قلنا: يحتمل أن يكون المراد بهذا الكلب الذي لا يوثق بتعليمه، ألا ترى أنه قال صلى الله عليه: <أني أخاف إنما أمسكه على نفسه> فلم يجرد التحريم بل علق النهي على الظن الذي ذكره، ولا خلاف أن الكلب لو لم يأكل وقتل أكلت فريسته، إذا كان معلماً وسمي المرسل، وكان مسلماً، ولا يكون معالماً حتى يوثق منه أنه إنما أمسكه لصاحبه، فأما إذا لم يعلم ذلك بالتجربة، والعادة، الأختبار، لم تؤكل فريسته، ونقيس ما أكل ممنه الكلب الممسك على ما أكل منه كلب آخر، وأيضاً فما قلنا مروي عن أمير المؤمنين عليه السلام، وعن عمر، وسعد بنأبي وقاص، وابن عمر، وروي عنأبي جعفر محمج بن علي عليهما السلام.
729 خبر: وعن الشعبي، عن عدي بن حاتم، قال: قلت: يا رسول الله أنا قوم بصيد بهذه الكلاب، والزراة فما يحل لنا منها، قال: يحل لكم ما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم، واذكروا اسم الله عليه.
دل قوله يحل لكم مما علمتم من الجوارح مكلبين على البازي والصفر والسام، لا يحل ما قتله لعدة أن كل واحد منها لا تأتمر لصاحبه في باب الصيد في حال جوعة وشبعة عند الأغرابين ذلك أن واحداً منها لا يرجع إلى صاحبه وقت الشبع، وأكثر ما فيه أنه يألف صاحبه فيأتيه وقت جوعة، فكذلك يصيد وقت جوعة لنفسه، وهو أسوء حالاً من كلب الزرع والضرع، ولا خلاف في أن ما قتله كلب الزرع والضرع اللذان ليسا بمعلمين للصيد، لا يجوز أكله فكذلك جوارح الطير على أن الكلب يرسل على سيد معين، وجوارح الطيرر يرسل لسيد معين، وغير معين، فتصيد ما تريده لأنفسها، فأما الفهد، فإن كان فيه ما في الكلب المعلم في إيثاره، وإقبأله، وإدباره في وقت جوعة وشبعة فحكمه في الصيد حكم الكلب المعلم ما قلناه في جوارح الطير هو قول القاسم، ويحيى، والناصر عليهم السلام، والرواية عن زيد بن علي عليهما السلام مختلف فيها، وذهب عامة الفقهاء إلى جوازه، والوده ما قدمنا.(8/2)


فإن قيل: في حديث سعيد بن المسيب حين سئل عن الصيد يدرك وقد أكل الكلب والبازي نصفه، فقال: سألت سلمان الفارسيي،، فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وأهله، فقال: كله وإن لم يترك إلى نصفهه.
قلنا: ليس في أمة سعيد، ولا في لفظ سلمان ذكر البازي، وإنما هو في لفظ السائل، وكان غرض السائل أن يتعرف هل يجوز أكل السيد الذي أكلت منه الجوارح، فيحتمل أن يكون الجواب خرج على الكلب يبين ذلك أن سائر االأخبار ليس فيها ذكر البازي، قال القاسم عليه السلام: ومن أخذ الصيد من كلبه وبه رمق فليذكه، فإن لم يذكه بعد ذلك لم تأكله، ولم يفصل بين أن يكون قدر على تذكيته، أو لم يقدر فكان الطاهر من مذهبه إذا أخذه ولم يدركه /155/ لم يحل أكله، قدر على ذلك أولم يقدر، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وقال الشافعي، ومالك: إن قدر على ذبحه فلم يذبحه حتى مات لم يؤكل، وإن لم يقدر على ذبحه حتى مات أكل.
وجه قولنا: أن الكلب المعلم جعل آلة لم أرسله للذبح إذا لم يصل إلى المذبوح كما أن السكين آلة لمن أراد الذبح، إذا وصل إلى المذبوح، وإذا وصل الذابح إلى المذبوح، وبه رمق لم يكن الكلب آلة له، وكانت السكين آلة له للذبح، فصح أن الكلب آلة لمن لم يصل إلى المذبوح، وليس آلة في جميع المواضع لتذكية الصيد بين ذلك أن الكلب إذا ارتسل على الداخن فقتله أنه لا يؤكل ذلك الداخن، لأنه قد كان يصل إليه بغير الكلب، ويبين ذلك أن الإبل، والبقر، والغنم إذا تعذر أخذ وتذكيتها في مذبحها أو منحرها صارت تمز له الصيد في جواز أكلها، بأن يقتل بسيف أو بسهم أو رمح، فبان أن وجوب الذبح يتعلق بما ذكرنا وأكل فريسة الكلب المعلم إنماأبيح لامتناع ذلك الصيد في الحال من الذبح، وإذا ألحق به رمق.
من باب صيد الماء.
730خبر: وعنأبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله وأله: <ما ألقى البحر، أو جزر عنه فكله فلا تأسر به، وما وجدته طافيا فلا تأكله>.(8/3)


