وأن اللّه افترض اتخاذ الإمام العادل إماماً ليؤتم به، وسمي خليفة ليخلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أعماله. وأنه من خالف(1) حكمه حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفارقه، فليس بإمام ولا خليفة، ولكنه مُتَبَّرٌ ظالم.
وأن الأخذ بجميع ما أجمعوا عليه صواب وبر وهدى، وأن الترك لما أجمعوا عليه ضلال وخطأ.
[خاتمة]
فهذه صفة جملة الدين، وكثير من تفسيرها في التوحيد وغيره، ونرجو أن تكون هذه الجملة تدل على الصواب كله، وتنفي الخطأ كله، وأن نكون قد ذكرنا فيها أموراً قد أقام اللّه بها حجته على جميع العالمين، في جميع ماهم ذاكرون من خطأ أو صواب، وأن يكون قد دخل في هذه الجملة جميع (أصناف)(2) الاختلاف وقول أهل البدع.
فمن زعم أن هذه الجملة على غير ما ذكرنا، فليعرض جميع ما قال الناس عليها، فما وافقها قَبِله، وما خالفها تركه، فإنا نرجو أن لا يخرج من ذلك شيء أبداً إلاَّ أدرك صوابه وخطأه من هذه الجملة، إن شاء اللّه تعالى.
ومن ظن أن شيئاً من هذه الجملة ليس بحق؛ فليعرضه على كتاب الله، وسنة رسوله عليه السلام، وفطرة العقول، فمن عمل بما أمره اللّه به، وانتهى عما نهى اللّه عنه، ودان بذلك؛ فله مالنا وعليه ما علينا، يتولى(3) كل مهتد مضى قبلنا، وسيرتنا في ولينا كسيرة نبينا عليه وعلى آله السلام في ولينا، وسيرتنا في عدونا كسيرة نبينا في عدونا.
(الله ربنا ومحمد نبينا، والقرآن إمامنا، والإسلام ديننا، والكعبة قبلتنا، [والموت غايتنا](4)، والحشر يجمعنا، والموقف موعدنا، وحُكْمُ اللّه يفصل بيننا، والجنة والنار أمامنا).
نسأل اللّه الجنة برحمته، ونعوذ بالله من النار بعفوه.
إلى هذا ندعو من أجابنا ونجيب من دعانا.
(تم الأصل)(5)
والحمدلله وحده وصلواته على رسوله (سيدنا)(6)محمد (النبي وعلى آله وسلم)(7).
__________
(1) في ب: ما خالف. والصواب ما أثبته.
(2) في هامش ط: غير موجودة في أ. وكذلك في ج، ب.
(3) في ج: نتَولَّى.
(4) ليس في ج، وأثبته في الهامش.
هذا ديننا ونحلتنا، والطيبون من آل محمد قادتنا. فمن وافقنا على هذا فهو ولينا، ومن خالفنا فهو عدونا، والله ولي المؤمنين، وعدو الفاسقين.
(5) في أ: تم ذلك.
(6) غير موجودة في
(7) عبارة أ: وعلى أهل بيته الطيبين وسلم.(1/156)


كتاب أصول الدين
m
قال يحيى بن الحسين صلوات اللّه عليه:
سألت يا بني(4) فهّمك الله ونفعك؛ عما ندين الله به، ولا يسع أحداً من المكلفين جهله، من معرفة الأصول؛ من توحيد الله، وعدله، وإثبات وعده ووعيده، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإثبات الإمامة في المصطفين من آل نبي الله عليهم السلام.
__________
(4) لعل السائل هو: ولده الإمام المرتضى عليه السلام.(1/157)


فإنا ندين بأن الله واحد أحد، ليس كمثله شيء، ولا له ند من الأشياء ولا ضد؛ لأن الند لما يناده مُكافٍ، والضد لما يضاده مناف، وليس من الأشياء ما يكافيه، ولا يضاده فينافيه، وأنه ليس بجسم محدود، ولا شبح ماثل(1)، وأنه بكل مكان، على غير اجْتِنَانٍ(2) ولا كينونة. وكذلك قال تبارك وتعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ}[الحديد: 4]، وقال: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا}[المجادلة: 7]، وقال عزَّ وجل: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ}[ق: 16]، وقال: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ}[الزخرف: 84]، مع آيات كثيرة تدل على أنَّه لا يحتاج إلى المكان، وأنه بكل مكان مدبر، وأنه كان قبل كل مكان، وحين وأوان، وأنه كان ولا سماء ولا أرض، ولا عرش ولا كرسي، ولا كلام، ولا صوت ولا حروف، وأنه كان قبل التوراة والإنجيل والقرآن.
وأن القرآن أنزله على نبيه عليه السلام، وأنشأه وخلقه، ووصَّله وفصَّله، وألَّفه وأحدثه، وأنه يقدر أن يذهب به ويجيء بغيره، وأنه محفوظ، وأن الله حافظه، وأنه يقدر أن يجيء بمثله، كما قال سبحانه: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}[البقرة: 106].
وأن الله لا مثل له ولا نظير، وأن الأبصار لا تدركه في الدنيا ولا في الآخرة، وذلك أن كل ماوقع عليه البصر؛ فمحدود ضعيف ذليل، محتاج مَحْويٌّ محاط به، له كل وبعض، ولونٌ وطعم، ورائحة ومَحَسّة، وفوق وتحت، ويمين وشمال، وخلف وأمام.
__________
(1) في (ج): مماثل.
(2) في (ج): احتياز. يعني احتياج إلى حيز ومكان. والاجتنان: الاستتار.(1/158)


