والقتل عمد وخطأ ولا معنى لشبه العمد، وحكى نحو قولنا، عن مالك وأتيت أبو حنيفة، والشافعي، وأكثر العلماء شبّه العمد وروي عنه روايات، لم تصح عندنا، وغّلظوا فيه الدية، واستدلوا مما روي عن النبي صلى الله عليه وأهله، أنه قال يوم فتح مكة: <ألا إن في قتل العمدالخطأ بالسوط والعصا، والحجر الدية مغلّظة، منها أربعون خلفه في بطونها أولادها فنقول أنه يحتمل أن يكون المراد أن يغرقنا جواز العدول منا عن القود إلى الدية، وإن تتغلّيظ الدية، والزيادة على على الأصل المقرر منها جائز، وإن يكون أراد بقوله الخطأ العممد تطييباْ لنفوس أولياء الدم.
فإن قيل: روي عن علي عليه السلام التغليظ في ذلك، وهي ثلاث وثلاثون جدعة، وثلاث وثلاثون حقة، وأربع وثلاثون ما بين ثنيّة إلى نازل عاها في بطونها أولادها.
قلنا: أن سنده ضطرب ذكره أبو بكر الجضاض، وذلك دليل على ضعفه، وأيضا فقد اختلفت العلماء، فقال مالك: ليس إلا عمداً، وخطأً، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، أيضا لم يعملا به، إلا أنهما قالا في التغليظ : يجب أن تؤخذ الدية الإبل أرباعا، مثل قولنا، والشافعي، يوجب القود بالحجر الكبير، والعصا الذي مثله يقتل، وذهب الشافعي، وأحمد في التغليظ إلى أنه ثلاثون جدعة، وثلاثون حقة، وأربعون خلفة، في بطونها أولادها، وروي عن علي عليه السلام مثل قولهما، وروي عن زيد بن علي برفعه إلى علي عليه السلام، التغليظ في جميع أصناف الدية.
قلنا: جميع ذلك يحتمل أن يكون المراد به الصلح فيما استحق به القود، والله أعلم، ولاخلاف بين العلماء أن الدية تؤخذ في ثلاث سنين في كل سنة ثلث دية وهو إجماع الصحابة في أيام عمر، ولا خلاف أيضا في أن الدية موروثة كسائر الأموال، إلا ما يحكى عن مالك في الزوجة.(7/10)


وقول يحيى عليه السلام تؤخذ نصف الدية في سنتين، وكذلك ثلثا الدية، وثلاثة أرباع الدية، وذلك لأنه أجزاه على سبيل البيع ما تبع الأقل الأكثر، ولا خلاف في أن من لزمته ديات عدة، أنه لا تداخل وأنها تلزم في ثلاث سنين، وإذا بيّت كون الدية موروثة صحب فيها الوصيّة، وعلى هذا إذا أعفي المجروح عن الجارح، ثم مات سقط القود عن الجارح، وكاتب الدية وصية يخرج من الثلث إن كان عفي عن الدية، والدم جميعاً، لأن العفو عن الدم لا تسقط الدية عندنا، وإذا/101/ قدر الجرح بشيء وعفى عنه؛ كان ذلك الشيء وصيّة، وسقط القود، لأنه قد رضي أنه متحول ذمة إلى الدية.
من باب ما يلزم العاقلة
470 خبر: وعن جابر، أن امرأتين من هذيل قبّلت إحداهما الأخرى، فجعل رسول الله صلى الله عليه وأهله، دية المقبولة على عاقلة العاقلة.
471 خبر: وعن المغيرة بن شعبة، قال: قال رسول الله صلى الله وأهله: <المرأة تعقل عنها عصبتها ويرثها بنوها>.
472 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وآله، أنه قضى في الحسين بالغرة وجعلها على عاقلة الجاني.
473 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام أنه قال في دية الخطأ: كل ذلك على العاقلة، وقضى بها عمر في وفارة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وأهله ولا خلاف في ذلك.
474 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام قال: لا تعقل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا اعترافا.
دل على أن المعترف تلزمه الدية في خاصة ماله وكذلك فيما دون الموضحة لئن الجناية في الجاني في الأصل فلما ورد في الموضحة وفيما فوقها أنها على العاقلة ولم يرد فيما دونها تركت على الأصل، وهذا قول يحيى عليه السلام في الأحكام وهو الأصح، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.
وقال في المنتخب: تعقل العاقلة القليل والكثير. وبه قال الشافعي.
ووجه قولنا: ما قاله في المنتخب القياس على الكثير.(7/11)


