والجِهَادِ في سبيل اللّه بنية صادقة، ونصح(1) لله ولدينه وللمؤمنين عامة. والْبُغض في الله، ومُوَالاةِ أولياءِ الله، من دان بدين الله، واعتصم بحبل الله. والْمُعَادَاةِ لأعداء الله، من كفر بالله، وفجر في دين الله. وتَحْرِيِم دماء المؤمنين(2) وأموالهم، وأذاهم، ومؤازرتهم على الإيمان. واسْتِحْلاَلِ دماء الكفار على ما كان يستحله منهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ما خلى من أعطى الجزية من أهل الذمة من المجوس والنصارى والصابئين واليهود.
__________
(1) في ط: ونُصْحاً.
(2) في ب، ط: المسلمين.(1/146)


واْلأمرِ بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإظهار الحق بِقُدْرةٍ، فمن لم يستطع فلا جناح عليه. وأداء الزكاة (على ما شرط رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ، وتنفيذ الصدقات) (1) ووضعها على ما أمر اللّه في كتابه من قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيهَا وَالْمُؤْلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ}[التوبة: 60]، وَوَضْع الفيء والغنيمة على ما أمر اللّه في كتابه من قوله، إذ يقول: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى}[الحشر: 7]، وإذ يقول: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُوْلِ وَلِذِي القُرْبَى} الآية [الأنفال: 41]، وإلى تحريم ما حرم اللّه في كتابه، من الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أهل لغير اللّه به، والمنخنقة، إلى قوله: {بِالأَزْلاَمِ}(2). وإلى اجتناب الخمور، وشهادات الزور، وقذف المحصنات، والفرار من الزحف، والبخس في المكيال والميزان، مع ما حرم اللّه من نكاح الأمهات، والبنات، والأخوات، وما ذكر معهن، إلى قوله: {إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ}(3)
__________
(1) زيادة من هامش (ج)، وقال صح.
(2) في هامش ط: وهي الاية 3 من سورة المائدة، حيث يقول اللّه سبحانه: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير اللّه به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلاَّ ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام}، والأزلام: جميع زلم، وهي الأقداح الثلاثة كانوا يجرون القرعة عليها ليقرروا المضي فيما يعزمون عليه أو العدول، وكان يكتب على أحدها: أمرني ربي، وعلى الآخر: نهاني ربي، وكان الثالث غفل من الكتابة، وفي حالة خروج الأخير يجيلون القرعة ثانية، راجع (تفسير البيضاوي) ص 167.
(3) في هامش ط: وهي الآيات 22 و23 من سورة النساء، حيث يقول الله سبحانه: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلاَّ ما قد سلف إنَّه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهنَّ فإن لم تكونوا دخلتم بهنَّ فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلاَّ ما قد سلف إن الله كان غفوراً رحيماً}.(1/147)


وأشباه ذلك مما قد ذكر الله من تحريم الزنى، وأكل الربا، وأخذ أموال الناس بالباطل، وأكل أموال اليتامى ظلماً، وإتيان الذُّكران من العالمين، وأخذ الرشا في الحكم، وتعطيل الحدود، والسرقة والخيانة.
فإن كان في الدنيا أحد لم تأته الأخبار، فعلم أنَّه وما أشبهه مخلوق، وأن اللّه خالقه وخالق الخلق، وأنه قديم وما سواه محدث، وأنه لا شبيه له ولا نظير، وأنه عدل لا يجور، وحَكَمٌ لا يظلم، فقد أصاب جملة التوحيد والعدل.
فإن شبهه بعد ذلك بشيء(1)، أو شَكَّ في أنَّه يشبه شيئاً، أو ظن أنَّه يظلم أو يجور، فقد نقض جملته وخرج مما دخل فيه.
وأما من أتته الأنباء والأخبار، وقامت عليه الحجة بالرسل والكتب والأنبياء(2)، فإذا هو عرف الجملة وأقر بها، وعرف الرسول، وشهد الشهادتين: [شهادة] أن لا إله إلاَّ اللّه وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، (وأقر بجميع ما يأتي به النبي صلى الله عليه وآله، [من عند الله](3)، وأنه الحق) (4)، وضمن أداء جميع ما فرض عليه، فهو ـ بَعْدُ ـ مؤمن مسلم. فإن جحد شيئاً من تلك الأصول المنصوص عليها، أو شك فيها(5)، بعد قيام الحجة عليه فقد نقض جملته، وصار بذلك من الكافرين.
__________
(1) في أ، ب: بيسير.
(2) في ط: والأثبات، وفي هامشه: رسمها في أ، ب هكذا: والانباء.
(3) سقط من: ج.
(4) سقط من (أ).
(5) في ج: فإن جحد ذلك أو شك فيه.(1/148)


