وجه قولنا: قول الله تعالى النفس بالنفس وعموم الخبر.
فإن قيل روي أن امرأتين من هذيل اقتتلتا فقتلت احداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وعلى أهله في دية جنينها بغرة وقضى بديتها على العاقلة.
قلنا: لا يمتنع أن تكون رمتها بحجر لا يقتل مثله فقتلتها على أنه قد روي أنها ضربتها بعمود فسطاط، وروي أنه صلى الله عليه وعلى أهله أمر بقتلها مكانها.
فإن قيل: روي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله قال يوم فتح مكة: <ألا إن في العمد الخطأ بالسوط والعصا الدية وفيه مغلظة>.
قلنا: قد تكلمنا في ضعف هذا الخبر وأصحاب أبي حنيفة يضعفونه.
514 خبر: وعن أنس أن يهوديا رضح رأس جارية بين حجرين فقيل لها: من فعل هذا فأشارت إلى اليهودي فأتي به فاعترف فأمر النبي صلى الله عليه وأهله فرضخ رأسه بين حجرين.
فدل ذلك على ما قلنا لئن القتل لم يكن بالحديد.
فإن قيل: روي عن النبي صلى الله عليه وأهله أنه قال: <لا قود إلا بالسيف>.
قلنا: كذلك يقول ولا يوجب أن يقاد إلى بالسيف ولم يقل صلى الله عليه وأهله لا قود إلا من السيف. وروي <لا قود إلا بحديدة>.
515 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وعلى أهله أنه قال: <إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وإذا قتلتم فأحسنوا القتل>.
المراد به التوجيه.
516 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وأهله أنه قال: <لا تمثلوا بأدمي ولا بهيمة> ونهى أن يجعل .................غرضا.
دلت هذه الأخبار على أن القوديكون بضرب العنق بالسيف وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي يفعل به ما فعل هو بمن قتله. وجه ما قلنا به الخبر.
فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما عتدى عليكم}.
قلنا: قد فسر ذلك النبي صلى الله عليه وأهله بقوله: <لا قود إلا بالسيف> وقد نهىعن أن يمثل بأدمي ولا بهيمة.(7/25)
فإن قيل: فإن النبي صلى الله عليه وأهله قد أمر باليهودي الذي رضح رأس الجارية بين حجرين أن يرضخ رأسه بين حجرين حتى مات.
قلنا: يجوز أن يكون فعل ذلك قبل نسخ المثلة كما فعل بالعرنيين من الأعين والطرح لهم في الشمس إلى أن ماتوا ثم نسخ ذلك.
517 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وأهله: <لا يقتص ولد من والده ولا عبد من سيده>.
518 خبر: وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبدالله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وأهله أنه قال: <لا يقتل والد بولده>.
519 خبر: وعن عمر أنه رفع إليه رجل جرى بينه وبين امرأته كلام فاعترض له ابنه فحذفه بالسيف فقطعه بأثنين فلم يقتله عمر واخبر أن النبي صلى الله عليه وأهله قال: <لا يقتل والد بولده>.
520 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وأهله أنه قال: <انت ومالك لأبيك> وهو قول أبي حنيفة والشافعي وعامة العلماء، وفرق مالك بين الذبح والحذف بالسيف فأسقط/110/ القود في الحذف للخبر وأوجب القوج في الذبح والأخبار بحجة والقياس على الحذف وعليه ديته في خاصة ماله. ولا خلاف في أن قاتل العمد لا يرث من دية المقتلول كما لا يرث من ماله والديه كسائر الورثة دون الأب، ولا خلاف أن الرجل إذا قتل أباه أنه يقتل ولا خلاف في أن بعض الورثة لو عفا عن قاتل العمد دون جميعهم أن القود يسقط وينتقل إلى الدية فعلى هذا لو قتل جماعة رجلا فعفى ولي الدم عن أحدهم أن القود يسقط عن جميعهم ويكون لولي الدم على كل واحد منهم دية على ما تقدم لئن الدم لا يتبعض سواء كان القاتل واحدا أو جماعة وعند أبو حنيفة والشافعي له أن يقتل الباقين ووجهه أن دم القتيل قد دخله العفو وقد تقدم.
من باب جنايات المماليك(7/26)
521 خبر: قال يحيى بن الحسين عليه السلام: إذا قتل العبد الحر عمدا وجب تسليمه إلى ولي المقتول للأسترقاق وسائر التصرف فيه إلا القتل لا خلاف بيننا وبين أبي حنيفة في الخطأ. وقال في العمد يسلمه للقتل دون الإسترقاق إلا أن يتصالحان بما صلحا وعند الشافعي إن صاحبه إن شاء فداه وإن شاء باعه في الجناية في الخطأ.
قال السيد المؤيد بالله قدس الله روحه: والأصل في هذا أن جناية العبد إما أن تكون في ذمته أو في رقبته أو في ذمة سيده، ولا يجوز أن تكون في ذمته لئن العبد ليست له ذمة ثابتة وإنما له ذمة منتظرة بحصول العتق. قال: وجنايته في رقبته إلا أن يفديه مولاه بأرش الجناية.
وقال السيد المؤيد بالله قدس الله روحه: إن العبد المغصوب لو جنى لم يلزم سيده شيء إذا لم يتمكن من التصرف فيه لئن تسليمه قد يعذر عليه ولا يلزمه الفداء إلا باختياره، وكذلك إن مات العبد بعد الجناية قبل القضاء بطلت الجناية ولم يلزم سيده شيء لخروجه عن يده.