731 خبر: وعن أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قال: لا يجوز أكل الطافي، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: يجوز، وهو مروي عنأبي بكر، والأصل قول النبي صلى الله عليه وأهله: <ما وجدته طافياً فلا تأكله>.
فإن قيل: رواه الثوري، وحماد بن سلمة موقوفاً عن جابر.
قلنا يجوز أن يكون جاببر أفتى به مرة، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وأهله مرةً أخرى، وليس في ذلك تناف.
732 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبائه، عن علي عليهم السلام، أنه كان يكره الطافي على المالء، وما نصب عنه، إلا أن يجده يتحرك، وما يجده في ساحل البحر، إلا أن يجده متحركاً، وعلى هذا يحمل ما روي عن النبي صلى الله عليه وأهله من قوله ما ألفى البحر، أوجزر عنه فكله، لأن المعنى ما ألقى، وهو حي، فإن استدلوا بقول الله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم}.
قلنا: الصيد هو ما يوجد حياً، فأما الميت فليس يجرى عليه اسم الإسطياد، فإن اسدتدلوا بعموم قوله صلى الله عليه وأهله: <أجلت لكم يتتان> وبقوله في البحر: <هو الطهور ماءه والحل ميتته> فالمراد به ما كان موته تسبب من الصايد، فصار الإصطياد يجري مجرى التذكية ، وإن لم يكن تذكية على الحقيقة.
وقول يحيى عليه السلام: ذكاة الحيتان أجدها حية، ليس يريد حقيقة التذكية لنصة على جواز آكل الحيتان التي يصطادها الكفار، وإنما السبب الذي إذا مات به حل أكله، والدليل على ما ذهبنا إليه قول الله تعالى: {أحل لكم صيد البحر}وحقيقة الصيد فعل الصائد.(8/4)


وحمله القول أن الحوت إذا صيد جياً ذبح، وإن لم يذبح لم يحل أكله، قال الناصر عليه السلام: السمك ما كان له ريشتان، وفيه فلوس، وقول النبي صلى الله عليه وأهله:< ما وجدته طافي/156/ فلا تأكله>، وهذا الخبر خا، والأولان عام، والعام بني على الخاص عندنا، وأيضاً هو إجماع أهل البيت عليهم السلام، وإجماعهم حجة، لقول الله تعالى: {قل لا أسالكم عليه أجر إلا المودة في القربى، والمودة لا يحصل مع الخلاف فصح أن إجماعهم حجة.
فإن قيل: روي أن نفراً من الصحابة نزلوا بقرب البحر، وأن البحر ألقى لهم حوتاً فأكلوا منه أياما، ثم ذكر ذلك لرسول الله صلى عليه وأهله، فقال: <إن كان يبقي معكم شيء فابعثوا به إلينا>.
قلنا: يجوز أن يكون البحر ألقاه حياً، لا خلاف في أن ما يصطاد الكفار من الحيتان يجوز أكله إذا غسل من مس أيديهم، إلا ما روي عن الناصلا عليه السلام، أنه كرهه، والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وأهله:< أحلت لكم متتان الحوت والجراد.
من باب ما اصطيد بالرمي.
733 خبر: وعن عدي بن حاتم ، قال: قلت يار سول الله، إنا نرمي بالمعراض، قال: <ما حرق فكله، وما أصاب بعرض فلا تأكله، فإنه وقيد>.
734 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وأهله، أنه نهى عن الخذف، وقال: <لا يمكن في العدو، و تصيد الصيد>.(8/5)


دل على أنه لا يحل أكل صيد ما لم يحرقه السهم، أو السيف، والرمح، أو المعراض، وما تصاد به فإنه يكون موقوذا، وقد نهى الله تعالى عن أكل الموقوذة، وما خرق مما به حد أنهر الدم جاز أكله إذا سمي الرامي، وبه قال أكثر العلماء، وحكى عن الأوزاعي، أنه قال: المراض يجوز أكل ما صيد به، وقيل: حرق أو لم يحرق، والأصل ما قدمنا، وعلى هذا إن قتله الكلب بالصدم، أو بأن يقع عليه فيقتله بثقله، أو يمنعه التنفس فيموت، لا يحل أكله، وبه قال أبو حنيفة، وللشافعي فيه قولان، وذلك أن جميع ذلك يوكون موقوذا، وقد قال الله تعالى: {وما علمتم من الوجوارح مكلبين} وقيل أن الجوارح مأخوذة من الجرح، فلا يحل أكل فريسته ما لم يجرح جرحاً تنفذ في جسدها، وكذلك ما يقتل بالرمي لا يحل أكله حتى يغرس السهم، وشبهه في الصيد، ولا اعتيار بالدم مالم يجرح، ويخرق فإنه قد تدمى الموقوذة من غير خرق.
735 خبر: وعن عدي بن حاتم، عن النبي صلى الله عليه وأهله، أنه قال: <أذا وقعت رميتك في الماء فلا تأكل>.
دل على أنه إذا رمي الصيد، وهو في حبل فتردى أنه لاجوز أكله، والأصل فيه قول الله تعالى: {والمتردية} وهو مترد يحتمل أن يكون مات بالتردي، ويحتمل أن يكون مات بالسهم، الذي نهى به بكنه إذا اجتمع الحظر والإباحة غلب الحظر على الإباحة، وكذلك إذا أرسل على الصيد كلبان أحدهما معلم، والأخر غير معلم، أو كلبان أحدهما أرسله يهودي، والأخر أرسلة مسلم، أنه لا يؤكل إذ قتلاه لتغليب الحظر على الإباحة، قال القاسم عليه السلام: إذا وقع في الماء بعد الذبح، وقري الأوراج جاز أكله، وذلك أنه قد فعل فيه فعلاً لا يمكن أن يسلم منه، والعرق قد تمكن أن يسلم منه كما أن من ذبح إنساناً إلى قفاه، ثم طعنه آخر، فإن القاتل هو الذابح، لأن المذبوح لا يسلم من الذبح، وقد يسلم من الطعن/157/فكذلك إذا وقع في الماء بعد ما ذبح.(8/6)

130 / 146
ع
En
A+
A-