وحكى عن مالك أن العاقلة لا تعقل ما دون الثلث وتسقط ........ ما روي أن النبي صلى الله عليه وأهله قضى بالغرة على العاقلة وهي نصف عشر الدية والعاقلة تقعل جناية الحر على العبد ولا تعقل جناية العبد لأنهم ليسوا له بعاقلة. وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وحكى عن أبي يوسف أنها على الجاني إذا جنى على العبد ولا خلاف في أن العاقلة لا تتحمل عض البهائم والأشباه من العروض.
475 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وأهله أنه جعل دية المرأة التي قتلتها الأخرى على عصبة العاقلة.
476 خبر: وعن عمر أنه قال لعلي عليه السلام قال: آه في المجهضة إن كانوا عرفوا فقد عثوا، وإن كانوا لم يعرفوا فقد جهلوا أقسمت عليك لنجعلنها على قوممك يعني قريشا.
477 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وأهله أنه قضى بالأرث لأهله وقضى بالدية على العاقلة، دون أهل الميراث.
دلت هذه الأخبار على أن العاقلة هم أهل الديوان واحتج بفعل عمر أنه قضى بالعقل عليهم فيقول أن النبي صلى الله عليه وأهله قضى بالدية على العاقلة ولا ديوان في عصره، وما روي عن عمر يجوز أن يكون أهل الديوان عصبة ولا خلاف في أنه يضم البطن الأدنى فالأدنى إلى الجاني حتى يكون الذي يلزمم الرجل في ثلاث سنين أقل من عشرة دراهم، وذلك من التسعة إلى الثلاثة، والثلاثة أقل ما قيل فيه، وذلك أنه تافه لا قطع فيه وقد روي أن اليد لم تكن يقطع في الشيء التافه على عهد رسول الله صلى الله عليه وأهله.
478 خبر: وعن النبي صلى الله عليه وأهله أنه قال: <رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم>.(7/12)


دل على أن عمد الصبي خطأ تعقله العاقلة إذا جنى جناية كالموضحة فما فوقها، وقضى النبي/102/ صلى الله عليه وآله بالدية على العاقلة ليدل على أن الجاني ليس عليه من الدية شيء لأنه لم يذكر والجاني كأحدهم، وكذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام أن ديات الخطأ كلها على العاقلة وأكون كأحدهم وعليٌّ لم يأمره بذلك. وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يكون كأحدهم.
وجه قولنا: ما تقدم. ولئن العقل موضوع على البصيرة فلو أدخلنا الجاني فيه جاز أن يكون الجاني امرأة أو صبيا؛ وهما ليسا من أهل البصيرة، فيكون قد أدخلنا فيها من ليس من أهلها.
قال المؤيد بالله قدس الله روحه: إذا كان في عوامل الجاني قلة ولم يحتملوا الدية كان ما فصل عنهم وعجزوا عن تحمله راجعا إلى خاصة مال الجاني. وقال الشافعي: يرجع إلى بيت المال.
قال المؤيد بالله قدس الله روحه: فإن لم يكن له مال كانت دية جنايته في بيت مال المسلمين. وللهادي إلى الحق عليه السلام في الصبي مثل ما قاله المؤيد بالله، ونص في المنتخب أن أهل الذمة إذا لم يكن لهم عواقل لزمتهم الدية في خاصة أموالهم ولا خلاف في أن جنايات المجنون كلها خطأ وهي على عاقلته.
من باب القسامة
وعن يحيى بن الحسين عليه السلام يرفعه إلى زياد ابن أبي مريم قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وأهله فقال: إنى وجدت أخي قتيلا في بني فلان. فقال: <اجمع منهم خمسين رجلا فيحلفون بالله ما قتلوا ولا يعلمون قاتلا>. قال: يا رسول الله: مالي من أخي إلا هذا. قال: <بلى لك مائة من الأبل>.
479 خبر: وعن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وأهله فضى بالقسامة على المدعى عليهم.
480 خبر: وعن عمر ابن أبي خزاعة أن النبي صلى الله عليه وأهله قضى بالقسامة على المدعى عليهم.(7/13)


481 خبر: وعن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، في قتيل وجد في محلة لا يدرى من قتله فقضى علي عليه السلام على أهل المحلة أن يقسم منهم خمسون رجلا ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ثم يغرمون الدية.
482 خبر: وعن الشعبي عن مسروق قال: وجد قتيل بين قريتين فكتب فيه إلى عمر، فكتب أن قيسوا ما بين القريتين فأيهما كان أقرب فاستحلفوا منهم خمسين رجلا ما قتلناه ولا علمنا قاتلا ثم اقسموا الدية.
483 خبر: وعن أبي سعيد الخدري قال: وجد قتيل بين قريتين فأمر رسول الله صلى الله عليه وأهله فذرع ما بينهما فوجدت أحداهما أقرب فألقاه على أقربهما.
قال يحيى بن الحسين عليه السلام وروي نحوه إذا وجد بين قريتين عن علي عليه السلام، وفي بعض الأخبار أن عمر لما قضى بذلك قيل له تحلفنا وتغرمنا. قال: نعم. وفي بعضها قال: نعم فبم يبطل دم هذا. وافقنا أبو حنيفة، وقال الشافعي الأيمان على المدعين فإذا حلفوا استحقوا الدية. وقيل أنه قال: إذا حلفوا استحقوا الدم.(7/14)

111 / 146
ع
En
A+
A-