فقال: ممَّا يمكرون، ولولا أنهم يقدرون على المكر والخديعة والمعصية ما قال: يمكرون.
ثُمَّ قال في أهل الجنة: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ ممَّا عَمِلُوا}[الأنعام: 182]، {وَحُورٌ عِيْنٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ، جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الواقعة: 22]، ثُمَّ قال: في أهل النار: {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرِوْنَ}[الأنعام: 93]، وقال: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}[فصلت: 28]، و{يَصْنَعُونَ} [المائدة: 14، 63، والنحل: 112، والنور: 30، وفاطر: 8]، و {يَمْكُرُونَ} [الأنعام: 123، 124، ويوسف: 102، والنحل:127، والنمل: 70، وفاطر: 10]، و{يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنعام 5، 10، وهود: 8، والحجرات: 11، والنحل: 34، والأنبياء:41، والشعراء: 6، والروم: 10، ويس:30، والزمر: 48، وغافر: 83، والزخرف: 7،والجاثية: 33، والأحقاف: 26]، و {يَسْخَرُونَ} [البقرة: 212، والصافات: 12]، و {يَخْدَعُونَ} [البقرة: 9]، و {يَفْسُقُونَ} [البقرة: 59، والأنعام: 49، والأعراف:163،165، والعنكبوت: 34]، و{يَكْذِبُونَ} [المطففين: 11، والإنشقاق:22]، و{يَقْتُلُونَ النَّبِيِّيْنَ بِغِيْرِ حَقٍ} [البقرة:61]، و{يَقْتُلُونَ الَّذِيْنَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيْمٍ} [آل عمران:21]، كل هذا اختيار من أنفسهم.
[الإذن]
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه:(1/121)
الإذن في كتاب الله على وجهين: علم، وأمر: قال الله عز وجل: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيْبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ} [التغابن:22]، يقول: بعلم الله، ويقول: {وَمَاهُمْ بِضَارِّيْنَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ} [البقرة: 102]، يقول: بعلم الله، وقال: {فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنبياء: 109]، يقول: أعلمتكم، وقال: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ}[البقرة:279]، يقول: اعلموا أنكم إن لم تقلعوا (عن)(1) الربا صرتم حرباً لله ولرسوله.
والإذن الثاني: إذن أمر، قال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ}[يونس:100]، يقول: بأمر الله، لولا أن الله أمرها بالإيمان لم تؤمن، ولكن جعل في الإنسان العقل ثُمَّ أمره بالإيمان فآمن بإذن الله وأمره.
[الكفر]
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه:
الكفر في كتاب الله على معنيين.
أحدهما: كفر جحود وإنكار وتعطيل، وذلك قول الله سبحانه يحكي عن قوم من خلقه: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ}[الجاثية:24]، فهؤلاء الدهريون المعطلون(2)، الزنادقة(3)، الملحدون(4).
__________
(1) في الأصل: (من).
(2) الذين ذهبت بهم مبالغتهم في التنزيه لذات الله عن الصفات إلى حد تجريدها ممَّا هو ضروري كي تكون (فاعة) ومؤثرة وموجودة. كذا، ولعلها: فاعلة، وقد خلط بين معاني التعطيل، ومقصود الإمام: نفي الخالق أصلاً.
(3) الزندقة:في الأصل تعني التحرر من الإلتزام بالعقائد الدينية، وشاعت بمعنى إنكار الخالق، ورادفت الإلحاد.
(4) والإلحاد يعني رفض جميع الحجج الَّتي يؤسس عليها المؤمنون أدلتهم على وجود الله، ومعنى الكلمة في الأصل الميل عن القصد والإنحراف عن السبيل.(1/122)
والكفر الثاني: كفر النعمة، وذلك قوله سبحانه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رُبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيْدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِيْ لَشَدِيْدٌ}[إبراهيم:7]، يقول: حكم الله لشاكرالنعمة بالزيادة، ولكافر النعمة بالعذاب الأليم.
ثُمَّ قال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:44]، والكافر(1) فهو كل من ارتكب معاصي الله وخالف أمره وضاد حكمه، فهو كافر لنعم الله معاند لله يجب البراء منه(2) والمعاداة له، كما قال الله سبحانه: {لا تَجِدُ قَوماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَومِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيْرَتَهُمْ}[المجادلة:22]، فحرم الله موادة من كان لله عاصياً وله معانداً.
