وقد رمزت لكل منهما في ما اعتمدت فيها عليه بالحرف (ط).
(تنبيه) تختلف النسخ الخطية الثلاث في بعض عناوين الكتب والرسائل وفي محتوياتها وفي ترتيبها، وقد ذكرت محتويات كل منها وترتيبها ليكون المطلع على معرفة بذلك ولأمانة التحقيق لمن له غرض في معرفة محتوياتها وترتيبها؛ لأنني قد رتبتها ترتيباً آخر، فكان من المناسب ذكر ذلك، كما أنه قد تظهر بعض الأخطاء المطبعية غير المقصودة والتي لا يخلو منها مطبوع مهما بلغت عنايته ودقته فمن أصلحها ونبه عليها فله جزيل الشكر، وقد يحدث خطأ أيضاً في رموز المخطوطات لمن أراد المقابلة فليتنبه لذلك، وقد دللنا المطلع على وصف المخطوطات وتواريخها لذلك والله المستعان.
****
كلمة شكر
ولا بد لي في الأخير من كلمة شكر وتقدير وعرفان لكل من أعانني في طبع ونشر وإخراج هذا المجموع في هذه الحلة البهية، وأخص منهم بالذكر صاحب الفضيلة السيد العلامة محمد بن محمد المنصور حفظه الله، لما بذله من جهد في سبيل الحصول على نسخة من مكتبة الجامع الكبير، والأخ الأستاذ العلامة المحقق صاحب مركز النور للبحوث والدراسات والتحقيق محمد يحيى سالم عزان حفظه الله لما بذل من جهد في الاشراف على صف وتصحيح وإخراج المجموع بهذه الصورة الأنيقة، وكذلك الإخ الأستاذ صالح عبدالله قربان الذي كان له شرف صف المخطوطة وإدخال التصحيحات، كما اشكر الأخوين العزيزين الأستاذ العلامة محسن بن صالح الحمزي والأستاذ العلامة صاحب مكتبة التراث الإسلامي بصعدة محمد بن قاسم الهاشمي، والأخ العزيز الأستاذ غايب جابر يحيى الرازحي لتعاونهم المادي بواسطتهم، وكل الأخوة الأعزاء الذين مدوا لي يد العون سائلاً المولى عز وجل أن يثيبهم خير الثواب.
وأدعو كل القادرين بمختلف الجهود لإخراج تراثنا اليمني العظيم لتستفيد منه أمتنا العربية والإسلامية وكل العالم، سائلاً المولى عز وجل أن يأخذ بأيدينا إلى ما فيه صلاح أمتنا الإسلامية إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وآله الطاهرين.
علي أحمد محمد الرازحي
صعدة: 25/1/1419هـ
الموافق: 21/5/1998م(1/46)
رسائل جامعة في مسائل الأصول
كتاب المنزلة بين المنزلتين
m
الحمدلله وبه نستعين.
قال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليه السلام:
إن سأل سائل فقال: من أين زعمتم أن الحق في أيديكم دون غيركم، وجميع من خالفكم يدَّعي مثل ما ادعيتم؟
قلنا له: إن أقرب الأشياء عندنا الذي علمنا به أنا على الحق ومن خالفنا على الباطل؛ أن جميع فرق الأمة بجملة قولنا مصدقون، ونحن لهم فيما انفردت به كل طائفة منهم مكذبون. وهم فيما ندين اللّه به من أصول (التوحيد) و(العدل) و(إثبات الوعد والوعيد)، والقول بـ(المنزلة بين المنزلتين)، و (الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر) مصدقون.
وجميع أهل الصلاة عندنا خمسة أصناف: (الشيعة)، و(المرجئة)، و(الخوارج)، و(المعتزلة)، و(العامة)، فقد شهدت لنا هذه الفرق كلها في أصل شهادتها بما نقول، ثم نقض ذلك بعضهم، فأقمنا على أصل ما شهدوا لنا به، ولم ننقض ذلك كما نقضه بعضهم.
