وندين بأن الله صادق في أخباره كلها، وأنه لا يخلف المعياد، ولا يبدل القول لديه، وأن أهل الكبائر من أهل ملتنا إن لم يتوبوا من ذنوبهم، وخرجوا من الدنيا مصرين عليها، غير نادمين ولا مستغفرين؛ أنهم من أهل النار خالدون مخلدون، لا يخرجون منها، ولا يغيبون عنها، بل يبقون فيها أبداً سرمداً؛ لقوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ نُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}[النساء: 14]، ولقوله: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ. وَإِنَّ الفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ. يَصْلَونَهَا يَومَ الدِّينِ. وَمَاهُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ}[الإنفطار: 13 ـ 16]، ولقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النور: 23]، والملعون في الآخرة لا يدخل الجنة؛ لأن الآخرة دار جزاء، لا دار عمل وبلوى. ولقوله: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً. وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} [النساء: 29 ـ 30]. وبمثل آية الفار(1) من الزحف، وبمثل آية القاتل، وبمثل آية أكل أموال اليتامى ظلماً. فبهذه الآيات علمنا أن الله يعذب أهل الكبائر بالنار، ثم يخلدهم فيها أبد الأبد.
***
__________
(1) في (ج): الفرار.(1/161)


وندين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن نصرة المظلوم والأخذ على يد الظالم؛ فرض لازم، وحق واجب؛ لأن في ترك الأمر بالمعروف للحق إماتة، وفي ترك النهي عن المنكر للباطل حياة(1)، ولذلك أوجبه الله على عباده، وفرضه عليهم فرضاً بكل ما أمكنهم، وكذلك(2) قال رب العالمين: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ}[المائدة: 2]، وقال: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}[الحجرات: 9] وقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَونَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[التوبة: 17] مع آيات كثيرة تدل على ما قلنا، وتصحح ما شرحنا.
***
وندين بأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه كان خير هذه الأمة بعد نبيها عليه السلام؛ لطاعته لربه، وبذله لمهجته، (واستغراقه لقوته)(3) في طاعة الله، وطاعة رسوله عليه السلام، وقرب قرابته من رسول الرحمن، وعلمه بما أنزل الله من القرآن، وزهده في هذه الدنيا.
ولأقوال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المشهورة المعلومة فيه، يوم غدير خم (( من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره )). ولقوله: علي مني بمنزلة هارون من موسى إلاَّ أنَّه لا نبي بعدي ))، و(( أنت قاضي ديني، ومنجز وعدي )).
مع ما قد خصه به الرسول عليه السلام؛ من علم ما يكون في أمته من الأحداث والفتن، وما كان عليٌّ ينادي به من قصة المرادي(4) الذي قتله، وغير ذلك من الفرقة القاسطة، والناكثة، والمارقة.
__________
(1) في (ج): وفي النهي عن المنكر للباطل إماتة.
(2) في (أ، ج): ولذلك.
(3) سقط من (أ).
(4) هو اللعين: عبد الرحمن بن ملجم المرادي.(1/162)