[الشِّرك]
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه:
الشرك في كتاب الله على وجوه، قال الله عز وجل: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِيْنَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}[التوبة:5]، فالمشرك من عبد مع الله غيره كائناً ما كان، من الجمادات والحيوان، فالجماد مثل ماكان المشركون يعبدون في الجاهلية من الأصنام، من حجر أو عود أو نجم، ويقولون إذا سئلوا عن عباداتهم(3): {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى}[الزمر:3]، وقوم منهم على وجه التقليد يقولون: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}[الزخرف: 23].
__________
(1) ليست في: (ب).
(2) في (ب): تجب البراءة منه.
(3) في (ب): عبادتهم.(1/123)
والوجه الثاني: من الشرك: فهو: كما قال الله عز وجل: {ووَيْلٌ لِلْمُشِرِكِيْنَ الَّذِيْنَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}[فصلت:6،7]، فسماهم مشركين بتركهم أداء زكاتهم. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( ما نع الزكاة وآكل الربا حرْبايَ في الدنيا والآخرة ))، ومن كان حرباً للنبي فهو مشرك، ثُمَّ قال صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا يقبل الله صلاة إلاَّ بزكاة، كما لايقبل صدقة من غلول ))(1)، يعني أنَّه إذا غل الإنسان(2) زكاة ماله ثُمَّ تصدق ببعض ماله أو بكله أنَّ تلك الصدقة لا تقبل، وقال: (( لا تقبل صلاة إلاَّ بزكاة ))، وقال: (( الزكاة قنطرة الإسلام )).
والوجه الثالث من الشرك: أنَّه من أطاع عدواً من أعداء الله فهو مشرك بالله، كما قال الله سبحانه: {وَإِنَّ الشَّيَاطِيْنَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}[الأنعام:121]، فمن أطاع شيطاناً من الشياطين ـ كان المطاع ظالماً أو عالماً متمرداً ـ فقد عبده.
__________
(1) أي: الذي يخون ويأخذ حق الفقراء والمساكين خفية فيخفيه تهرباً من أدائه.
(2) في (ب): إنسان.(1/124)
والوجه الرابع من الشرك: فقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( مدمن الخمر كعابد وثن ))، قيل: وما مدمنه يارسول الله؟ قال: (( الذي كل ما وجده شربه، ولو كان في كل عام مرة ))، فجعل شارب الخمر كعابد الحجر، والخمر فهو: ما خامر العقل فأفسده، كان من عنب أو زبيب، أو تمر أو عسل، أو ذرة أو شعير، وكل ما أسكر فهو حرام، يقول(1) النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( ما أسكر كثيره فقليله حرام ))، وقال الله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيْهِمَا إِثْمٌ كَبِيْرٌ وَمَنَافِعٌ لِلَّنَاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}[البقرة: 219]، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يتعاملون في الخمر والميسر فيربحون منهما؛ فقال لهم ربهم: {إِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}، فالخمر هو ماخامر العقل فأفسده، والميسر فهو القمار كله، من نرد، أو شطرنج، أو لهو، ثُمَّ قال عز وجل: { فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [المائدة: 90]، والرجس والإثم في كتاب الله محرمان، قال الله عز وجل: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِليَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أًوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيْرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَو فِسْقاً} [الأنعام: 145]، فجعلها مثل الدم المسفوح ولحم الخنزير، وقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ}[الأعراف: 33]، فذكر أن الإثم(2) محرم، فلما نزلت الآية على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تحريم الخمر كان قوم من أصحابه يشربونه قبل التحريم؛ فقالوا يا رسول الله فكيف (بفلان)(3) وإخواننا الذين كانوا يشربون الخمر حتَّى ماتوا؟ فأنزل الله على رسوله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِيْنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيْمَا طَعِمُوا إِذَا
__________
(1) في (ب) لقول.
(2) الإثم: اسم من أسماء الخمر.
(3) في (ب): بصلاتنا.(1/125)