مشمر، مجتهد غير مقصر.
فمن كان كذلك من ذرية الحسن والحسين فهو الإمام المفترضة طاعته، الواجبة على الأمة نصرته، مثل من قام من ذريتهما من الأئمة الطاهرين، الصابرين لله المحتسبين، مثل زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه(1) إمام المتقين، والقائم بحجة رب العالمين، ومثل ابنه يحيى المحتذي بفعله، ومثل محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الذي جاء فيه الخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله، أنَّه خرج ذات يوم إلى باب المدينة، فوقف في موضع ومعه جماعة من أصحابه، فقال لهم: (( ألا أنَّه سيقتل في هذا الموضع رجل من ولدي، اسمه كاسمي، واسم أبيه كاسم أبي، يسيل دمه من ها هنا إلى أحجار الزيت، وهو النفس الزكية، على قاتله ثلث عذاب أهل النار ))(2).
__________
(1) في هامش ط: وكان خروجه على هشام بن عبد الملك الأموي، ولقد استشهد في نفس العام الذي خرج فيه، وهناك خلاف في تاريخ هذا الحدث هل هو سنة120 أم سنة 122 هـ؟راجع (المقصد الحسن والمسلك الواضح السنن) مخطوط مصور، دار الكتب المصرية (29137 ب) اللوحات 178، 179. لأحمد بن يحيى بن حابس الصعدي اليماني.
(2) في هامش ط: وكان خروج النفس الزكية بالمدينة ضد بني العباس، طالباً الخلافة لنفسه، كما كان مقتله في 14 رمضان سنة 145 هـ، وكانت قيادة الجيش العباسي بيد عيسى بن موسى.(1/101)


ومثل أخويه إبراهيم(1) ويحيى(2) ابني عبد الله، ومثل الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وهو صاحب فخ(3)، ومثل محمد(4) والقاسم(5) ابني إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فمن كان كذلك من ذرية الحسن والحسين فهو إمام لجميع المسلمين، لا يسعهم عصيانه، ولا يحل لهم خذلانه، بل يجب عليهم موالاته وطاعته، ويعذب اللّه من خذله، ويثيب من نصره، ويتولى من تولاه، ويعادي من عاداه.
__________
(1) في هامش ط: وكان خروجه بالبصرة في نفس السنة التي خرج فيها النفس الزكية (سنة 145 م) ولقد قاتل العباسيين الذي قاد جيشهم عيسى بن موسى، وقتل إبراهيم في (باخمرى) في 25 ذي القعدة سنة 145 هـ.
(2) في هامش ط: وهو الذي قاتل العباسيين أيام الهادي، وأيام الرشيد، ثم أعطى له الرشيد أماناً، فجاء بغداد، ثم حبسه الرشيد لدى جعفر البرمكي الذي أطلق صراحه مما أغضب عليه الرشيد، وهناك خلاف في موته هل مات في حبسه؟ أم قتل عند سندي بن شاهك، مولى المنصور، الذي خدم الرشيد والمأمون.
(3) في هامش ط: وفخ واد بمكة، قد دفن فيه عدد من الصحابة منهم عبد اللّه بن عمر، وكان خروج الحسين هذا ومقتله به سنة 169 هـ زمن الهادي العباسي، وكان قائد جيش الهادي في هذه الموقعة محمد بن سليمان.
(4) في هامش ط: هو محمد بن طباطبا (73 ـ 199 هـ) أحد أئمة الزيدية.
(5) في هامش ط: هو الإمام القاسم الرسي، جد الإمام يحيى بن الحسين. راجع المقريزي (اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء) ص 7 ـ 13.(1/102)


ومما روى الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: أخبرني أبي، قال: قال جدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، قال(1):(( إنه سيخرج منا رجل يقال له زيد، فينتهب ملك السلطان فيقتل، ثم يصعد بروحه إلى السماء الدنيا، فيقول له النبيون: جزى اللّه نبيك عنا أفضل الجزاء كما شهد لنا بالبلاغ، وأقول أنا: أقررت عيني يا بني، وأديت عني، ثم يذهب بروحه من سماء إلى سماء حتى ينتهى به إلى اللّه عزَّ وجل، ويجيء أصحابه يوم القيامة يتخللون أعناق الناس بأيديهم أمثال الطوامير(2) فيقال: هؤلاء خلف الخلف، ودعاة الحق إلى رب العالمين )).
وفيه (3)، عن محمد بن الحنفيَّة(4) أنَّه قال: (( سيصلب منا رجل يقال له زيد(5) في هذا الموضع ـ يعني موضعاً بالكوفة يقال له الكناس(6) ـ، لم يسبقه الأولون ولا الآخرون فضلاً.
__________
(1) كذا.
(2) في هامش ط: الصحائف، ومفردها طامور وطومار.
(3) الضمير للإمام زيد في جميعها.
(4) في هامش ط: هو إمام الفرقة الكيسانية من فرق الشيعة، وفي تاريخ وفاته خلاف بين سنوات 81، 83، 72، و 73 هـ، وفي محل وفاته خلاف كذلك بين المدينة، والطائف، وأيلة. راجع اتعاظ الحنفاء للمقريزي. ص 6.
(5) في ط: زيد بن علي.
(6) كذا، وفي ط: الكنائش، ولعلها: الكناسة.(1/103)


