وبهذا قال يحيى عليه السلام في المنتخب. وقال في الفنون: يكون ذلك عشرة واحدة ألا أن يقيم المدعي البينة إن كل واحدة منهما غير صاحبها. ووجه هذا القول أنه لما احتمل أن يكون العشرة التي أقر بها في موضع هي العشرة التي أقر بها في الموضع الثاني واحتمل أن يكون غيرها صارت العشرة الثانية مشكوكا فيها فوجب على الحاكم أن يحكم باليقين وهو عشرة ولا خلاف في أن شهادة يتعلق بالحسبة فأما الشهادة في الحقوق فلا يسمع إذا أنكرها المشهود له.
قال يحيى عليه السلام وإذا قال الشاهد: كنت عرفت هذا الشيء لفلان لم يكن ذلك شهادة وإنما تكون شهادة إذا قال: أشهد أنه كان له ولم يخرج عن ملكه بوجه من الوجوه. قال السيد المؤيد بالله قدس الله روحه لم يجعل الأول شهادة لوجهين أحدهما أن الشاهد لابد له من لفظ الشهادة وإن قال عرفت ولم يلفظ بالشهادة والثاني. وبه قال: كنت عرفت ولم يكن في كلامه شادة بأن الشيء في الحال له فلم يكن مسموعه لئن الشيء قد يكون للإنسان ثم ينتقل إلى غيره فلا بد من أن يتضمن شهادته أنه له في الحال.
663 خبر: وعن علي عليه السلام أنه حلف الشهود ولا خلاف أن الحاكم يجوز أن يحلف الشهود أن يرى ذلك احتياطا.
664 خبر: وعن علي عليه السلام قبول شهادة الصبيان بعضهم على بعض فيما بينهم من الشحاح ما لم يتفرقوا فإذا تفرقوا لم يجز. وبه قال يحيى عليه السلام وبه قال مالك. وحكى عن ابنأبي لليلى من غير تفصيل ومنع أبو حنيفة وأصحابه والشافعي قبولها. قال المؤيد بالله قدس الله روحه: اعلم أن قبول الشهادات مبني على حسب الضرورات ألا ترى أن الحدود لما لم تكن فيها ضرورة لم تقبل فيها إلا شهادة الرجال إلى أخر الفصل. قال: والعدل من ظن به الإستقامة ولا خلاف في أن الحاكم يجب عليه أن يبحث عن عدالة الشهود، إلا ما حكي عنأبي حنيفة فإنه كان يقول المسلمون كلهم عدول.(7/85)
665 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وأهله أنه قال: <خير امتي القرى الذين بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم يشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون>.
دل على خلاف ما ذهب إليه أبو حنيفة لأنه كان في القرن الثالث.
666 خبر: وعن ابن مسعود أنه قال: ما علمت أن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه/144/ وأهله من يريد الدنيا حتى نزلت هذه الأية: {منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة>.
دل أيضا على خلاف قولأبي حنيفة.
فإن قيل: قوله يشهدون ولا يستشهدون بحالف قول ألهادي عليه السلام فيمن قال لرجل لا تشهد علي بما تسمعه مني ثم يقر الآخر بحق جار له أن تشهد عليه، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه لأنهم يجيزون شهادة ........... وهذا في معناه. وعن مالك أنه أجازه في القذف والطلاق وحكى عنه أنه منع عن ذلك في المعاملات وشبهها وعن ابن شبرمة أنه يجيز ذلك.
قلنا: المراد بقول النبي صلى الله عليه وأهله أنهم يشهدون من غير أن يعلموا ويحتمل أيضا أنهم لا يستشهدون لفسقهم وما بطن من سوء حألهم.
فإن قيل: قد روي <ثم يجيء قوم فتسبق شهادة أحدهم يمينة ويمينة شهادته.
قيل: المراد به أنهم يستهينون بالشهادات والأيمان من غير تثبيت وتورع.
وجه قولنا: قول الله تعالى: {وأقيموا الشهادة لله} وقال: {ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} فكل ذلك يوجب أن من علم شيئا وكان في كتمانه ضرر وظلم يلحق أحدا من الناس لا يجوز كتمانه.