وذلك أنهم شهدوا: أن اللّه واحد ليس كمثله شيء؛ ثم نقضت ذلك المشبهة(1) بقول من قال منهم: إنه على صورة آدم، وبقول من قال: إنه جسم محدود، وبأقاويل لهم كثيرة، كلها تنقض قولهم: واحداً(2) ليس كمثله شيء، لوصفهم له بالأجزاء والأعضاء والحدود، والزوال والإنتقال تعالى اللّه عما قالوا علواً كبيراً.
__________
(1) في هامش (ج): المجسمة.
(2) في (أ) و(ج): واحد.(1/47)
فعلمنا أن الذي ليس كمثله شيء لا يكون على صورة شيء، ولا يكون جسماً محدوداً، لأن من كان كذلك؛ كان أجزاء كثيرة بعضها غير بعض، ولم يكن واحداً؛ لأن الواحد في الحقيقة لا يكون له أشباه، ولا يكون له ثان.
فلما شهدوا لنا أنه واحد ليس كمثله شيء؛ أخذنا بذلك وتركنا اختلافهم؛ إذ نقضوا به شهادتهم الأولى(1).
فهذا ديننا وشهادتنا، وحجتنا على كل من خالفنا في التوحيد.
وأما شهادتهم لنا في العدل؛ فإنهم شهدوا أن اللّه تبارك وتعالى عدل لا يظلم ولا يجور، وأنه خير للخلق من الخلق لأنفسهم، وهو أرحم الراحمين.
ثم نقضت ذلك المجبرة، بقول من قال منهم: إنه كلف العباد ما لا يطيقون، وأنه أخرجهم من الطاعة، وأنه عذبهم على ما خلقه فيهم.
وبقول من قال منهم: إن اللّه يريد أن يعصى؛ ثم يغضب مما أراد.
(وبقول من قال منهم: إنه يعذب الطفل الصغير، بجرم الشيخ الكبير) (2).
وبأقاويل كثيرة كلها تنقض قولهم: إنه عدل لا يجور، تعالى اللّه عما قالوا. فعلمنا أن العدل الرحيم لا يفعل ذلك؛ إذ كان ذلك ممن فعله جوراً وظلماً وعبثاً تعالى اللّه عن ذلك.
فأخذنا بما شهدوا لنا به في أصل شهادتهم: أنه لا يظلم، ولا يجور، ولا يعبث، وأنه حكيم رحيم، عدل كريم، وتركنا ما نقضوا به جملتهم عند اختلافهم.
فهذا ديننا، وحجتنا على من خالفنا في العدل.
وأما شهادتهم لنا في الوعد والوعيد؛ فإنهم شهدوا جميعاً: أن اللّه تبارك وتعالى صادق في جميع أخباره، وأنه لا يخلف الميعاد، ولا يبدل القول لديه، صادق الوعد والوعيد في أخباره.
ثم نقض ذلك المرجئة (3)، بقول من زعم أن اللّه جائز أن يعفو لمن قد أخبر أنه يعذبه.
__________
(1) سقط من (أ) و(ج): الأولى.
(2) سقط من (أ).
(3) في (أ): المجبرة.(1/48)
وخالف ذلك منهم، من زعم أن اللّه يقول: من زنى عذبته بالنار يوم القيامة، فيأتي الخبر من اللّه ظاهراً مطلقاً، ليس معه استثناء؛ ثم لا يعذب أحداً من الزناة يوم القيامة، ولا تمسهم النار، لأنهم زعموا أنه استثنى ذلك عند الملائكة، فقال: إني إنما أعذبهم(1) إن شئت، وإلا فإني أغفر لهم. أو يقول: إلا أن أتفضل عليهم بالعفو، وإنما عنى أني أعذبهم إلا أن يغتسلوا من جنابة الزنى، فإن اغتسلوا من جنابة الزنى أو فعلوا شيئاً من الخير غفرت لهم.
فلما جوزوا ذلك في أخبار الله؛ نقضوا معنى ما حكم اللّه به في وعده ووعيده.
