جواز ذبيحة الجنب، والحائض.
740 خبر: وعن الشعبي، عن عدي بن حاتم، أن النبي صلى الله عليه وأهله، قال له في صيد الكلب: <إذا سمعت فكل، وإلا فلا تأكل>، قال: قلت: فأرسل كلبي وأجد عليه كلبا ًأخر قال: <لأتأكل إنما سميت على كلبك>، وفي حديثأبي ثعلبة، قال له:/159/ النبي صلى الله عليه وأهله: <إذا أرسلت كلبك، وقد ذكرت اسم الله عليه فكل> في حديث عدي بن حام، <إذا أرسلت كلبك لمعلم، وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسك عليكك>.(8/10)
741 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبائه،عن علي عليهم السلام، أنه قال: ذبيحة المسلمين حلال، إذا ذكر اسم الله عليها.
دلت هذه الأخبار على أن التسمية شرط في جواز الذبح، والصيد إذا قتله الكلب والسهم وشبهه، وأن من ترك التسمية متعمداً لم تؤكل ذبيحته، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه،، ومالك، وقال الشافعي: لو تركها عمداً، أو نسياناً جازت، والأصل فيه قول الله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} فوجب تحريمه.
فإن قيل: حكم إلا به مقصور على السبب الذي أنزل فيه، وذلك أن المشركين كانوا يجادلون المسلمين، فيقولون: تأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ما قتل الله، فأنزل الله هذه الأية.
قلنا: إن نزول الأية على سبب لا يوجب قصرها عليه بل يدخل فيه السبب، ويكون عامة إذا كان اللفظ عاماً.
فإن قيل: فهذا يوجب تحريم ما ينسى الذابح عليه التسمية.
قلنا: كذلك يقول إلا أنه مخصوص بادلالة، وذلك قول النبي صلى الله عليه وأهله: <يجاوز الله عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه>، وروي مثل قولنا في جواز أكل ذبيحة من ينسى التسمية عن ابن عباس، والحسن، وعطاء، وسعيد بن خيبر، وروي عن ابن عمرو النخعي، وابن سيرين، أنها لا تؤكل، وقال اب حنيفة مثل قولنا.
فإن قيل: قوله وأنه لفسق، يدل على أن المراد ذبيحة المشركين.
قلنا، وكذلك يقول من ترك التسمية مع الذكر متعمداً عند ذبحه يكون يأكلها فاسقاً لمخالفته كتاب الله لقوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} مالم يكن ميتاً، ولا مجتهداً فلا يقع عليه اسم الفسق بذلك.
فإن قيل: لو كان التسمية شرطا في جواز الذبيحة لاستوى فيها العامد، والناسي.
قلنا: ليس يمتنع اختلاف حكم العمد، واسهو في كثير من المواضع، لأن عندنا أن القسمة شرط في صحة الضوء، ويختلف فيها حكم العامد، والناسي، وترك الأكل شرط في صحة الصوم، ويختلف عندأبي حنيفة، والشافعي فيه حكم العامد، والناسي.(8/11)