من كتاب الوصايا وباب ما تجوز فيه الوصية
522 خبر: وروي أن الناس كانوا يورثون بحسب الوصايا فقال النبي صلى الله عليه وأهله: <إن الله قد اعطى كل ذي سهم سهمه ألا لا وصية لوارث>.
المراد به نفي الوجوب دون الجواز وبه قالت الإمامية وذهبت عامة العلماء إلى أن الوصية للوارث لا تجوز.
وجه قولنا: أن الأصل في ذلك قول الله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} والوجوب بصفة زائدة على الجواز ومعنى كتب عليكم أوجب عليكم ولا خلاف فيه ثم ثبت فيه نسخ الوجوب بالإجماع ونفي الجواز كما أن صوم يوم عاشوراء نسخ وجوبه وبقي جوازه.
ويدل على ما ذكرنا قول الله تعالى: {من بعد وصية يوصي بها} فعم ولم يخص.(7/27)
523 خبر: وعن سعد بن مالك قال مرضت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وأهله/111/ يقودني فقلت يا رسول الله إن لي مالا كثيرا وليس يرثني إلا ابنتي فأوصي بمالي كله وفي بعض الأخبار بثلثي مالي. قال: لا. قلت: فالشطر. قال: لا. قلت: فالثلث. قال: الثلث والثلث كثير إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس.
ولا خلاف في أن الوصية لا تصح إلا ف يالثلث إلا أن يجيزها الورثة.
524 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: <إن الله جعل الثلث في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم>.
قال يحيى بن الحسين عليه السلام في الأحكام: ولو أن الموصي استأذن الورثة في أن يوصي بأكثر من الثلث فأذنوا له في ذلك وأجازوا جازت الوصية ولم يكن لهم أن يردوها بعد موته وبه قال ابن أبي ليلى وعثمان البستي، وعن مالك لا رجوع لهم إن كان استأذنهم في حال المرض وإن كان استأذنهم في حال الصحة فلهم الرجوع.
وقال يحيى بن الحسين عليه السلام في الفنون: لهم الرجوع بعد موت الموصي وبه قال المؤيد بالله قدس الله روحه وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي.
ووجه ما قاله في الأحكام: أن الزايد على الثلث حق الورثة فإذا رضوا بإسقاط حقهم سقط وجرى مجرى الوصية بالثلث إذ هو مالكه ولا حول لهم فيه قبل موته.
ووجه ما قاله في الفنون: إن أجاز لهم وقعت فيما لم يملكوا لأنهم لا يملكون الميراث إلا بعد موته فلم يصح اجازتهم دليله من اسقط الشفعة قبل البيع.
فإن قيل: لولا استقرار حق الورثة لم يمنع المريض من أن يوصي بأكثر من الثلث.
قلنا: ذلك المنع إنما هو للمال إلا ترى إلى ما روي في الشفعة ولا بيع الشريك حتى يؤذن شريكه منع من البيع قبل أن يعلمه، ........ كان ذلك للمال لم يؤثر تسليم الشفعة قبل البيع ولما جاز للموصي أن يرجع فيما أوصى ما دام حيا فأولى أن يجوز للورثة الرجوع من الإجماع.(7/28)
524 خبر: وروي أن يهوديا عدا على جارية فأخذ وصاحت ورضح رأسها بين حجرين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: <اقتلك فلان> لغير ذلك اليهودي فأشارت برأسها لا. ثم قال: <ففلان> لآخر فأشارت برأسها لا ثم قال: <ففلان> يعني قاتلها فأشارت برأسها نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وأهله فرضح رأسه بين حجرين.
دلت على أن العليل إذا قيل له اتعتق عبدك فلانا، أتوصي من مالك بكذا فأشار إشارة يفهم منها مراده انفذ ذلك إذا علم منه أنه تعقل ذلك لا خلاف في أن خفيف العلة الذي لا يخاف عليه منها الموت في حكم الصحيح، وإن من اشتدت به العلة وخيف عليه الموت لا يجوز من وصيته إلا الثلث، وكذلك من صاف عدوا أو قرب لقتل، وكذلك في المرأة إذا أثقلت وقد فصل الله تعالى بين خفيف الحمل وثقيله فقال عز من قائل: {فلما بعثاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما اثقلت دعوا الله ربهما} الآية ففرق بين الخفيف والثقيل فعلى هذا إذا بلغت المرأة ستة اشهر واستوفتها لم يجز من وصيتها إلا الثلث وبه قال مالك والليث، وقال أبو حنيفة والشافعي هي بمنزلة الصحيح حتى يضربها الطلق.
525 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام أنه قال: لا وصية ولا ميراث حتى يقضى الدين/112/ ولا خلاف فيه.
526 خبر: وعن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وأهله: <ليس لقاتل وصية>.
527 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام: لا وصية لقاتل. رواه عنه موقوفا.
دل على أن رجلا لو أوصى لرجل بشيء من ماله فقتله الموصي له بطلت الوصية وهذا ذكره يحيى عليه السلام في المنتخب وذكر فيه أنه ضربه ثم عفى المضروب عن الضارب ومات من الضربة أن عفوه يكون وصية من الثلث.(7/29)