وفيه عن محمد بن علي بن الحسين باقر العلم(1)، أن قوماً وفدوا إليه فقالوا: يا ابن رسول الله، إن أخاك زيداً فينا، وهو يسألنا البيعة، أفنبايعه؟ فقال لهم محمد: بايعوه، فأنه اليوم أفضلنا. وعنه أيضاً أنَّه اجتمع زيد ومحمد في مجلس، فتحدثوا، ثم قام زيد فمضى، فأتبعه محمد بصره، ثم قال: لقد أنجبت أمك يا زيد.
وفيه ما قال جعفر بن محمد الصادق رحمة اللّه عليه(2)، لما أراد زيد الخروج إلى الكوفة من المدينة؛ قال له جعفر: أنا معك يا عم. فقال له زيد: أوما علمت يا ابن أخي أن قائمنا لقاعدنا وقاعدنا لقائمنا، فإذا خرجت أنا وأنت فمن يخلفنا في حرمنا، فتخلف جعفر بأمر عمه زيد.
وعن جعفر أيضاً لما أراد يحيى بن زيد اللحوق إلى أبيه، قال له ابن عمه جعفر أقرئه عني السلام، وقل له: فإني أسأل اللّه أن ينصرك ويُبقيك، ولا يرينا فيك مكروهاً، وإن كنت أزعم أني عليك إمام فأنا مشرك.
__________
(1) هو أحد أئمة الشيعة الاثني عشر، وكان عالماً كبيراً، سمي بالباقر لعلمه الغزير، إذ معنى: تبقر في العلم: توسع فيه. ولد بالمدينة في 3 صفر سنة 57 هـ ومات بالحميمة، ودفن بالمدينة، وهناك خلاف في تاريخ وفاته بين سنوات 113، 114، 117، و 118 هـ راجع اتعاظ الحنفاء للمقريزي. ص 14.
(2) هو أحد أئمة الشيعة الاثني عشر ومن كبار علمائهم، توفي بالمدينة سنة 148 هـ وفي تاريخ ميلاده خلاف بين سنتي 80 و 83 هـ . راجع المصدر السابق. ص 14.(1/104)


وعنه أيضاً لما جاءه خبر قتل أبي قرة الصقيل بين يدي زيد بن علي، تلا هذه الآية: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}[النساء: 100]، رحم اللّه أبا قرة. وعنه أيضاً، لما جاءه خبر قتل حمزة بين يدي زيد بن علي تلا هذه الآية: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}[الأحزاب: 23]. وعنه لما جاءه خبر قتل عمه زيد وأصحابه، قال: ذهب والله زيد بن علي كما ذهب علي بن أبي طالب والحسن والحسين وأصحابهم شهيداً(1) إلى الجنة، التابع لهم مؤمن، والشاك فيهم ضال، والراد عليهم كافر.
وإنما فَرَّق بين زيد وجعفر قوم كانوا بايعوا زيد بن علي، فلما بلغهم أن سلطان الكوفة يطلب من بايع زيداً ويعاقبهم، خافوا على أنفسهم، فخرجوا من بيعة زيد ورفضوه مخافة من هذا السلطان، ثم لم يدروا بم يحتجون على من لامهم وعاب عليهم فعلهم، فقالوا بالوصية حينئذ، فقالوا: كانت الوصية من علي بن الحسين إلى ابنه محمد، ومن محمد إلى جعفر، ليموهوا(2) به على الناس، فضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل، ابتغوا(3) أهواء أنفسهم، وآثروا الدنيا على الآخرة، وتبعهم على قولهم هذا من أحب البقاء وكره الجهاد في سبيل الله.
__________
(1) في ب: شهداء.
(2) في ط: ليوهموا.
(3) في ب: اتبعوا.(1/105)

21 / 209
ع
En
A+
A-