ومن العلم بدين اللّه عندنا معرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومعرفة من هو، ومِمَّن هو، وأنه لا نبي بعده، وأنه لم يكن يعلم الغيب، ولا ينتحله أحد بعده، وأن القرآن كتاب الله، وأنه أخبر فيه أن حجته بالغة، وأنها عند جميع الناس في لغاتهم معروفة، وأن أنبياء اللّه لم تزل تَحْتَج بها، وَتُقِرُّ أنها من خالقها، وأنهم جميعاً جاءوا بالبينات والآيات، وهن الحجج، وأن تلك الحجج ميراث الأنبياء يورثونها أتباعهم. وأن اللّه أبان رسله بالأعلام(1)والدلالة التي لا يقدر الخلق عليها، ولا تكون إلاَّ من فعل الخالق، كإحياء الموتى، وإلقاء العصا فصارت حية تسعى، وكمجيء الشجرة، وكلام الذئب، وأن هذا ما لا يعطاه أحد إلاَّ الأنبياء والرسل، وأن أتباع الرسل إنما يخبرون عن حجج الرسل ويدعون إليها الناس ويحتجون عليهم بها.
وأن مما أحتج اللّه به أن جعل كتابه عربياً مبيناً، بلغة العرب وكلامهم، وجعله مع ذلك لا يشبه الشعر، ولا الرسائل، ولا الخطب، ولا السَّجْع، ولكنه أَبَانَهُ من ذلك كله، فلا يطيق أحد أن يأتي بمثله.
وأن اللّه قد أقام سنة نبيه فيما لم يبينه في الكتاب مفسراً مشروحاً، من عدد الصلوات وأوقاتها وحدودها، وتفسير الحج والعمرة، وأن ذلك لا يكون إلاَّ إلى الكعبة.
__________
(1) في هامش ط: أي المعجزات.(1/149)


وأنه جعل الزكاة في الأموال، تؤخذ من الأغنياء، وتوضع في الفقراء، وأنه لا يحل أخذ مال أحد من أهل الصلاة إلاَّ بطيب من نفسه، أو بالميراث، أو بقَرض يلزمه، أو بحق يجب عليه، وإن فجروا فقتلوا(1) بالحدود، ما لم يخرجوا من الملة وحكمها، وحرم منهم الدماء وجميع الجراحات(2)، إلاَّ ما أحل اللّه من إقامة الحدود على من أصابها، ممن أقر على نفسه في صحة من عقله، أو قامت عليه بذلك بينة، على ما بينه اللّه في كتابه وسنة رسوله عليه وعلى آله السلام.
وأن القصاص سواء بين أهل الملة جميعاً، فيما بين شريفهم ووضيعهم، وأبرارهم وفجارهم، ما لم يخرجوا من الملة.
وأن اللّه أوجب عليهم الامتناع من الظلم إذا قدروا، ومعونة المظلومين إذا استطاعوا، ولا يتعدوا في ذلك ولا في غيره حد الله.
وأن الصيام في شهر معلوم، شَهْرِ رمضان، سوى ما يجب لله من كفارة اليمين والظهار وقتل الخطأ، وفي التمتع بالعمرة إلى الحج إذا لم يجد الهَدْي، وفيمن أوجب على نفسه نذراً، وفيما أُوْجِبَ على المسافر والحائض من قضاء ما فاتهم من شهر رمضان، وكذلك المريض، ثم يبرأ(3).
وفيما يتقون(4)ويأتون من الطعام، والشراب، والنكاح. ومن الغسل من الجنابة.
وأن من الكتاب ناسخاً ومنسوخاً، نحو أمر القبلتين، وإمساك النساء الفواجر في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل اللّه لهن سبيلاً.
وأن من تعمد أن يخبر بما يعلم أنَّه لم يكن فيقول: إنَّه قد كان، أو بما يعلم أنَّه لا يكون فيقول: إنَّه يكون، أو يقول قد كان؛ فهو كاذب، أو بما لا يعلم أو بما لا يفعل فهو جاهل، وأن اللّه من ذلك بريء.
__________
(1) في ط: وضلوا.
(2) في ج، ب: الحرمات. وفي هامش ج بعد قوله: الحرمات: ولا أذى أحد من أهل الصلاة.
(3) كذا في (أ ، ج).
(4) في ط: ينفقون، وهو خطأ.(1/150)

30 / 209
ع
En
A+
A-