وأن الله لا يوصف بشيء من صفات المخلوقين؛ لأنَّه غني قديم، وهكذا قال لا شريك له: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى: 11]. لأن الله تبارك وتعالى ليس بشخص فتجاهره الأبصار، ولا هو صوت فتعيه الأسماع(1)، ولا رائحة فتشمه المشام، ولا حار ولا بارد فتذوقه اللَّهوات، ولا ليّن ولا خشن فتلمسه الأيدي؛ لأن الله سبحانه خلق الأيدي وما لمست، وخلق الأبصار وما جاهرت، والأسماع وما وعت، والمشام وما شمت، واللهوات وما ذاقت. فهذه الخمس الحواس المُدْرِكات كلها مخلوقات، مجعولات محدثات، لس فيها شيء يشبه الله، ولا الله عزَّ وجل يشبه شيئاً منها، ولذلك(2) قال تبارك وتعالى: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الأنعام: 103]، لأن ما وقع عليه البصر فمحدود ضعيف، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
***
وندين بأن الله عزَّ وجل: عدل في قضائه، جواد في عطائه، رحيم بعباده، ناظرٌ لخلقه، لا يكلفهم ما لا يطيقون، ولا يسألهم ما لا يجدون، و {لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً}[النساء: 40]. وأنه لم يخلق الظلم ولا الجور والكفر في العباد، ولم يرد الظلم والفساد، ولا الجهر بالسوء من القول، وأنه لا يشأ قتل أوليائه(3)، ولا تكذيب رسله، ولا يقضي ولا يُقدر شتم نفسه ولا الفرية عليه، وأن من فعل ذلك؛ أو أراد معه الصاحبة والولد؛ فغير حكيم ولا عليم. وأن الله رحمن رحيم، حكيم عليم، لا يجوز عليه العبث.
__________
(1) في (ج): فتوعيه. وما هنا ـ نخ.
(2) في (أ): وكذلك.
(3) في (أ): أنبيائه.(1/159)


وكيف يمنع عباده من الإيمان؛ ثم يقول في كتابه: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى}[الإسراء: 94 ، الكهف: 55]، {وَمَاذَا عَلَيهِمْ لَو آمَنُوا بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ}[النساء: 39]، {فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}[الانشقاق: 20]؟! يأمرهم بالهدى ويصرفهم عنه؛ ثم يقول: {أَنَّى يُصْرَفُونَ}[غافر: 69]؟ ويخلق فيهم الكفر؛ ثم يقول: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيئاً إِدّاً. تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً}[مريم:89 ـ 90]؟
بل نقول: سهل ربنا لعباده السبيل، وأقام لهم الدليل، وأرسل إليهم الرسول، وأنزل عليهم(1) القرآن، وجعل فيه الشفاء والبرهان، أحل فيه الحلال، وحرم فيه الحرام، وأقام الحدود والأحكام، ثم مكنهم مماطوَّقهم(2)، ثم دعاهم جميعاً إلى الإيمان به، ثم أمرهم ونهاهم، ثم آمنهم من ظلمه، ورغبهم في جزيل ثوابه، (ولم يرد منهم غير ما به أمرهم)(3)، ولم يزجرهم وينههم عما يريده منهم ويشاه؛ لما في ذلك من خلاف الحكمة والرحمة، كما قال سبحانه: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف: 180]، ويقول: {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة: 117]، وقال: {أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوفَ يُرَى}[النجم: 38 ـ 40]، وما الله بظلام للعبيد.
***
__________
(1) في (أ): عليه.
(2) في (ب): ما طوقهم. أي كلفهم.
(3) في (أ): ولم يأمرهم بما لم يرد منهم. ولعل الصواب: ولم يرد منهم غير ما به أمرهم، ولم يأمرهم بما لم يرد منهم، ولم يزجرهم. الخ فتأمل.(1/160)

32 / 209
ع
En
A+
A-