مع إجماع أمتنا(1) على أن خلال الخير كلها كانت مجتمعة فيه، مفترقة في غيره، وذلك أنهم أجمعوا أنَّه كان أحد السابقين، وأحد العلماء، وأحد الزهاد، وأحد الباذلين لأنفسهم(2)، ولم يجمعوا على أن هذه الخصال اجتمعت في غيره، فتبين فضله عليهم اجمعين. ثم كان ابن عم محمد عليهما السلام، وأبا السبطين الحسن والحسين، وزوج فاطمة صلى الله عليهم أجمعين.
وقد أجمعوا جميعاً أن علياً صلى الله عليه كان يصلح للخلافة موضعاً لها يوم قبض الله نبيه عليه السلام، واختلفوا في غيره، فالحق ما أجمعوا عليه، والباطل ما اختلفوا فيه.
وجميع أهل الصلاة عندنا خمسة أصناف: الشيعة، والمعتزلة، والخوارج، والمرجئة، والعامة(3).
فقالت المعتزلة والخوارج: الإمامة جائزة في الناس كلهم، ما صلحوا بأنفسهم، وكانوا عالمين بكتاب الله ربهم، وسنة نبيهم عليه السلام.
وقالت المرجئة والعامة: الإمامة جائزة في قريش محظورة على غيرهم.
وقالت الشيعة: الإمامة جائزة في آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، (محظورة على غيرهم)(4).
فإذاً ذلك إجماع من الفرق كلها في آل محمد؛ وذلك أن من أجازها (في الفرق كلهم فقد أجازها في قريش، ومن أجازها)(5) في قريش فقد أجازها في آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ كانوا خير قريش، وأوسطهم داراً.
فأما المعتزلة والخوارج فشهادتهم ساقطة؛ إذ ادعوها لأنفسهم، وفي السنة أن لا تجاز شهادة الجارِّ إلى نفسه.
__________
(1) في (ب): إجماعنا.
(2) في (أ): لمهجهم.
(3) هذه أصول فرق المسلمين الجامعة؛ وقد تفرع كل واحد منها إلى فروع كثيرة يختص كل فرع منها بمقالة ويتميز بها وهي مذكورة تفصيلاً في كتب الملل والنحل. والمقصود بالعامة: المتسمون أهل السنة. والله أعلم.
(4) سقط من (ب).
(5) سقط من (ب، ج).(1/163)


فجميع هذه الفرق قد أقرت للشيعة بجواز هذا الأمر(1) في آل محمد، وأنكرت الشيعة ان تكون جائزة في غيرهم، فالحق ما أجمعوا عليه، والباطل ما اختلفوا فيه.
وأجمعت الأمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما ))، وقال: (( هما إمامان قاما أو قعدا )).
وأجمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لم تضلوا من بعدي(2) أبداً: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض )). فكما لا يجوز ترك التمسك بالكتاب؛ كذلك لا يجوز ترك التمسك بالعترة؛ لأن الكتاب يدل على العترة، والعترة تدل على الكتاب، ولايقوم واحد منهما إلاَّ بصاحبه. وقال عليه السلام: (( مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى )). مع ما جاء فيهم وفي أبيهم من تواتر الأخبار وتظاهرها، عليهم صلوات الله ورحمته وبركاته.
__________
(1) في (أ): بجوازها.
(2) في (أ): ما إن تمسكتم بهما من بعدي لم تضلوا.(1/164)


فهذه الأصول هي التي ندين الله بها، وندعو إليها، فمن دان بها فهو أخونا وولينا، ندعو إليها من أجابنا، ونجيب من دعانا، هذا ديننا ونحلتنا، والطيبون من آل محمد قادتنا، فمن وافقنا فهو ولينا، ومن فارقنا عليه حاججناه بالمحكم من كتاب الله، ورددناه إلى المجمع عليه من سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ فإن قبل ذلك منا، كان له ما لنا؛ وعليه ما علينا؛ نتولى كل مهتد مضى قبلنا، وسيرتنا في ولينا وعدونا سيرة نبينا، الله ربنا، ومحمد نبينا، والقرآن إمامنا، والإسلام ديننا، والموت غايتنا، والحشر يجمعنا(1)، والموقف موعدنا، وحكم الله يفصل بيننا، فمن أقر بما أقررنا به وجبت ولايته، ومحبته ومؤآخاته، ومن أبى إلا المخالفة للحق، والمعاندة للصدق؛ كان الله حسيبه وولي أمره، والحاكم بيننا وبينه، وهو خير الحاكمين.
تمت الأصول(2).
*****
__________
(1) في (ب): مجمعنا.
(2) في (أ): تم كتاب الأصول.(1/165)

33 / 209
ع
En
A+
A-