وادعى بعضهم الخصوص في الأخبار؛ فزعموا أن كل خبر جاء من اللّه عاماً في الظاهر؛ فقد يجوز أن يكون خاصاً، كقول اللّه عز وجل: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}[التوبة49]، فزعموا أنه يجوز أن يكون عنى بعض الكافرين دون بعض. وكذلك قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النور:23]، وأنه يجوز عندهم أن يكون في بعض القاذفين دون بعض، إلا أنهم يعلمون أن الكفار كلهم يعذبون بإجماع الناس على ذلك.
وأما أصحاب الكبائر فيجوز عندهم أن لا يعذب أحد منهم، ولا تمسه(2) النار.
وزعم بعضهم أنه ليس في أهل الصلاة وعيد، وإنما الوعيد في الكفار خاصة دون غيرهم.
وكل هؤلاء وغيرهم من أصناف المرجئة (3) ناقضون لمعنى ما أخبر اللّه في كتابه، وحكم به من وعده ووعيده.
__________
(1) في (أ): فقال له: إنما أعذبهم.
(2) في (ج) و(ب): ولا تمسهم.
(3) في (أ): المجبرة.(1/49)
فلما شهدت لنا الفرق كلها أن اللّه صادق الوعد والوعيد، لا خلف لوعده، ولا تبديل لقوله؛ أخذنا بما أجمعوا عليه من ذلك، ولم ننقض معاني الأخبار كما فعلت المرجئة، وعلمنا أن اللّه تبارك وتعالى إذا أخبر بشيء كان كما قال، لا تبديل لذلك ولا نقض، ولا تكذيب ولا نكث، ولا تنسخ أخباره أبداً بشيء، ولا يظهر لنا خبراً ثم يفعل خلافه، ولا يظهر لنا عموم الأخبار في وعده ووعيده ثم يجعلها خاصة من حيث لا نعلم؛ لأن ذلك كله غير جائز على الله، تعالى اللّه عما قالت المجبرة والمرجئة(1) علواً كبيراً.
فهذا ديننا وحجتنا على من خالفنا في الوعيد.
وأما شهادتهم لنا في المنزلة بين المنزلتين، وقولنا: إن أهل الكبائر من أهل الصلاة فساق وفجار أعداء لله، ظلمة معتدون، فإنهم شهدوا لنا بذلك، فشهدنا بما شهدوا.
ثم ادعى بعض الخوارج: أنهم كفار، وأن فسقهم قد بلغ بهم الكفر والنفاق دون الشرك.
(وقال بعضهم: قد بلغ بهم فسقهم الكفر والشرك)(2). ويقال: إن الزيدية أو بعضهم يزعمون أن فسقهم قد بلغ بهم الكفر (3).
وادعت المرجئة: أنهم مع فسقهم مؤمنون، وخالفهم في ذلك عامة الأصناف.
وقالت المعتزلة: هم فساق وفجار، لا يبلغ بهم فسقهم كفراً ولا شركاً ولا نفاقاً. وكذلك قالت المرجئة والعامة.
وقالت المعتزلة أيضاً: لا يجب لهم اسم الإيمان مع الفسوق. وكذلك قالت الخوارج والشيعة الزيدية.
فوجدناهم كلهم قد أجمعوا على شهادة واحدة أنهم فساق فجار معتدون، فأخذنا بما أجمعوا عليه من ذلك، وتركنا ما اختلفوا فيه؛ مما كذب فيه بعضهم بعضاً؛ فسميناهم فساقاً فجاراً، وبرأناهم من الكفر والشرك والنفاق إذ كانوا فيه مختلفين، ولم نوجب(4) لهم اسم الإيمان؛ إذ كانوا عليه ـ عند إصابتهم الكبائر ـ غير مجتمعين، ولم يكن شيء من اختلافهم حجة من حجج رب العالمين.
__________
(1) سقط من (أ): المرجئة.
(2) سقط من (أ).
(3) لعل المراد كفراً دون كفر، أو كفر النعمة.
(4) في (أ): ولو وجب.(1/50)