من باب الوكالة
667 خبر: وعن حكيم بن حزام قال: أن النبي صلى الله عليه وأهله أمرني أن أقضي رجلا يكره.(7/86)
668 خبر: وعن زيد بن علي عن أبائه عن علي عليهم السلام أنه وكل الخصومة إلى عبدالله بن جعفر وقال ما قضى له علي وما قضي عليه فعلي وقد كان قبل ذلك وكل الخصومة إلى عقيل بنأبي طالب حتى توفي إلى رحمة الله ورضوانه ولا خلاف في هذه الجملة ولا في أنه مالزم الوكيل لزم الموكل في البيع والشرى خاصة وما جرى مجرى ذلك من الإقرار ونحوه وعلى هذا لا يراعى رضى الخصم إذا أراد صاحبه أن يوكل من يخاصمه وذلك لئن أمير المؤمنين عليه السلام وكل عقيلا وجعفرا يغير رضى خصومه في جميع خصومته ولملم يوكلهما في شيء معين ولم يخالفه أحد من الصحابة وبه قال أبو يوسف ومحمد والشافعي وعليه دل كلام يحيى عليه السلام في الفنون وقال أبو حنيفة لا يوكل إلابرضى الخصم والأصل الخبر ولأنه لو كان كما قال للحق الضعيف الضررة من القوي ولا خلاف في أن الوكيل ...... له أن يوكل إلا أن يكون الموكل إذن له في ذلك ولا خلاف في أن للموكل أن يعزل الوكيل متى شاء ذلك0 وعلى هذا أنه لا يكون معزولا حتى يبلغه علم العزل في البيع والشراء........... الدين وما جرى مجراه وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وهو أحد قولي ......... وبه قال بعض الإمامية ووجهه أنه بمنزلة أوامر الله تعالى ونواهيه في أن أحكامها تتعلق بنا بأن نعرفها دون وجودها في دوائها وما كان لا يتعلق بالوكيل كالنكاح والطلاق والعتق والصلح عن دم العمد فإنه يكون معزولا حتى عزله الموكل وإن لم يبلغه ذلك وما كان يتعلق بالوكيل كالبيع والشراء والإجازه والإقأله وألهبه على العوض فلا يكون معزولا حتى يبلغه خبر العزل الذي يغلب على/145 /الذي فيه صدقه ومثله الخبر بالشفعه وألهديه والأذن في دخول الدار ولا خلاف في أنه إذا وكل وكليلين في بيع شئ أو شراءه وقال: لكل واحد منهما قد وكليك أن لكل واحد منهما أن ينفذ ما وكلا فيه مجمعين أو منفردين إلا في الطلاق والعتاق فإنه لم يرض بأحدهما دون الآخر فأما في البيع والشراء ونحو ذلك(7/87)
بإطلاقة القول قد وكليكما يقتضي أن كل واحد منهما وكيل مجمعين ومنفردين وسبيل النكاح والشفعه سبيل البيع والشراء وكره السيد المؤيد بالله قدس الله روحه في الشرح والعرق من الوجهين أن عرض الموكل أن لا يفوته البيع والشراء في الجمع بين الوكيلين وقد يتفق مرادة لواحد ويعتذر على واحد منهما وكذلك أن وكلهما وكأله مهمه عندنا وذهب أبو حنيفه وأصحابه إلى أنه لا يجوز الإنفراد بذلك لأحد الوكيلين ولا خلاف في أنه لو وكله بشراء شئ فاشتراه فباعه بأقل من قيمته بما لا يتغابن الناس بمثله أن البيع لا يصح وبه قال أبو يوسف ومحمد والشافعي وقال أبو حنيفه: هو جائز ووجه ما قلناه أنه إذا وكله ببيع شئ أو شرائه بثمن معلوم فخالفه أن ذلك غير جائز فكذلك إذا باع أو اشترى بما لا يتغابن الناس بمثله والعله أنه مخالف للموكل.
من باب الكفالة
669 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وأهله، أنه قال: <الزعيم غارم>.
دل على أن الكفيل يلزمه ما يكفل به من نفيس أو مال والزعيم: هو الكفيل ولإنه صلى الله عليه وأهله لم يفصل زعيماً في مال عن زعيم في نفيس في قوله وهذا يقتضي العموم.
670 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبائه، عن علي عليهم السلام، أن رجلا تكفل لرجل بنفيس رحل فحبسه حتى جاء به.
671 خبر: وعن ابن مسعود، أنه استشار الصحابه حين قتل رجل بالكوفه فأشاروا عليه أن يكفل عشائرهم والكفالة متعارفة مشهورة بين المسلمين من لدن الصحابه إلى يومنا هذا، وقال الله تعالى حاكيا عن يعقوب عليه السلام: {لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتني به} وقيل هو الكفالة.
672 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وأهله، أنه أجاز ضمان علي عليه السلام عن الميت الذي عليه دين وأمتنع من الصلاه عليه حتى ضمن علي عليه السلام وكذلك أجاز ضمانأبي قتادة عن المثنى.(7/88)
673 خبر: وعن قبيصه بن المخارق ألهلالي، قال: تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وأهله، أسأله فيها فقال: <أقم حتى تأتينا الصدقه فيأمر لك بها> ثم قال: <يا قبيصه أن الصدقة لا تحل إلا لإحد ثلاثة رجل تحمل حمالة فحلت له المسأله حتى يؤديها...إلى آخر الحديث> والحمأله هي: الضمان وفي حديثأبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وأهله، لم يصل على ميت وضع بين يديه لدينارين كانا عليه حتى ضمنهما أبو قتادة فجعل صلى الله عليه، يتوثق علىأبي قتادة يقول:<هما عليك>فكان النبي صلى الله عليه وأهله، إذا/146 / لقي أبا قتادة يقول: <ما صنعت بالدينارين؟> قال: آخر ذلك قد قضيتهما يا رسول الله. قال: <الآن بردت عليه جلده>.
دل على أن من عليه الدين لا يبرئ بالضمان حتى يحصل الأداء وعلى هذا أن صاحب الدين بالخيار إن شاء طلب الضامن وإن شاء طالب المضمون عنه وهو قول يحيى عليه السلام، في الأحكام وبه قال أبو حنيفه والشافعي وقال يحيى عليه السلام، في العيون الكفاللة والضمان يبرآنهما المضمون عنه كالحوأله وحكى عن ابن ليلى مثل ذلك.
فإن قيل: فقد روي في حديثأبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وأهله، قال له: <هما عليك والميت منهما برئي>.
قلنا: يحتمل أن يكون أراد به بربئ منهما عند حصول الأداء.
674 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبائه، عن علي عليهم السلام، في رجل له على رجل مال فكفل له رجل بالمال قأله له: أن تأخذهما بالمال ولا خلاف في أن الضامن إذا وفىّ صاحب المال دينه أن له أن يرجع به على المضمون عليه إذا كان ضمانه بإذنه وكذلك لا خلاف في أنه لا يرجع به عليه إذا كان ضمانه عليه بغير إذنه لإنه يكون متبرعاً ويدل على ذلك ضمان علي عليه السلام، وأبي قتادة على الميت.
675 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وأهله، أنه قال: <مطل الغني ظلم وإذا أحيل أحدكم على ملئٍٍ فليحتل> وفي بعض الأخبار : <فليتبع >.(7/89)